البلدة القديمة في نابلس.. الألطف جوا في موجة الحر
بدوية السامري
منذ ولادته، يفضل المواطن سمير مصطفى خماش (65 عاما) ويقطن حارة الياسمينة داخل البلدة القديمة في نابلس، عدم مغادرة البلدة خلال موجة الحر، لأنها الألطف جوا في جميع أنحاء المدينة.
ويجلس خماش بجانب منزله ويقول: الحارات والأزقة جوها لطيف في هذه الفترة حتى مع موجة الحر، كما أن منازلنا دافئة شتاءً ولطيفة الحرارة صيفاً، لا أتصبب عرقا داخلها في هذه الأيام، كما أسمع من البعض داخل منازلهم.
ويضيف: "لدينا مروحة في المنزل ولا نقوم بتشغيلها، فنحن غالبا لا نحتاج إليها، بينما أوقدت المدفئة مرة واحدة طوال حياتي في فصول الشتاء التي مرت عليّ، وكان ذلك يوم وفاة والدتي من أجل المعزين، ولا أذكر أنني قمت بإشعالها بعد ذلك، وهذا كله بسبب طبيعة بناء منازلنا".
وتفضل المواطنة ليلى زعاب، وغيرها الكثير من المواطنين، المرور من البلدة القديمة في نابلس وصولا إلى وسط المدينة، للطافة الجو وهروبا من الحر الذي سيشعرون به لو سلكوا طرقا أخرى، كما تقول.
وقال المهندس نصير عرفات إن أهالي البلدة القديمة أقل تأثرا بالتغيرات الجوية مقارنة مع من يقطن خارجها، فأغلب المنازل لا يستخدم فيها التكييف، بسبب نظام بنائي ساعدهم على ذلك.
ويبدو أن من خطط وبنى في ذلك الحين، كان يفكر براحة السكان، خصوصا فيما يتعلق بالبرد والحر، فهناك مقومات عدة في البناء ساعدت على ذلك.
وأشار عرفات إلى أن المنازل القديمة تحافظ على حرارتها الداخلية نظرا لطبيعة البناء، فدرجة الحرارة داخلها إلى حد ما ثابتة، وبالتالي تكون في فصل الصيف أكثر برودة من غيرها، وفي فصل الشتاء أكثر دفئا.
وهناك عدة أسباب، منها العزل الحراري الذي توفره سماكة الجدران، فالجدار في منازل البلدة القديمة يتراوح سمكه ما بين 50 سنتمترا إلى متر، أو أكثر في بعض الأحيان، وهذا يؤدي إلى العزل مع الخارج المحيط، وذلك لا نجده في البنايات الحديثة، حيث يصل سمك الجدار 30 سنتمترا مع سماكة الحجر.
والسبب الآخر كما يراه عرفات، هو مواد البناء القديمة، وهي حجر من الداخل وحجر من الخارج، سمكه لا يقل عن 20 الى 25 سنتمترا، ويعبأ ما بين الجدارين حصى مكسرة مخلوطة بالطين والشيد، وهذه العناصر تخلط مع الماء وتوضع في الفراغ، وعندما تجف يصغر حجمها، وبالتالي تصبح هناك فراغات هوائية ما بين الجدارين الخارجي والداخلي، وهذا يزيد من قدرة الجدار على العزل أكثر.
ويضيف المهندس عرفات إلى ذلك، أن الأسقف سميكة، والعقود على زوايا الجدران التي تعلو الى السقف وتتقاطع لها دورها، فسمك الجدران في أضعف نقطة فيها لا يقل عن 50 سنتمترا، ويزيد في أقصى نقطة ليصل إلى متر ونصف المتر.
ومعظم المباني في البلدة القديمة لا تحوي واجهات سطحية باتجاه الشمس، كما أن تراكب الكتل المعمارية تعطي ظلا من مبنى على آخر، وبالتالي هناك نسبة كبيرة من الأسطح المعرضة للشمس تكون في ظل المباني الأخرى.
ويضيف عرفات أن البناء القديم في تصميمه المعماري يحوي عنصرين مهمين: أولهما وجود الساحة السماوية، فيهبط الهواء من جزء من المبنى ليصل الى نافورة الماء المتواجدة في أغلب هذه الساحات فيبرد الهواء، ولا يعاود الصعود فيدخل الى داخل المباني، ويصعد مكانه الهواء الساخن.
والعنصر الآخر هو ما يعرف بـ"المشربية" أو "البلكونة" الخشبية، ومعظمها تكون في الجهة الجنوبية لتمنع دخول الشمس إلى داخل المنزل، وما يدخل هو الهواء، وهذا يؤدي إلى تلطيف الأجواء الداخلية.
ويقول إن من يتمشى داخل البلدة القديمة يشعر بنسيم الهواء، وهذا يعود إلى أن الأزقة فيها ضيقة وواسعة، فعندما يمر الهواء من الزقاق الواسع الى الضيق، تزيد سرعته وبالتالي يؤدي الى تلطيف الأجواء.
وفي بعض مناطق البلدة القديمة في نابلس تجد قناطر، تحصر الهواء، فيخرج بدوره إلى منطقة مفتوحة يؤدي الى تسارع الهواء أيضا، فإذا كان لا بد لك من الوصول إلى وجهة ما بين شرق المدينة وغربها مشيا، فعليك المرور عبر البلدة القديمة.