القدس تنتصر
يامن نوباني
الآلاف من المقدسيين لم يذهبوا إلى أعمالهم خلال الأسبوعين الماضيين، جلسوا في الأزقة المحيطة بالمسجد الاقصى أكثر من بيوتهم، أدوا صلاتي الظهر والعصر في حرٍ شديد، وتجمهروا بالآلاف في صلاتي المغرب والعشاء، سهروا حتى صلاة الفجر في الطرقات، لم يُثنهم رصاص حي، ولا سُدت آذانهم بفعل قنابل الصوت، ولا أدمعت أعينهم من الغاز، بل سالت دموعهم حزنا على الأقصى الحزين.
في مشهد تاريخي، لم تشهده القدس إلا في زمن الفتوحات الاسلامية، احتفل ما يقارب الـ30 ألف مقدسي، فجر اليوم، بإزالة البوابات الإلكترونية والجسور والمسارات الحديدية التي نصبها الاحتلال على باب الأسباط، ومداخل وأبواب المسجد الأقصى.
في ساعة متأخرة من ليلة أمس، شاحنة تحمل حديد الاحتلال وخرابه تقطع صفوف المرابطين الذين سمحوا لها بكل بساطة بالانصراف، مكبرين ومهللين، بينما هواتفهم الشخصية تنقل لكل العالم، خاصة العربي والإسلامي أولى لحظات النصر.
15 يوما والأقصى فارغ تماما من المصلين والمرابطين، من الصلاة والعبادة، من شيوخ يقرأون في جنباته القرآن، والكتب الدينية، من أطفال يجوبون ساحاته، ونساء في حلقات تدريس، 15 يوما ومآذن الأقصى التاريخية تنتقل لحناجر المقدسيين في الطرقات والأزقة المحيطة بالأقصى، صارخة: الله أكبر الله أكبر.
بصمودهم، وإصرارهم على اللاعودة إلى لما كانت عليه الأمور قبل 14 تموز، تمكن المقدسيون من انتزاع حقهم التاريخي بالسيادة العربية والاسلامية على المسجد الأقصى، بعد أربعة شهداء في القدس وهم: محمد شرف، ومحمد أبو غنام، ومحمد لافي، ويوسف كاشور، ومئات الجرحى، وعشرات المعتقلين.
حاول الاحتلال منذ بداية التفاف الجماهير المقدسية والعربية حول المرجعيات الدينية والشخصيات القيادية، قمع المرابطين وارهابهم ودفعهم للدخول إلى المسجد الأقصى عبر بواباته الالكترونية، لكن بعد كل قمع كانت أعداد المرابطين والمصلين في ازدياد، ولحمة الشارع المقدسي في ازدياد.
في بداية العدوان الاخير على الأقصى اعتقل الاحتلال عددا من قيادات حركة فتح في المحافظة للتأثير على تحركات الجماهير والحد من الغضب الشعبي، لكن الشارع المقدسي رد على الهجمة الصهيونية بالبقاء في الشارع والصمود حتى إنهاء كل التعديات والقيود التي أضافها الاحتلال على الأقصى.
خوف الاحتلال من انتفاضة جديدة، القدس والأقصى عنوانها، دفعه للتراجع أمام التضحيات، بينما راح إعلامه يُفسر المشهد ويتحدث عن عدة سيناريوهات في المرحلة المقبلة، السيناريو الأول عن احتمال اندلاع انتفاضة جديدة، أما السيناريو الثاني فيرجح أن يشارك تنظيم فتح فيها بقوة ويستخدم مقاتلوه أسلحة، خاصة في الخليل بالضفة الغربية.
لم يكتفِ الاحتلال بإغلاق الأقصى ووضع تعدياته على أبوابه، بل قام بأعمال تخريب وسرقة مخطوطات تاريخية، وتجريف في محيط الأقصى، وخلع أشجار، وأحجار عتيقة من باب الاسباط وأزقة البلدة القديمة، والسماح لمئات المستوطنين المتطرفين باستباحة باحات المسجد الأقصى.
ولكن بدماء من استشهدوا وأصيبوا ومن اعتقلوا ومن ضربوا وسحلوا فوق بلاط وفي أزقة القدس، بحناجر من رفضوا وسهروا حتى الفجر، من تحملوا أصوات الرصاص والاسعاف والصراخ والشتائم، ومن وزعوا الطعام والماء على المصلين والمنتظرين النصر، انتصرت القدس.
ــــــــــ