المشهد وراء وفاة الطفل كنان
علا موقدي
أثارت واقعة وفاة الطفل كنان يوسف اصبيح ابو زر (5 أعوام)، من بلدة الزاوية غرب سلفيت، قبل أيام، عواطف وحفيظة المواطنين داخل الوطن، وخارجه، وشكلت قضية رأي عام في الشارع الفلسطيني، وعلى وسائل الإعلام المختلفة.
وبحسب عائلة الطفل، تعرض كنان لحالة تشنج واختناق عند الساعة الواحدة ليلا، وتم نقله الى العيادة الطبية الخاصة في البلدة، الا أنه لم يكن فيها طبيب مناوب، ثم تم التوجه بالطفل الى مركز "بديا الطبي" فخرج ممرض ليسعفه، لكن حالة الطفل الحرجة كانت بحاجة الى طبيب ماهر، وقام الممرض باتصالات طارئة بالطبيب، وبعد عدة محاولات تم الرد من قبل الطبيب، وإخباره بخطورة الحالة، ليصل بعد ما يقارب نصف ساعة.
والد الطفل يوسف ابو زر يوضح لـ"وفا": في هذه المدة قام الممرض بإجراء عدة محاولات لإنقاذ الطفل، فعمل على فتح منطقة أسفل الحلق من أجل تحسين عملية التنفس، وأعطاه تنفسا اصطناعيا لكن بلا جدوى، (الأمر يحتاج إلى طبيب لا ممرض مبتدئ).
ويوضح، أن ما أثار شكوكه الداخلية بأن من يقوم بإسعاف طفله هو ممرض، وليس طبيبا، هي الاتصالات التي قام بها موظف الاستقبال التي كان محتواها "بسرعة يا دكتور"، "الوضع بتحملش"، وعندما وصل المركز قام بإعطاء الطفل ابرة، ووضع له جهاز قياس دقات القلب، وبعد وصول دورية الشرطة أعلن عن وفاة كنان.
ويذكر ابو زر أن الطفل كان يعاني من وجود لحمية في القصبات الهوائية، وتم معالجتها من خلال 3 زيارات الى مستشفى المقاصد، ومنذ عام الـ2015 لم يكن بحاجة الى حبة دواء واحدة، أو علاج في المستشفيات، الا أنه قبل اربعة ايام من وفاته، اصابته نزلة برد خفيفة، أثرت على الحلق، وهذا أمر طبيعي يصيب كل الأطفال.
وطالب أبو زر بضرورة إيجاد مركز صحي فعال في ساعات الليل خاصة، وسيارات اسعاف للمنطقة لنقل الحالات الطارئة لتصل بأقصى سرعة ممكنة، حتى لا يتكرر ما حدث مع ابنه لحالات أخرى.
من جهته، أوضح مدير صحة سلفيت هيثم منصور لـ"وفا"، تحققنا من الموضوع ورواية الأهل، وطلبنا من الجمعية تشكيل لجنة تحقيق لتقديم تقرير فيما حصل، وتبين أن الطفل ابو زر وصل الى الجمعية العلمية "مركز بديا"، وكانت علامات الوفاة ظاهرة عليه، لكن الطبيب حاول أن يسعفه، وهو طبيب يحمل شهادة مزاولة مهنة، ويعمل في الجمعية منذ مدة، والمرضى الذين شاهدوا الحادثة ذكروا أن الطبيب كان يداوي فيهم وتركهم ليسعف هذا الطفل، والرواية المتناقلة "غير دقيقة".
وأضاف، نحن كوزارة صحة نتابع هذه المراكز، ونراقبها، وهي مراكز مرخصة، وتعمل بمهنية منذ سنوات عديدة، ومركز "بديا التخصصي" يعمل بنظام الـ24 ساعة، ويقدم خدمة الطوارئ على مدار الـ24 ساعة، ويستقبل حالات مرضية، والأطباء يعملون بالتناوب.
وعن مطالبات الأهالي بضرورة وجود مراكز صحية اضافية في المنطقة، ذكر منصور، أنه يوجد 18 عيادة صحية ـ أي في كل قرية من قرى محافظة سلفيت- تعمل من الثامنة صباحا وحتى الثالثة ظهرا، وبدأنا بنظام طب الأسرة على أن يكون في كل يوم الطبيب العام متواجدا في العيادة، ووضع الصحة حاليا في تقدم، وتحسن، بتعليمات من الوزير افتتحنا عيادات جديدة في قرى رافات وسرطة وفرخة.
ويكمل: كمركز طوارئ لدينا مستشفى الشهيد ياسر عرفات في مدينة سلفيت، والجمعية العلمية كمركز خاص، وهي مرخصة من وزارة الصحة، والمستشفى يغطي الحاجة لـ70 ألف نسمة، وليست لدينا الامكانية لفتح مركز طبي في كل منطقة، وفي بلدة بديا هناك عيادة جديدة، ونطمح أن تكون مركز طوارئ حسب الامكانيات الموجودة وبمساعدة المجتمع المحلي.
مدير مركز بديا الطبي غازي مصلح بين أن والد الطفل دخل المركز على وجه السرعة الساعة الواحدة ليلا، وكان الطبيب المناوب يعالج بحالتين من المرضى تركهم وبدأ بإسعاف الطفل كنان، ومن خلال الفحص الأولي لم يكن عند الطفل ضربات في القلب ولا نفس وحدقة العين لا تستجيب للضوء وهذه اشارات على الوفاة.
ويكمل مصلح: الطبيب بدأ بعملية الانعاش المعروفة لدى كل الأطباء، حيث قام بعملية انعاش للطفل، بتدليك القلب، وفتح مجرى التنفس لاعطاء الطفل فرصة للحياة، ولو كانت ضئيلة جدا، ثم استعان الطبيب بممرض.
, من مجريات فتح القناة التنفسية لم يستطع الطبيب وضع أنبوبة عن طريق الفم، واضطر لفتح فتحة من الأمام.
ويضيف: نحن عبارة عن محطة سريعة لمعالجة المريض، وفي حال دخول حالة خطرة الى المركز، نقوم بطلب سيارة اسعاف لنقله الى مستشفى، لكن بعد وفاة الطفل وصلت سيارة الاسعاف، وكانت ام الطفل بحاجة لنقلها الى مستشفى رفيديا في نابلس، وهي بشهرها الأخير، وعلى موعد للولادة، لأن وضع حملها خاص -بحسب قول الزوج، لكن سيارة الاسعاف رفضت نقلها، الا لمستشفى الشهيد ياسر عرفات داخل محافظة سلفيت، وذلك اتباعا للقوانين المفروضة عليهم، والتي تمنع نقل أي حالة من الحالات الى خارج المحافظة الا بتنسيق مسبق مع المستشفى والطبيب الذي تم التنسيق معه.
وبحسب التقارير الطبية واطلاع الطبيب الشرعي على الملف الطبي للطفل، توفي الطفل مختنقا، فهو يعاني من "متلازمة روبن"، حيث يكون اللسان قصيرا خلقيا، والحلق ضيقا، وبالرغم من علاجه في مستشفى المقاصد قبل سنوات، الا أن اصابة الطفل بالتشنج عمل على تقليص شديد في الحنجرة ولم يعد قادرا على التنفس.
جاءت ردود الأفعال قوية وتلون المشهد بين تقصير طبي وبين الدفاع عن المراكز الطبية الموجودة في المحافظة، لكن المطالب كانت بالإجماع على ضرورة تحرك جدي من قبل المؤسسات تحتم ضرورة فتح مراكز طبية حكومية اضافية بتواجد اطباء مهرة يعملون مناوبة صباحا ومساء لتفادي أي حادثة مشابهة في المستقبل، خاصة بعد أن سجلت حالات دهس واختناق وغرق كانت بحاجة إلى اسعافات أولية بشكل أسرع، من وصولها الى مستشفى الشهيد ياسر عرفات في مدينة سلفيت، والذي يحتاج إلى ما يقارب 40 دقيقة للوصول إليه، وفي اغلب الأحيان تكون الحواجز الاسرائيلية عائقا امام المواطنين.
رئيس بلدية الزاوية نعيم شقير يقول، شكلت فاجعتنا بالطفل المتوفى كنان لإدراج القطاع الصحي كأولوية من أجل انشاء مركز طوارئ حكومي وتوفير سيارة إسعاف، فتدخلت البلدية لحل مشكلة دوام الطبيب في الفترة المسائية بشكل مؤقت، بعد أن عجز القطاع الخاص عن تغطية نفقات الطبيب المناوب، وحتى لا يتكرر ما حصل مع الطفل كنان ابو زر، فالوصول للطبيب المناوب لا يحتاج إلى أكثر من 3 دقائق من أبعد منزل في البلدة.
وذكر شقير أن بلدات رافات ودير بلوط والزاوية تحوي ما يقارب 12 ألف نسمة، وهي مناطق يطلق عليها "عنق الزجاجة"، حيث إن مدخل دير بلوط عليه نقطة عسكرية، وحاجز ثابت، ومدخل بلدة الزاوية عليه جسر، عادة ما يتم اغلاق هذين المدخلين بالحواجز الاسرائيلية، ويصبح من الصعب على المواطنين الوصول إلى مراكز صحية خارجية.
ــــــــــــ