"ظهر صبح".. عنب وأسماك في مجابهة الاستيطان
عُلا موقدي
تبدو فكرة تربية الأسماك في المناطق النائية أقرب للمستحيل، حيث الجبال المرتفعة والطرق الوعرة التي لا يمكن للسيارة العادية الوصول اليها، لكنها تحتاج الى امتلاك سيارة جيب قوية وقادرة للتمكن من وصولها.
في المنطقة المسماة "ظهر صبح" والتي تقع على رأس أحد الجبال الواقعة الى الشمال من بلدة كفر الديك، عبّر المواطن عبد الحليم تحسين حمدان وإخوانه عن رفضهم من أن تمتد يد الاحتلال وجرافاته لتصل إلى أرضهم، وآثروا الحضور اليومي الى المنطقة واستصلاحها بالمشاريع الزراعة وتربية الأسماك عن الرضوخ والاستسلام.
يقول حمدان لـ"وفا": "بدايةً كان المشروع تحديا كبيرا بالنسبة لنا، فالمنطقة على رأس جبل، طريقها صعبة ووعرة للغاية، وتم مصادرة جميع الأراضي حولنا من الاحتلال، فكان لزاما علينا أن نتحمل كل هذا العبء من أجل الحفاظ على كل شبر من هذه الأرض.
ويبين، في العام 2014 بدأنا بزراعة وتخضير مساحة 25 دونما من الأرض، وزرعناها بـ 600 شتلة عنب، ثم بدأنا بتربية حوالي ألف سمكة، واليوم يفوق عددها عشرة آلاف سمكة من نوعية "المشط" الذي يمتلك القدرة على البقاء في مكان نسبة تركيز الأكسجين فيه منخفضة.
ويضيف، أكبر المعيقات التي تواجهنا هي شح المياه وصعوبة التنقل وعدم توفر الكهرباء، وبالتالي قلة وجود الفلاتر التي تضخ الأكسجين اللازم للأسماك مما يؤثر بشكل كبير على إمكانية بقاء الأسماك على قيد الحياة، وبالتالي خسارة كبيرة للمشروع، حيث تموت العشرات من الأسماك يومياً بسبب قلة الأكسجين، وفي السنوات السابقة قمنا ببناء بئر لتجميع المياه لري المزروعات وغرفة زراعية وهدمها الاحتلال، ووضع السياج الشائكة حول المنطقة.
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف يذكر، أن هذا نموذج مشرف للمزارع الفلسطيني، وهو من المشاريع المهمة على مستوى الوطن، وسندعم دوماً المزارعين لتعزيز صمودهم واستصلاح أراضيهم، سيكون هناك استصلاح للأراضي بشكل أكبر وتوفير أسلاك حماية وتوفير شبكات مياه وأشتال وكافة الاحتياجات التي تتعلق بهذا المشروع.
تبلغ مساحة أراضي "ظهر صبح" الواقعة إلى الشمال من بلدة كفر الديك، ما يقارب 3000 دونم، تشرف من أعلى القمة على مناطق الساحل الفلسطيني بالكامل، ومدن الضفة الغربية، ويحيط بها من الشمال شارع "عابر السامرة" ومن الجنوب مستوطنات بروخين، وبدوئيل، وعالي زهاف التي أقيمت عام 1983، وصودق عام 2015 على خطّة بناء 650 وحدة سكنيّة في المستوطنة، و"ليشم" التي تعتبر حياً تابعاً لمستوطنة عالي زهاف، الذي أقيم على أراضي بلدة كفر الديك بما يقارب 150 وحدة سكنية.
منسق لجنة الدفاع عن الأراضي في محافظة سلفيت جمال الأحمد بين لـ"وفا"، أنه في منتصف ثمانينات القرن الماضي، أبلغت قوات الاحتلال الاسرائيلي مزارعي أراضي منطقة ظهر صبح بأنه سيتم مصادرة 1200 دونم بحجة أنها اراضي دولة، وقمنا باللجوء للقضاء ورفع قضايا في المحاكم العسكرية، حتى عام 1990 أقر الحاكم العسكري بمصادرة الأراضي الصخرية على قمة الجبل والتي تبلغ مساحتها 452 دونما دون السماح لأحد بالاعتراض على ذلك، ثم قام ما يسمى حارس أملاك الدولة بتأجير هذه المساحة لأحد المستوطنين لزراعتها بالأشجار المثمرة، ويبقى التخوف الأكبر منها هو أن تكون خطوة أولى لإنشاء بؤرة استيطانية جديدة.
ويكمل، حاولنا التصدي لهذه القرارات المجحفة بحق المزارعين الفلسطينيين بشتى الطرق، ولا يزال حتى اليوم بيننا محاكم على هذه المنطقة بالتحديد، وبمساندة محامي هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، لكن خيارنا الأقوى للرد على سلب الأراضي هو انشاء مشاريع استصلاحيه لمساحات شاسعة من الأراضي الزراعية بالتعاون مع وزارة الزراعة، وتعزيز صمود المزارعين في أرضهم على الرغم من كل المعيقات التي يتعرضون لها.
ويرى الأحمد، أن الظاهرة الموجودة في محافظة سلفيت تختلف عن باقي محافظات الوطن، فغالبية المزارعين قاموا ببناء غرف زراعية بدائية بسيطة بعضها تم تزويده بمولدات كهربائية، ويعتبرونها متنفسهم الوحيد الذي يقضون به عطل نهاية الأسبوع ومتنزه للترفيه.
يسعى كل مواطن في محافظة سلفيت لاكتشاف طريقة جديدة للحفاظ على ما تبقى له من أرض في ظل الهجمة العنيفة للاستيطان والمستوطنين على المحافظة، فمنهم من اختار الزراعة، ومنهم من انشأ مشروعه الخاص لصناعات مختلفة وتقوية الجانب الاقتصادي، ولم يكترث لإخطارات الهدم أو المواجهات والمناوشات مع جيش الاحتلال، فالحفاظ على الأرض يظل هو الأساس.