دير استيا.. العلم والجمال
- عُلا موقدي
على مر التاريخ، شهدت بلدة دير استيا الواقعة الى الشمال الغربي من مدينة سلفيت تميزا واضحا بين القرى الفلسطينية، فتعتبر من أكثرها انتاجا لزيت الزيتون في المحافظة، وتصنيفها من أجمل عشر قرى في فلسطين.
اما في سلك التعليم فهي من اوائل قرى المحافظة التي أنشئت فيها المدارس، فقد كان عددٌ كبيرٌ من أهالي القرية يتقنون القراءة والكتابة منذ زمن الدولة العثمانية، ويتعلمون في المساجد والكتاتيب قبل وجود المدارس.
يبلغ عدد سكان دير استيا ما يقارب 5000 نسمة مقيمين داخل البلدة ويقارب الـ4000 نسمة يعيشون في مختلف المدن الفلسطينية وبالذات رام الله ونابلس والدول العربية والاجنبية، من بينهم 300 شخص يحمل درجة الماجستير والدكتوراة، ويبلغ عدد المنتسبين للجامعات الفلسطينية 280 طالبا، من بينهم 140 في جامعة النجاح الوطنية.
ومع اعلان نتائج الثانوية العامة لهذا العام، بلغت نسبة نجاح الفرع العلمي في مدرسة ذكور دير استيا الثانوية (100%) وكذلك للفرع التجاري المختلط (100%)، اما الفرع الأدبي بلغت نسبة النجاح (76%)، وبالنسبة لمدرسة بنات ديراستيا الثانوية فبلغت نسبة النجاح للفرع العلمي (100%) والفرع الأدبي (87%)، وحصل 23 طالبا وطالبة على معدلات فوق التسعين، كان من بينهم الطالبة رهف نظمي عوض، التي حصلت على المركز الأول على محافظة سلفيت بالفرع التجاري وبمعدل 98.1.
رفيق سلامة مدير التربية والتعليم السابق قال لـ"وفا": قرية دير استيا من اوائل قرى فلسطين في انشاء المدارس والكتاتيب، فقد تم انشاء اول مدرسة فيها عام 1923م، والكثير من اهاليها يتقنون القراءة والكتابة منذ زمن الدولة العثمانية، فتبوأ العديد من ابناء دير استيا في التعليم اماكن مرموقة في الوطن والخارج، وكان منهم رؤساء الجامعات ومدراء في المدارس، فيوجد في البلدة أكثر من مئة مختصٍ يحملون شهادة الدكتوراة في شتى المجالات، اضافة الى المئات من حملة الماجستير والبكالوريس.
وتابع، يُعزى ارتفاع نسب التحصيل الدراسي الملحوظ في البلدة، بسبب توارث الاهتمام بالتعليم من قبل الأهالي والوعي الكبير لديهم بأهمية التعليم واعتباره استثمارا نوعيا في الانسان، وتوفر الكوادر المؤهلة في المدارس والبنية التحتية المناسبة والآمنة والجاذبة في التعليم والدعم المستمر من قبل المجتمع المحلي لتطوير المدارس، والمتابعة الحثيثة من قبل اولياء الامور لابنائهم باستمرار والاطلاع على تحصيلهم اولا بأول، والتوزيع الصحيح للمعلمين والمعلمات المؤهلين في المدارس الثانوية.
وبحسب ارشيف بلدية دير استيا (2007)، تعتبر البلدة الأولى على مستوى الوطن من حيث عدد الحاملين للشهادات الجامعية العليا نسبة الى المساحة وعدد السكان، وفي عهد السلطة الوطنية شهدت البلدة تطورا كبيرا حيث أعادت وزارة التربية والتعليم فتح الصفوف العلمية التي أغلقها الاحتلال عام 1987م، كما يوجد في القرية عدة مؤسسات تعليمية منها عدد من رياض الأطفال الخاصة وروضة أطفال وحيدة تتبع للحكومة، وهو ما يؤكد اهتمام الأهالي بالعلم وتشجيعه ودعمه وازدهار ونشاط الحياة في البلدة.
ويشير رئيس بلدية دير استيا سعيد زيدان، إلى وجود مدرستين للذكور (مدرسة أساسية تضم الصفوف من الصف الأول وحتى الصف السادس، ومدرسة ثانوية تضم الصفوف من الصف السابع وحتى الصف التوجيهي)، ومدرستين للإناث إحداهما للمرحلة الأساسية والأخرى للمرحلة الثانوية، ونحن بصدد بناء مدرسة ثالثة، يبلغ عدد الطلبة 920 طالبا وطالبة، يتميز الكثير منهم في المسابقات المختلفة والنشاطات المنهجية واللامنهجية، وفي عام 1983 قامت بيرزيت بدراسة تبين فيها أن دير استيا هي الأولى في التعليم على مستوى الوطن بنسبة وتناسب على عدد السكان.
وفي دراسة قدمها المهندس عمر موقدي في جامعة النجاح الوطنية تحت عنوان: "إحياء وتطوير مركز دير استيا التاريخي كحالة دراسية لقرى الكراسي في فلسطين"، فقد وجد في البلدة كتابا منذ العهد العثماني حيث تأسس فيها عام 1306ه، كان يتراوح عدد طلابه في الحرب العالمية الأولى من 10–15 طالبا.
كما تأسست أول مدرسة في البلدة في عهد الانتداب البريطاني سميت (مدرسة دير استيا الوطنية) وكان مديرها عاطف شاهين، كانت تتكون من خمسة صفوف، وينتقل الطلاب بعد ذلك إلى مدينة نابلس لإكمال تعليمهم، أغلقت المدرسة سنتين بسبب عدم وجود غرفة للدراسة، ثم عادت وفتحت أبوابها سنة 1934م بإدارة الأستاذ نظمي الزهارنة، حيث رتب الطلاب في ثلاثة مستويات الأول والثاني والثالث الابتدائي في غرفة واحدة، كان يدرس فيها طلاب القرى المجاورة (حارس، وكفل حارس، وقيرة، ومردة، وجماعين، وسنيريا)، وذهب المتفوقون منهم لإكمال دراستهم في المدرسة الصلاحية في نابلس، وفي زمن الانتداب وفي زمن الحكم الأردني تم إنشاء مدرسة اخرى للبنات، وقد تخرج المئات من هذه المدارس والذين يحملون الشهادات العلمية في مختلف المستويات.
مديرة مدرسة بنات دير استيا الثانوية السابقة عائشة عواد قالت: دير استيا منذ زمن بعيد وهي في المقدمة بالنسبة للتعليم، فأغلب الأهالي موظفون ونسبة قليلة التي تعمل بالحرف والوظائف الأخرى مما يلزم الأب والأم أن يعلما اباءهما، والتنافس على التعليم متأصل تاريخيا، ففي الثمانينيات كانت هناك دراسة تشير الى أن دير استيا من أعلى النسب شغفاً وحباً في التعليم، فخرج منها عدد لا بأس به من الدكاترة والمهندسين والمعلمين والمدراء مثل الدكتور كايد عبد الحق الذي عمل عميدا لجامعة النجاح، وانتقل الى الأردن ومنها الى امريكيا ومن ثم إلى السعودية، وكان ايضا عميدا لجامعات مختلفة، وهناك عدد ليس بالقليل من الدكاترة والمهندسين مثل، الدكتورة باسمة سعادة، والدكتور وائل القاضي، والدكتور عبد المجيد ابو حجلة، والدكتور فراس ابو سعاده، والدكتور عبد اللطيف عقل، والدكتور محمود عقل، والدكتور محمد خليل عوض، وكثير الكثير من امثالهم المتعلمين في البلدة.
وتضيف، أذكر أن والدي كان يقول ان له صديقا اسمه الشيخ محمود كان يجلس مع عدد من الرجال ويعلمهم اصول الدين وحفظ القرآن وهذا حافز للتعلم والتعليم، وفي الاربعينيات، كان هناك الطبيب عبد المجيد ابو حجلة طبيب عام في الوقت الى لم يكن التعليم منتشرا على النطاق العام، وكان في بداية عمله يعالج مجانا، ثم دخل انتخابات البرلمان الأردني في اوائل الخمسينيات باسم القوى الوطنية مع مجموعة اخرى من شباب فلسطين ونجحوا في الانتخابات.
وتكمل، في السبعينيات لم يكن الاهتمام بتعليم البنت كثيرا، بينما والدي بعثني للدراسة الى مصر وكان يذهب معي حتى أنهي الامتحان، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على مدى اهتمامه بالعلم، وأرسل عمي ابنته الى القاهرة وأنهت هناك طب الأطفال، لأن هناك في العائلة عدد كبير من المتعلمين فالأجداد اهتموا بالعلم وسار على نهجهم الأبناء.
ومن اعلام دير استيا الدكتور جمال ابو حجلة تخرج من احدى جامعات مصر، وافتتح اول عيادة انف اذن وحنجرة في فلسطين بمدينة نابلس عام 1955، والدكتور نظام ذياب نائب رئيس الجامعة العربية الأميركية سابقا، والدكتور فواز عقل رئيس قسم في جامعة النجاح الوطنية وأمين عام سابق في مجلس الوزراء، والبروفيسور عبد اللطيف أبو حجلة الذي عين رئيسًا لجامعة بيرزيت في الأول من آب عام 2015، وهو الرئيس الرابع لهذه الجامعة، والشاعر الكبير والكاتب الراحل عبد اللطيف عقل ولد في الاربعينيات سخر موهبته وقدراته الفنية في سبيل الدفاع عن قضية شعبه، وسلك درب الالتزام في معظم ما كتب من أشعار ومقالات ومسرحيات، وقد تناول في شعره الوطن بهمومه السياسية وقضاياه وأحداثه كافة، وعبّر عن حبه لأرضه، ودعا إلى الصمود فيها. حرص الشاعر على تقديم صورة الفلسطيني من خلال نماذج متعددة تتمثل في شخصية اللاجئ والسجين والشهيد، وفي قصائده المتنوعة الأشكال والمضامين، يتناول عقل الوطن المعذب السليب بهمومه السياسية وقضاياه الوطنية والثورية وأحداثه اليومية، وقد حرص كل الحرص على تقديم صورة الفلسطيني من خلال نماذج متعددة تتجسد في شخصية اللاجئ والسجين والشهيد الرافض للذل والمهانة وعار الاحتلال.
تبلغ مساحة دير استيا الكلية 34164 دونما، ومساحة المنطقة المبنية 601 دونم، تتمتع القرية بخصائص فريدة تمثلت في البلدة القديمة والخرب والينابيع والمقامات والمساجد والبيئة الطبيعية في واد قانا، الذي بدأ الاستيطان فيه منذ عام 1979 حيث قام الاحتلال ببناء أول مستوطنة وهي "قرني شمرون" وتلتها "ياكير"، كما يوجد في القرية مقامان لهما نفس الشكل والحجم تقريبا مع اختلاف الموقع وهما مقام الشيخ خاطر والشيخ حسين، ويعتمد غالبية السكان في معيشتهم على العمل في الوظائف الحكومية والقطاع الخاص والعمل في أراضي 48، وكذلك في الزراعة كزراعة الزيتون والحمضيات، حيث يوجد العديد من البيارات في وادي قانا، وكذلك زراعة اللوزيات والحبوب.
ـــــ