في الثاني من يناير قبل ثلاث سنوات .. أطفال عائلة الأسطل الثلاثة وقصب السكر الذي اختلط بالدم !
في حوالي الساعة الثانية والنصف من بعد ظهر يوم 02 يناير 2009، أطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخاً على منطقة مفتوحة في منطقة القرارة في خان يونس. وقد أدى انفجار الصاروخ إلى مقتل محمد الأسطل (12 عاماً) وشقيقه عبد ربه الأسطل (9 أعوام) وابن عمهما عبد الستار وليد الأسطل (11 عاماً)، بينما كان الأطفال الثلاثة يلعبون ويأكلون قصب السكر في قطعة أرض تعود لعائلتهم.
يعود إياد الأسطل بذاكرته فيقول: "كنت في المنزل عندما سمعت انفجاراً قريباً. كانت هنالك طائرة استطلاع تحلق في سماء المنطقة في تلك اللحظة. وبعد نحو عشر دقائق، حضر أخي إبراهيم (28 عاماً) إلى منزلي وأخبرني بأن طفليّ وابن عمهما قتلوا بقذيفة إسرائيلية. خرجت من المنزل بسرعة وتوجهت إلى منطقة الحادثة التي تبعد عن منزلي نحو 250 متراً إلى الغرب. رأيت هناك حفرة عميقة وكانت لا تزال هناك بقعاً من الدم وبقايا لحم."
بالرغم من مرور ثلاثة أعوام على فقدان إياد لطفليه إلا أنه لا يزال يتذكرهما في كل لحظة، " بالنسبة لي، في كل يوم وفي كل دقيقة ينتابني نفس الشعور الذي أحسست به عندما فقدت ابنيّ. أتذكرهما في كل الأشياء وافتقدهم طوال الوقت."
يحاول إياد أن يصف حياته وحياة أسرته دون محمد وعبد ربه فيقول: "أصبحت حياتنا صعبة منذ أن قتلا. أتذكرهما كلما رأيت طفلاً بعمرهما. وما زلت لا أستطيع النظر إلى صورهما لأن الأمر مؤلم للغاية بالنسبة إلي. أشعر دائماً برغبة في البكاء ولكنني أحاول جاهداً أن أحبس دموعي. زوجتي جواهر تبكي كل يوم ولكنها تحاول أن تخفي دموعها عني فهي لا تريد أن تعمّق جراحاتي، وهي ترغب دائماَ بالذهاب مع والدتها لزيارة قبري ابنينا ولكنني أنا شخصياً لا أذهب. ذهبت في الماضي مرة واحدة ولا أود الذهاب ثانية لأنني لا أستطيع تحمّل النظر إلى قبريهما."
بالإضافة إلى محمد وعبد ربه، إياد وجواهر لديهما خمسة بنات وولدين. كان محمد وعبد ربه أكبر أبناء إياد وجواهر وعندما قتلا، كان أشقاؤهما الآخرون إما صغاراً للغاية أو لم يكونوا قد ولدوا بعد. ولد الطفل الأصغر لإياد بعد الحرب بحوالي عام ونصف ولن تكون لديه أية ذكريات تتعلق بشقيقيه. عندما يسأل الصغار أباهم إياد عن شقيقيهم يخبرهم أنهما "استشهدا وهما في الجنة الآن."
لا يغيب طفلا إياد عن باله أبداً. "يشبه ابني خالد شقيقه محمد كثيراً وعادة ما أجد نفسي أناديه بـ "محمد" بينما في الواقع أقصد "خالد"،" يقول إياد. ولكي يتمكن من مواصلة حياته، فإن إياد يحاول أن يشغل نفسه طوال الوقت ويلهي نفسه بالحديث إلى الآخرين وعمله في القصارة.
منذ مقتل ابنيه وإياد تعذبه المخاوف والقلق على أمن وسلامة أطفاله الآخرين. قبل مقتل محمد وعبد ربه، كان إياد يسمح لأبنائه بالذهاب إلى أي مكان وفي أي وقت حتى وإن سمع انفجارات وإطلاق نار في المنطقة. وأما بعد مقتلهما، فإنه أصبح قلقاً وخائفاً للغاية على أطفاله ويرغب في إبقائهم في منزله. "أخاف أن يحدث لهم مكروه، خاصة ابني خالد الذي يدرس الآن في الصف الأول،" يقول إياد. "يساورني القلق والخوف عليه من لحظة خروجه من المنزل فهو يخرج كل يوم لمدرسته التي تبعد عن بيتنا قرابة الكيلومتر. أعلم أن التعليم مهم وإلا لكنت منعته من الذهاب إلى المدرسة بسبب خوفي عليه،" يضيف إياد.
ويعلم الأطفال في أسرة إياد أن شقيقيهم قد قتلتهما طائرة استطلاع إسرائيلية من نفس نوع طائرات الاستطلاع التي يسمعونها ويرونها تحلق فوق رؤوسهم. "إنهم يخافون الخروج عندما يسمعون صوت طائرة الاستطلاع ويقول كل منهم "سوف تطلق الطائرة صاروخاً علي إن خرجت"،" يقول إياد.
قتل محمد وشقيقه عبد ربه في منطقة مفتوحة تبعد نحو ثلاثة كيلومترات عن الحدود مع إسرائيل. "اعتاد الأطفال على اللعب في تلك المنطقة حيث تقع أرضنا بجوارها، وهي منطقة سكنية زراعية تبعد عن مناطق العمليات القتالية،" يقول إياد.
تساور إياد الشكوك فيما يتعلق بالمستقبل وذلك في ضوء الحصانة التي يتمتع بها الإسرائيليون، حيث يقول: "يتجاهل الإسرائيليون حقوقنا. إنهم يقتلون أطفالنا ويدمرون أراضينا ولا أحد يحاسبهم على ذلك. أتوقع أن ترفض المحكمة الإسرائيلية الشكوى التي تقدمنا بها، حتى إنني أتخيل أن يقتلونني مع أطفالي، لكني آمل بأن تؤدي الشكوى التي تقدمنا بها إلى بعض النتائج."
تقدم المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشكوى جنائية إلى السلطات الإسرائيلية نيابة عن عائلة الأسطل بتاريخ 23 يونيو 2009، ولكن المركز لم يتلق أي رد حتى الآن.