5 آبار لا تروي ظمأ نابلس
بسام أبو الرب
لا تجد الموظفة في قسم توزيع المياه في بلدية نابلس، وقتا لتناول الفطور أو حتى الحديث مع من يجاورها. في غرفة صغيرة تتابع الموظفة عن كثب شاشة الكترونية كبيرة تعرض خطة توزيع المياه خلال الـ24 ساعة في المدينة التي تنشغل هذه الأيام بأزمة مياه نسبية.
وسط اللوحة الالكترونية التي يتعامل معها موظفو دائرة توزيع المياه في البلدية، عبر برنامج "اسكادا"، تشاهد جدول توزيع المياه والمناطق المزودة، إضافة الى رسم بياني يظهر كميات المياه المستهلكة لكل منطقة مقارنة مع الشهور التي سبقتها، وملاحظة ارتفاع معدلات الاستهلاك في ظل موجات الحر المتتابعة هذا الصيف.
عدد من المواطنين اشتكوا من انقطاع المياه وعدم انتظام وصولها الى منازلهم، وتوجههم الى شراء المياه من خلال نقلها بالصهاريج، في ظل موجات الحر المتتالية التي تضرب فلسطين.
"في العام 1934م، مددت شبكة المياه الأولى في مدينة نابلس لتحل محل القنوات الرومانية التي لم ينجح مهندسو الصيانة بتنظيفها وفتحها بسهولة عقب زلزال عام 1927، نظرا للدمار الهائل الذي حلّ بها، وكذلك نجحت بلدية نابلس بإقناع عدد من السكان ببناء بيوتهم بعيدا عن البلدة القديمة، بسبب تفشي الأمراض وتلوث مصادر المياه، وأن يستغلوا التلال المحيطة بالمدينة، مقابل أن توصل البلدية المياه إلى تلك البيوت"، حسب ما جاء في كتاب ينابيع نابلس.. شريان حياة عبر التاريخ، الذي كتبه خبير هندسة مصادر المياه أمجد عليوي.
"في العام 1948 زاد عدد سكان مدينة نابلس، وزاد الضغط على مصادر المياه، ولم تعد الينابيع تكف لتسقي الناس الماء، ثم تبع ذلك أن سقطت المدينة نفسها بيد الاحتلال الإسرائيلي في العام 1967، الذي لم يسمح بالعمل على إيجاد مصادر مياه جديدة بفعل قوانينه العسكرية ..."، كما ذكر عليوي.
"في صيف 2017، إسرائيل لم تزود مدينة نابلس ولا بنقطة ماء"، حسب ما أكد مهندس الصيانة في محطات الضخ والآبار في بلدية نابلس، أنس البرق.
وبين البرق أن هناك خمسة آبار تبعد حوالي 15 كيلومترا عن مركز المدينة، تعتمد عليها البلدية كمصادر للمياه، وهي: بئر سبسطية بقدرة إنتاجية 150 مترا مكعبا في الساعة، والذي يعتبر آخر مصدر مياه تم العمل به منذ العام 2010، وبئر الباذان بإنتاجية 190 مترا مكعبا في الساعة، و بئر الفارعة بقدرة انتاجية حوالي 170 مترا مكعبا في الساعة، وبئر دير شرف بقدرة 140 مترا مكعبا، إضافة الى جزء من بئر روجيب الذي تصل قدرته الإنتاجية إلى أقل من نصف ما هو متفق عليه.
وقال "هناك حوالي ثمانية ينابيع يتم ضخ المياه منها، لكن هذا الصيف انخفضت إنتاجيتها بشكل حاد، فمثلا عيون القريون كانت تزود 80 مترا مكعبا في الساعة، ولكن هذا العام وصلت إلى 42 مترا مكعبا في الساعة، وذلك بسبب شح الأمطار".
"في العام 1930 كانت نبعة القريون وحدها كافية لتلبي احتياجات سكان المدينة..."، يقول عليوي في كتابه ينابيع نابلس.. شريان حياة عبر التاريخ.
ثلاثة خزانات رئيسة يتم تعبئتها عقب سحب المياه من الآبار ثم توزيعها على المناطق في مدينة نابلس.
ووفقا للمهندس البرق، تنقسم نابلس الى حوالي 30 منطقة ضغط، منفصلة عن بعضها لضمان العدالة في التوزيع، ودورة ضخ المياه تتفاوت في عدد الساعات بناء على حجم الضغط وحجم السكان ومعدل الاستهلاك، وذلك بناء على قراءة كمية المياه المتدفقة ونسبة الضغط.
وأضاف البرق "أعمل في قسم المياه منذ سبع سنوات. هذه السنة الأصعب في توزيع المياه بسبب موجات الحر المتتابعة، ومحدودية المياه، وزيادة معدل الاستهلاك بشكل مضاعف".
وأكد أن بعض المناطق كانت تستهلك خلال شهر أيار الماضي ما يقارب 2800 متر مكعب خلال الدورة، ولكنها خلال الشهر الحالي تستهلك أكثر من 6000 متر مكعب، الأمر الذي يعني تضاعف الاستهلاك بشكل كبير، فيما المصادر لم يطرأ عليها أي تغيير.
وتحدث البرق عن خصوصية نابلس وطبيعتها الجبلية، وطريقة توزيع المياه بالتدرج من الأسفل إلى الأعلى، وهناك اعتراضات من قبل مواطنين بعدم عدالة التوزيع، ولكن الأمر منوط بطبيعة المنطقة الجبلية.
وبين أن طبيعة الاستهلاك من قبل المواطنين وعدم الترشيد، إضافة الى محدودية مصادر المياه، وطبيعة المدينة الطبغرافية، وسرقة المياه من قبل البعض، كلها عوامل ساهمت في تفاقم أزمة في المياه.
وقال رئيس بلدية نابلس عدلي يعيش: خلال السنوات الست الماضية، لم يتم حفر أي بئر أو بناء خزان للمياه، ولم يتم أي تطوير فيما يتعلق بتوزيعها أو الحصول عليها، في الوقت الذي ارتفع فيه استهلاك المواطنين، وهذا شكّل عبئا أكبر خصوصا مع زيادة المباني والمستخدمين للمياه.
ودعا يعيش المواطنين الى ترشيد استهلاك المياه، مما يوفر من 15 إلى 20 % من الاستهلاك اليومي.
ــ