أول مولد كهربائي في القرى الفلسطينية
زهران معالي
قبل أكثر من 70 عاما، شهدت بلدة عصيرة الشمالية شمال نابلس، حدثا استثنائيا جعلها محط أنظار وسائل إعلام عربية ومحلية؛ كأول قرية عربية فلسطينية تستغني عن خدمات شركة روتنبرغ اليهودية، وتنير منازلها بالكهرباء بتمويل وأيادٍ فلسطينية.
ويروي ابن البلدة محمد سعيد صابر، في كتابه "عصيرة الشمالية تراث وأصل"، أن "أهالي البلدة في بداية الأربعينيات اتجهوا للعمل في معسكرات الجيش البريطانية المتواجدة في المدن الفلسطينية، فازداد وعيهم بعد أن عاشوا في أجواء تلفها الأنوار الكهربائية من كل ناحية، وحمل العائدون منهم للبلدة أفكارا وطموحات جديدة لاقت قبولا من الأهالي، انتهت بإنارة القرية عبر مواتير خاصة".
وللإنارة في البلدة قصة طموح ومقاومة، بدأت عندما أحضر ذياب عارف صوالحة، أول مولد يعمل على الديزل لإنتاج الكهرباء في المنطقة الشرقية لبيوت البلدة، مقابل 10 قروش على اللمبة (المصباح) الواحدة، وفق ما يروي لـ"وفا"، عاصم ياسين.
في ذات الفترة، أحضر مواطنون مولدا آخر للكهرباء في المنطقة الغربية في البلدة، الأمر الذي أدى لتضارب في أسعار الإنارة ولتوقف الخدمة بعد سنوات، إثر الخسارة المتكررة، وفق ياسين.
وبدأت أول نواة لشركة كهرباء في فلسطين في العهد العثماني في العام 1914، عندما منحت الدولة العثمانية أحد رعاياها اليونانيين واسمه يوربيدس مفروماتس، امتيازا لتوليد الطاقة الكهربائية وتوزيعها في القدس.
ورفضت حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين، الاعتراف بحقوق مفروماتس، وحاول اليهودي بنحاس روتنبرغ وهو روسي الأصل، انتزاع حق الامتياز من مفروماتس، الأمر الذي دفع الحكومة اليونانية في العام 1924، إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإلزام الحكومة البريطانية بالاعتراف بالامتياز أو دفع تعويضات مناسبة، ونتيجة الدعوى والمفاوضات التي صحبتها بعد أن أقرت محكمة العدل الدولية أنه يحق للحكومة اليونانية (باعتبار أن مفرماتس أحد رعاياها)، اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للنظر في الدعوى لحماية حقوقه المتمثلة في الامتياز المذكور.
ووافق المندوب السامي البريطاني على إعادة الامتياز لصاحبه، وأصدر القانون المعروف بقانون تقنين امتياز توليد الكهرباء وتوزيعها في مدينة القدس وجوارها، والمنشور في مجموعة درايتون فصل 53.
وفي البلدة القديمة في عصيرة الشمالية، ما زال يربض مولد كهربائي أحضر من ميناء حيفا في العام 1947 داخل المعصرة الاقتصادية، لكنه صامت لا يعمل؛ بعد أن كان إحدى الوسائل التي قاوم فيها أهالي البلدة، الاحتلال الإسرائيلي وشركاته.
يقول ياسين: هذا العام كان استثنائيا بالنسبة لأهالي البلدة، الذين رفضوا شراء الكهرباء من شركة روتنبرغ اليهودية، وتمكنوا من شراء مولدين أحضرا من ميناء حيفا لتشغيل معصرة عصيرة الاقتصادية ومعصرة الشركة، واستخدما لإنارة القرية من وقت الغروب حتى الحادية عشرة ليلا.
وشهدت الكهرباء في البلدة تطورا مستمرا، خاصة بعد العام 1962، حيث تم تأسيس جمعية عصيرة للتنوير الكهربائي، والتي عملت على تطوير شبكة الكهرباء في البلدة، إلا أن الجمعية أصيبت بنكسة بعد احتلال إسرائيل للضفة الغربية في العام 1967، كما يوضح أحد مؤسسي الجمعية فوزي أسعد (80 عاما).
ويوضح أسعد أن "الجمعية كانت فترة عصر ذهبي للبلدة، استطاعت خلالها الحفاظ على سيادتها واستقلالها الإداري والمالي حتى تسليم الجمعية لإدارة البلدية في العام 1994، والتي عملت على عقد اتفاقية مع بلدية نابلس لتزويدها بالكهرباء".
"طوال 50 عاما لم نخضع لإغراءات الاحتلال وشركاته للانضمام للقطرية الإسرائيلية، ولكن ما حدث عام 1994 يدعو للدهشة"، قال أسعد.
تلك التجربة التي عاشها أهالي البلدة طوال 50 عاما من الاستقلالية في الكهرباء، لم تعد ممكنة اليوم في ظل ازدياد الأحمال على الشبكة وارتفاع عدد المشتركين في البلدة إلى 2500 مشترك، الأمر الذي جعل البلدة والمدن الفلسطينية كذلك، رهينة لقرارات الشركة الإسرائيلية.
ويوضح رئيس البلدية حازم ياسين: مع قدوم شركة كهرباء الشمال، تحسنت قدرة الكهرباء مقارنة بالفترة الماضية التي كانت تعمل فيها على مولدات، إلا أننا نواجه تعطلا لساعات في التيار الكهربائي.
ويضيف: كان القرار سابقا إبان الجمعية بأيدي البلد في إشعال الكهرباء وقطعها وحل مشاكل الناس والصيانة بشكل أسرع والأسعار مخفضة، لكن الآن لا نملك قرارا.
وينوه إلى أن لدى البلدية خطة لاستغلال الطاقة الشمسية لإنارة مبنى البلدية والمدارس والمساجد وإنارة شوارع البلدة وتشغيل خزان مياه، حيث تمت مراسلة سلطة الطاقة بهذا الموضوع.
وتحتاج الضفة الغربية شهريا 900 ميغافولت، فيما يحتاج قطاع غزة إلى 500 ميغافولت، متوفر منها 140 فقط، وفق ما أوضح رئيس سلطة الطاقة ظافر ملحم.
وأضاف ملحم أن 92% من الكهرباء التي تغذي الشبكة الفلسطينية مصدرها إسرائيل، فيما يتم تزويد أريحا بحوالي 20 ميغاوات من الأردن، وتنتج الضفة الغربية 15 ميغاوات، وغزة 3 ميغاوات من الطاقة الشمسية، ومشاريع صافي القياس (تنتجها شركات خاصة) 3 ميغاوات.
وأشار إلى وجود مشاريع توليد للطاقة الكهربائية بقدرة 340 ميغاوات من خلال غاز الميثان.
وأوضح ملحم أنه تم وضع حجر الأساس لمحطة توليد للطاقة الكهربائية في جنين بقدرة 450 ميغاوات، وسيتم العمل على بنائها خلال أشهر، بدعم من صندوق الاستثمار الفلسطيني، وستعمل على تخفيف الاعتماد على الجانب الإسرائيلي بما نسبته 50%.
وأضاف أن هناك محطة أخرى لتوليد الطاقة بقدرة 200 ميغاوات قيد الدراسة، ستتم إقامتها في مدينة الخليل، مشيرا إلى أنه في حال تجهيز محطتي التوليد السابقتين، "سنعتمد على ذاتنا بنسبة 70% في إنتاج الطاقة".
وقال رئيس سلطة الطاقة: في الضفة الغربية نصف مليون مشترك، وفي قطاع غزة 300 ألف مشترك، في الكهرباء.