"الأدهم" .. المطحنة التراث
بدوية السامري
في شارع يافا شرق مدينة نابلس، يجلس ناجي الأدهم (75 عاما) صاحب مطحنة "الأدهم"، وبجانبه نرجيلته التي أصبحت أنيسته في ظل شح العمل في المطحنة، حيث طغى صوت ماء النرجيلة على أجواء المكان داخل المطحنة الأقدم في نابلس.
فالمطحنة القديمة تــحــولت الـــى تــــراث مــحــلــي وتقليد قديم وبات عملها يتقلص شيئا فشيئا، يقول الأدهم.
وفي ظل الهدوء في أغلب الأوقات داخل المطحنة مع حركة المارة وأصوات البائعين خارجها، لا بد من الونيس من الأحاديث مع الجيران بصحبة فنجان قهوة، وآخر للشاي، يوميا للأدهم، ومع ذلك يصر على عدم اغلاق أبوابها وفتحها يوميا، "حتى لو لم يطعمه الطحن خبزا"، كما يقول.
وفي وقت مضى وقبل عشرات السنين كانت أصوات الآلات في المطحنة تعلو منذ ساعات الصباح حتى ساعات متأخرة من النهار، والمواطنون ينتظرون طحينهم حتى يجهز، يتهامسون ويتحدثون في مواضيع عدة.
فأسوار المطحنة الأقدم شاهدة على كل ذلك، ويقول الأدهم: أصبحنا نجلس معظم أوقاتنا دون عمل، في حين كنا في يوم من الأيام ننتظر الثواني لنرتاح.
كان العمل على قدم وساق في المطحنة التي تعتبر من أقدم مطاحن مدينة نابلس التي أغلقت جميعها ما عدا الأدهم، لعدم توجه المواطنين للطحن والخبيز داخل منازلهم.
ويقول الأدهم مشيرا الى الآلة وسط المكان: في هذه الأيام تتحرك الآلات لمرة واحدة خلال أيام الأسبوع السبعة، هذا اذا جاء أحدهم ليطحن، واذا عطف عليها لتتحرك، وذلك في مواسم وليس طوال العام. فمثلا في أعياد السامريين نقوم بتحضير الطحين الخاص بهم، لكن ذلك في شهر نيسان ولعدد مئات من الأفراد، لأنه يحرم عليهم خلال فترة العيد أكل الخبز العادي، فيقومون بطحن القمح الخاص بذلك. لكن في مواسم أخرى ولأيام كثيرة يبقى السكون داخل المطحنة يسيطر على المكان.
وما زالت المطحنة تحوي آلتين واحدة لغربلة القمح، والثانية لطحنه، ويشير الأدهم: "ساق الله" عندما كانت المطحنة تحوي العديد من الآلات، لقد قمنا ببيعها شيئا فشيئا مع مرور الوقت وقلة العمل.
ويضيف: القليلون ما زالوا يخبزون داخل منازلهم، أصبح الشراء من المخابز هو الغالب، فهو لا يحتاج لوقت وجهد وعناء.
ويشير: هناك عدد من المواطنين ما زالوا يفضلون العجين والخبز في منازلهم، هؤلاء من تربوا على خبز المنازل يأتون ويطحنون قمحهم هنا.
وارتــبــطــت المطحنة القديمة بالحياة اليومية في نابلس المدينة التي تعتبر الأكبر بين محافظات الوطن، فكان القمح والطحين هما القوت اليومي المنزلي وكانت ربــة المنزل تؤمن بنفسها قوت عائلتها من الخبز، كانت العائلة تشتري كيس الطحين الكبير وتقوم ربة البيت باعداد الخبز مرة كل أسبوع.
أما اليوم فالسيدات يفضلن شراء الخبز الجاهز من المخابز، التي اعتمدت على شراء الطحين من المطاحن الحديثة والكبيرة.
ويشير نقيب أصحاب المخابز عماد الشامي لـ"وفا"، أن نابلس كانت تحوي 5 مطاحن، في وقت من الأوقات تعتمد على الطرق القديمة، أغلقت 4 منها، وبقيت مطحنة "الأدهم" تفتح أبوابها يوميا.
وأشار إلى أن هناك مطحنة حديثة في نابلس يقومون بشراء الطحين منها، كما تشتري المخابز طحينها من مطاحن أخرى من محافظات الوطن، فالطرق القديمة لم يعد لها جدوى، في ظل زيادة عدد السكان، وحاجتهم للخبز يوميا.
ولفت الشامي إلى أن حاجة محافظة نابلس من الطحين اليومي تبلغ حوالي 300 طن، أي ما يعادل 5 آلاف شوال، وهذا الكم لا يمكن أن نتجه مطاحن قديمة، تحوي آلات قديمة.
وقال إن المطاحن القديمة لعبت دورا اقتصاديا واجتماعيا، لأن التقنيات الــقــديــمــة كـــانـــت تــشــكــل قيمة اجتماعية مهمة لأنها كانت تقوم بطحن المحاصيل المحلية بغرض بيعها كالقمح والشعير وغيرهما، ما يخلق مردودا لا بأس به على السكان المحليين.
لكن تلك التقنيات القديمة لا تستطيع مجاراة التقدم والسرعة في الانتاج التي تعتمدها المطاحن الحديثة، فكل شيء تغير.
وطالما كانت المطاحن من المظاهر القديمة جدا وباتت رموزا للحياة القديمة اذ اعتمدتها واستعملتها شعوب عدة منذ ما قبل الميلاد، ويعود تاريخها الى اليونان القديمة. وهي ترتبط بشكل طبيعي بالثورة الزراعية وهي أول التحولات التي أدت الى استقرار الانسان وبالتالي بدء الحضارة.
ha