"فتح" ما بعد مؤتمرها السادس...
ضحى سعيد، يزن طه
على أبواب العام الجديد 2012، وفي الوقت الذي تحتفل فيه حركة فتح بالذكرى السابعة والأربعين لانطلاقتها، نقف عند واقع الحركة وما حققته من إنجازات على كافة المستويات، خصوصا بعد مؤتمر الحركة السادس الذي عقد قبل عامين، وتمخض عنه عدد من النتائج التي قيل آنذاك إنها ستغير واقع الحركة.
ويجزم سياسيون ومحللون ومثقفون أن العام 2011 كان عاما حافلا، مرت فيه الحركة بمتغيرات كبيرة، مع تأكيدها المتواصل على المقاومة السلمية ضد الاحتلال لنيل الحقوق الأمر الذي تجلى في استحقاق الدولة والتوجه للأمم المتحدة ليشكل الحدث الأبرز على الصعيد الفلسطيني هذا العام، ومنعطفا في تاريخ القضية الوطنية، كما تخلل هذا العام إعلان إنهاء الانقسام، الذي استمر قرابة الست سنوات، وبدء إجراءات عملية لتجاوز هذه المرحلة السوداء في تاريخ الشعب الفلسطيني بقيادة حركة فتح.
كما خاضت الحركة معركة طويلة لمأسسة العمل داخل مؤسساتها وأفرعها التنظيمية، إضافة لاستعدادها لتنفيذ الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال شهر أيار المقبل.
بعد كل هذا الحراك، أين ترى فتح نفسها، وما مدى نجاحها في كسب الرأي العام العالمي لدعم الحق الفلسطيني، وإلى أين وصلت الحركة في إعادة ترتيب بيتها الداخلي، وكيف استجابت فتح لمطلب الشارع بإنهاء الانقسام، وماذا عن الانتخابات المقبلة والاستعداد لها.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمد المدني يعود بالذاكرة إلى المراحل الأولى من التأسيس، ويقول: إن الحركة مرت بعدة مراحل بدءا من مرحلة التأسيس إلى مرحلة إبراز الهوية، وثم مرحلة الانطلاقة، وإعلان الكفاح المسلح، مرورا بمعركة الكرامة التي نقلت الأمة العربية من حالة الهزيمة التي تعرضت لها الجيوش العربية عام 1967 إلى حالة النصر، ثم إلى مرحلة صهر كل التناقضات والفصائل وتشكيل العنوان الرسمي للشعب "منظمة التحرير الفلسطينية"، وبعدها نقل القضية للملعب الدولي مع خطاب الرئيس الراحل "أبو عمار" في الأمم المتحدة عام 1973، والاعتراف الدولي الذي تلاه بالمنظمة، وصولا لحرب بيروت ثم إعلان الاستقلال في الجزائر، وبعد ذلك إعلان قيام السلطة الوطنية القائمة على فكرة نقل الصراع من الساحات الخارجية إلى الوطن المحتل.
ويشير المدني إلى "حالة من التراجع الدولي لدعم السلطة وبرز ذلك مع انتفاضة الأقصى، إذ أصبحت إسرائيل الضحية، لكن سياسة "أبو مازن" واستمرارا لسياسة "أبو عمار" أعاد القضية إلى حيزها، خصوصا مع التوجه إلى الأمم المتحدة لطلب ما أقرته دول العالم من حقوق لشعبنا".
وأضاف المدني إن "الجميع تعلم من الأخطاء، وأن الحركة تنشد الوطن وليس السلطة"، مستدركا أن هناك جهات لم تع أننا لا زلنا سلطة تحت الاحتلال فكان الانجراف في صراعات حول السلطة، وهنا تراجعت الفكرة التي قدمتها فتح، وغابت الفكرة بشكل أكبر مع الانتفاضة الثانية، ما أثر على الدور الريادي لفتح".
لكن المدني عاد وأوضح: أن الوضع الفلسطيني الآن في أفضل حالاته؛ فعلى "الصعيد الدولي أعادت الحركة ومعها السلطة الدور الفلسطيني على الساحة الدولية، وعلى الصعيد الداخلي عولج ما نجم عن الانتفاضة من خلل أمني وهو ما حسن صورتنا لدى المجتمع الدولي، ومن الناحية الاقتصادية الوضع الفلسطيني جيد مقارنة بالظروف التي تمر بها الأرض الفلسطينية المحتلة.
وعلى صعيد الحركة، قال المدني: إنه قبل عقد المؤتمر السادس قبل عامين كان هناك اجتهادات، لكن الآن هناك حالة انضباطية، وأن "فتح" تتمأسس بشكل تنظيمي، فكل السلبيات التي مرت على "فتح" تم تجاوزها وسيتم تجاوزها لأن العمل لا زال مستمرا لتجاوز هذه السلبيات".
وفي رده على ما هو المطلوب من "فتح" في هذه المرحلة، إن المطلوب من الحركة الدولة الفلسطينية والحرية والاستقلال، وأن الحركة تعمل لانتخابات ديمقراطية ونزيهة تكريسا لـ"فتح" الفكرة على حساب "فتح" السلطة.
ورأى المدني أن "فتح" "ستفوز في الانتخابات المقبلة دون نقاش، فبرنامج الحركة واضح تاريخيا، وعندما تكون الخطة واضحة والكادر إيجابي والمرشحين إيجابيين، تكون النتائج إيجابية"، مشيرا إلى أن الحركة عقدت عدة اجتماعات للتحضير للانتخابات.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول، رأى أن الحركة مرت بحالة من الترهل قبل مؤتمرها السادس وبعده نتيجة لمجموعة من القضايا من حيث الخلط الشديد ما بين السلطة والحركة وما بين الدولة والثورة ما أثر سلبيا على وضع الحركة العام باتجاه التراجع التنظيمي والجماهيري إضافة إلى انعكاس الوضع السياسي حيث اخفق برنامج السلام في الفترة الماضية.
وأشار العالول إلى أن هذا الواقع بدأ يتغير مع إدراك الحركة نفسها لما مرت به فشهدنا وما زلنا نشهد تصويب في مسيرة الحركة في مختلف الاتجاهات وإقرارها بأن عملية السلام ضمن الشروط التي كانت قائمة والمناخ السائد لن تؤدي إلى نتيجة مما أوجب تصويبا للمسار السياسي ووضع إستراتيجية تقوم على المقاومة الشعبية السلمية والتوجه نحو العالم بحراك سياسي يهدف إلى عزل إسرائيل ومحاصرتها، إضافة إلى الجهود التي بذلتها لاستعادة الوحدة وبناء المؤسسات والإجراءات الواضحة في مكافحة الفساد الأمر الذي كان له أثره الايجابي باستعادة الحركة لدورها وجماهيريتها.
وبين العالول أن حركة "فتح" وفي مراحلها المختلفة اصطدمت مع السياسة الأميركية المنحازة للاحتلال والمؤيدة له؛ فهي دأبت في ضرب الحركة وإضعافها في الجانب التأثيري في محاولات واضحة لإبعاد الجماهير من حولها ضمن سياستها التي مارستها في دول العالم الثالث ومع كل من يتعارض معها.
وفي الإطار ذاته، قال العالول: إنه رغم الحصار والضغوطات نجحت الحركة في بلورة وصناعة موقف سياسي واضح عليه إجماع انسجم مع موقف شعبنا، واستطاعت قول لا لمن لم يجرؤ أحد على رفض أملاءاته وقالت لا للسياسة الأميركية، واقتربت دائما من أحلام ونهج الشهداء وحمت إرثها الوطني والنضالي.
وأضاف: "هناك الكثير من التحديات التي تواجهنا داخليا وخارجيا والتي تتطلب، وأمام كل ما يمر به عالمنا العربي والعالم بأسره من حيث سحب الاهتمام بالقضية الفلسطينية، العمل لاستعادة الاهتمام بقضيتنا ومواجهة التحديات وخلق حالة من الانسجام وترتيب البيت الداخلي والحفاظ على التقاطع السياسي لدى مختلف القوى الفلسطينية وإنهاء حالة الانقسام، مؤكدا أن الانتخابات تمثل استحقاقا دستوريا يعكس سياسة نسعى للحفاظ عليها.
وفيما يتعلق باستحقاق الدولة قال: هناك من لم يدرك تماما ما المقصود بهذا الاستحقاق الذي مثل خطوة صحيحة لا بد من الاستمرار بها وأكثر ما يضر بالقضية الفلسطينية حالة الجمود في العمل السياسي حيث جلب حراك أيلول مزيدا من الاهتمام الدولي غير المعهود وهذا جزء من إستراتيجيتنا باتجاه تحقيق الدولة، إضافة إلى ما خلقه هذا الحراك من تحدي كبير في استعادة الوضع المعنوي لشعبنا.
وشدد العالول، وفي ذكرى انطلاقة الحركة، أنها ماضيه في نهجها للحفاظ على مواقف أكثر وضوحا وشفافية بغض النظر عن المخاطر وستستمر في إستراتيجية المقاومة الشعبية في العمل السياسي لعزل إسرائيل وكسب العالم.