مثقفون وكتّاب: تحقيق المصالحة يعيد الاعتبار للمثقف في غزة
غزة- محمد أبو فياض- أجمع مثقفون وكتّاب أن تحقيق المصالحة ستعيد الاعتبار للمثقف الفلسطيني في قطاع غزة، ما يؤدي إلى تفعيل ثقافة وطنية، تؤصل لحياة فلسطينية، تعكس طموحات شعبنا.
يوم غد الاثنين، يشهد تحولا تاريخيا في التأكيد على انجاز المصالحة، بوصول حكومة الوفاق الوطني برئاسة رامي الحمد الله إلى قطاع غزة.
وبهذا الصدد، قال الأمين العام المساعد لاتحاد الكتاب، رئيس فرع الاتحاد في قطاع غزة غريب عسقلاني: خلال الفترة السابقة لم تكن هناك رعاية للثقافة والمثقف من قبل أي مؤسسة كانت، التي لم تجد طريقة للتواصل مع جمهور الكتّاب بشكل ناجع في القطاع، ما يغطي المشهد الثقافي العام الذي يعكس توجهات الكتاب على مختلف أطيافهم، وانتماءاتهم.
وأعرب عسقلاني عن أمله بأن تعيد الوزارة القادمة النظر في سياساتها الثقافية، بحيث يظهر مجهودها الإصلاحي في تفعيل ثقافة وطنية تؤصل لحياة فلسطينية وتعكس طموحات هذا الشعب، والتي عطلت بسبب التجاذبات والصراعات التي مررنا بها مجتمعيا بكل تقسيماته.
من جانبه، أكد الكاتب والقاص والروائي عبد الله تايه، رئيس فرع كتاب أفريقيا وآسيا في فلسطين، أن تحقيق المصالحة تنعكس ايجابا على المشهد الثقافي، خاصة أن تحقيق المصالحة سيتيح الفرصة لتبادل المطبوعات، وسفر الكتاب، وتبادل، وتنظيم المعارض، والمشاركة في الفعاليات الثقافية بين شقي الوطن، وبين الوطن والخارج، وتمثيل فلسطين في الخارج بجسم موحد، يمثل فلسطين.
وبين أن كل ذلك من شأنه أن يعيد الاعتبار للمثقف الفلسطيني في قطاع غزة، ونشر نتاجهم وتبادل المخطوطات ونشرها، ما يطور المشهد الثقافي في قطاع غزة بجميع مكوناتها.
بدوره، قال، الفنان التشكيلي فايز السرساوي: بداية وقبل كل شيء، سأوضح أن عشر سنوات عجاف من انقسام المؤسسة الرسمية كما انقسام كل شيء، ترك أثره المدمر على مجمل تفاصيل الحياة العامة، والحقل الثقافي لم يكن بمنأى عن كافة التجاذبات، وأن المثقف الفلسطيني الطليعي كان على الدوام رأس حربة في الدفاع عن مكونات المشروع الوطني، وتطلعاته نحو الحرية واستعادة الحقوق في مواجهة غطرسة الاحتلال الإسرائيلي، وسياساته المنهجية ضد الوجود الفلسطيني.
وأضاف السرساوي ان المثقف الفلسطيني المسلح بالوعي الوطني العام هو اليوم وبالتوازي مع نضال شعبه في مختلف الميادين يخوض معركة طي أكثر الصفحات بؤسا، وأشدها أذى، والتي اعترضت طريق تحقيق إرادته الحرة لاستعادة حضوره الطبيعي لقضيته العادلة، في ضمير الشعب أولا، وفي ضمير ووجدان الشعوب المناصرة لكفاحه على الدوام.
وتابع: ما من شك بأن المصالحة ستترك أثرها الايجابي على مجمل الفعل الثقافي، ومن المتوقع أن تتيح له مزيدا من حرية الانتقال لمكونات مشهد ثقافي يجب أن يكون خاليا من الصراعات الهامشية، والتركيز على صلب وعنوان الصراع الأساسي مع المحتل، والتفرغ لمرحلة من العمل الجاد، والبناء تعزز الثقة، وتزرع الأمل في نفوس الأجيال القادمة.
وبين أن من نتاج المصالحة إعادة توحيد الطاقات الإبداعية والعمل على تسخير الإمكانات المتوفرة، والمتاحة، من أجل دفع عجلة النهوض بالواقع الثقافي، كي لا يحصل الارتداد المعاكس، ولا يسمح بعودة الهشاشة مجددا أمام ثقل التحديات.
وقال: ليس سرا أن الفعل الثقافي العام يجابه الكثير من المتطلبات على أكثر من صعيد، وفي مختلف الجوانب، وهذا بحاجة للنظر بانتباه دائم لتأسيس البنى، والحواضن الثقافية الضرورية في المدن، والقرى والمناطق المهمشة، في مراحل التعليم المتعددة، والجامعات، ورفدها بأدوات، وإمكانات العصر كي تكون الراعية والداعمة للإنتاج، والمحفزة على مواصلة الإبداع الفردي، والجماعي، وتطوير أدواته المختلفة.
وأشار إلى أن كل ذلك يمكن من استمرارية تنوع المشهد الثقافي العام في إطار من الانتماء لروح العصر، وانجازاته الحضارية، وبما يكفل ويتوافق مع تطلعات الثقافة الوطنية، ودورها المأمول في خضم السعي الدؤوب نحو تحقيق الاستقلال، واستعادة روح فلسطين الفكرة الحرة والمكافحة، من أجل ترسيخ إرادة تقرير المصير، والسير ببصيرة نافدة صوب المستقبل.
من ناحيته، قال الكاتب والباحث مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق ناهض زقوت: إن الثقافة تعتبر من أهم العوامل المساهمة في نهضة الأمم والشعوب، وهي حارسة الحلم الفلسطيني، والمحافظة على الثوابت الوطنية، فالثقافي يتباين مع السياسي في أن السياسي لديه مجال للمناورة، أما الثقافي لا يمتلك مجالا للمناورة، فهو صاحب المبادئ والقيم العليا.
وتابع: يأمل المثقف والكاتب في قطاع غزة من انجاز المصالحة أن تعيد له الاعتبار كمثقف فلسطيني تمت محاصرته 10 سنوات داخل أسوار، ساهم بقدر المستطاع في العمل على إزالتها للانطلاق نحو الفضاء الواسع، بعد تغييبه سنوات، للمشاركة في فعاليات ثقافية عربية ومحلية، ومهرجانات سينمائية، ومعارض كتب.
وأضاف انه طوال الـ10 سنوات غابت المؤسسة الرسمية عن المشهد الثقافي في قطاع غزة خاصة، ما أدى إلى توقف دعم الكتاب والمبدعين، لذلك يقع عبء كبير على المؤسسة الرسمية للثقافة بعد انجاز المصالحة العمل بكل قوة لدعم الكتّاب، والمبدعين، والمثقفين على كل المستويات من طباعة كتبهم، وأعمالهم الإبداعية، ومشاركتهم في معارض عربية وعالمية، وإلى تنظيم لقاءات ثقافية مع إخوانهم في الضفة الغربية والخارج، وفتح المجال أمامهم، للمشاركة في أمسيات شعرية وثقافية على المستوى العربي، العمل على إيجاد مجالات ثقافية.
وبين زقوت أن المشهد الثقافي في قطاع غزة بشكل عام يعاني من أزمة، سببها طغيان السياسة التي تطغي دائما على الثقافة بحكم واقعنا الفلسطيني بشكل عام، فالسياسة أصبحت طاغية على مشهدنا الثقافي السياسي الاجتماعي، وعلى مشهدنا اليومي، والحياتي، وأصبحت تستولي على الجزء الأكبر من حياتنا العامة والخاصة.
وأشار إلى أن الثقافة أصبحت في الهامش أو في المرتبة الثانية أو الثالثة من اهتمامات الناس والشباب ورغم ذلك نجد الآن إعادة اعتبار للثقافة الفلسطينية في كثير من مشاهدنا الثقافية فهناك طفرة للإبداعات المطبوعة والبسيطة التي يطبعها شبابنا على نفقته الخاصة، في ظل غياب المؤسسة الرسمية خاصة وزارة الثقافة.
ودعا زقوت المؤسسة الرسمية للثقافة إلى وضع خطة ثقافية خاصة بقطاع غزة للنهوض بالوضع الثقافي على كل مستوياته بداية من الكاتب نفسه وصولا إلى الكتاب، وحتى المؤسسات والجمعيات الأهلية المختصة بالثقافة، فهذه المؤسسات تعمل بالجهود الذاتية دون أي دعم مادي من أية جهة رسمية تقف خلفها، وتحتاج هذه المؤسسات الثقافية إلى الدعم المادي ليس لزيادة فعالياتها وأنشطتها فقط، بل للدخول في عملية النشر للكتابات الشابة من الجنسين.
وبين أنه منذ أكثر من عشر سنوات لم ينشر كتاب في قطاع غزة لفئة الشباب إلا ما ندر، وبالجهود الذاتية، وذلك لغياب المؤسسات الرسمية التي تملك القدرة المادية على النشر والإنتاج الأدبي، وأعرف الكثير من الشباب لديهم مئات القصائد وكتابات قصصية وروائية مدفونة في الأدراج لم تجد من يساعدها على النشر والخروج إلى النور. فهذه المؤسسات تمثل البديل العملي لمؤسسة وزارة الثقافة ومؤسسة اتحاد الكتاب المعطلتين ثقافيا وأدبيا في قطاع غزة منذ وقوع الانقسام.
وذكر رئيس مجلس إدارة مركز غزة للثقافة والفنون أشرف سحويل أن انعكاس الانقسام على المشهد الثقافي، والهوية الوطنية الفلسطينية كان كارثيا باعتباره طاردا للإبداع والمبدعين وتراجع الحركة الثقافية، والمشهد الثقافي الفلسطيني في مكونات المجتمع، سواء أكان في الجامعات، أم المدارس، أم مؤسسات المجتمع المدني، أم المؤسسة الرسمية الراعية للثقافة كذلك.
وتابع: نحن اليوم على أعتاب تنفيذ اتفاق المصالحة ومباشرة حكومة التوافق مهامها نأمل أن يكون للمؤسسة الرسمية دور في انتقال المشهد الثقافي من حالة التشرذم، والانقسام إلى حمل خطاب ثقافي فلسطيني يعمل على تعزيز وتقوية النسيج المجتمعي، ذي بعد حضاري للكينونة الفلسطينية، لتعزيز ثقافة الوحدة الوطنية برؤية ثقافية موحدة، تعكس تجاوز الأسباب التي أدت لترسيخ مفاهيم الانقسام البغيض، والقبول بالرأي، والرأي الآخر، وتعدد الأفكار التي تتوافق مع القضية، والتاريخ والتراث، والحضارة من أجل الحفاظ على المكتسبات، والإنجازات التي تم تحقيقها، والبناء عليها، وتطويرها بهدف مواكبة التطور الإبداعي العالمي.