"قلم الزيت".. تراث الزيتون في سلفيت
عُلا موقدي
"18" قرية في محافظة سلفيت تعج أراضيها بالسلالم، ومفارش المزارعين، مع بداية ومنتصف شهر تشرين الأول من كل عام، استعدادا لقطف ثمار الزيتون، وتتفاوت مواعيد القطف بين قرية، وأخرى، بحسب قربها من المستوطنات، ووقوع أراضي المزارعين خلف الجدار الفاصل، وحاجتهم الى تصاريح للدخول لأراضيهم، حيث يتعرضون هناك إلى مضايقات شرسة من قبل المستوطنين، والتي قد تصل إلى الضرب، والطرد، والاعتقال من قبل جنود الاحتلال، وتطال المضايقات شجرة الزيتون نفسها باقتلاعها، أو تكسيرها، أو سرقتها.
أخبار يومية تتناقلها وسائل الاعلام وصفحات المواطنين عن ما يتعرض له المزارعون في كل موسم، تأتي تحت عناوين الاحتلال يحتجز عشرات المزارعين خلف الجدار بسلفيت، حتى ساعات متأخرة من الليل، وشكواهم المتكررة من تلوث حقول الزيتون بمجاري مستوطنة اريئيل، الأمر الذي يدفع بالمؤسسات الأهلية، والرسمية، ومنظمات التطوع، والوفود الأجنبية، بتنفيذ أيام عمل تطوعية، لمساندة المزارعين، وتعزيز صمودهم بشكل متواصل.
مدينة سلفيت والتي تعتبر من أواخر المناطق التي تقطف ثمار الزيتون، تنتظر الحب حتى ينضج ويصبح ذو مواصفات جيدة، ما زالت تحافظ على تراث قديم ومميز عرف منذ زمن بعيد في فلسطين عامة، وسلفيت خاصة، ضمن ما يسمى بـ " قلم الزيت"، وهي عبارة عن ضريبة تجبى من المزارعين على الناتج من زيت الزيتون، حيث يقوم المزارع بدفع مبلغ من المال عن كل كيلو غرام واحد من الزيت، الذي ينتجه لمن يقع عليه ضمان قلم الزيت.
مدير الزراعة في محافظة سلفيت ابراهيم الحمد يقول "إن ما يميز مدينة سلفيت عن بقية مدن وبلدات وقرى فلسطين أنها الوحيدة التي تتواجد فيها لجنة زراعية من مزارعي المدينة، منذ قرن تقريبا".
تأسست اللجنة الزراعية في سلفيت منذ العشرينات من القرن الماضي، وتتشكل من مجموعة من المزارعين من أهالي البلدة ومن رئيس البلدية وأحد أعضاء البلدية، ويتم انتخاب هذه اللجنة سنويا في اجتماع عام، يضم معظم أهالي المدينة، ويعقد هذا الاجتماع عادة قبل موسم الزيتون بحوالي الشهر، حيث يتم أولا انتخاب لجنة زراعية جديدة، ثم يتم تحديد موعد قطف الزيتون، وعادة ما يتم تحديده بناءً على معطيات عديدة، أهمها: حمل الزيتون، ثم التصويت على موعد معين إن كان هناك أكثر من رأي في الموضوع، وتلتزم الأقلية برأي الأكثرية، والذي يعتبر بذلك قانونا وعرفا لا يجوز مخالفته.
ويذكر الحمد: يتم في هذا الاجتماع تحديد الضريبة (قلم الزيت) التي ستجبى من المزارعين عن كل كيلو زيت، والمقدرة حاليا بثلاثة قروش أردني عن كل كيلو زيت، ثم يتم تحديد المخالفات، والقيمة التي تفرض على كل من يخالف قوانين اللجنة الزراعية، وخاصة فيما يتعلق بموعد قطف الزيتون، وكذلك من يستعمل العصا في جد الزيتون، وفي حال حصل سرقة للثمار، وهناك أيضا مخالفات في مواعيد أخرى غير موسم الزيتون مثل أعمال الرعي في الحقول والبساتين المزروعة من قبل الماشية.
ويتابع: هناك غرامات تفرض أيضا على التجار الذين يقومون بشراء ثمار الزيتون من الأطفال في المواعيد غير المقررة لذلك، بالإضافة للغرامات على أهالي الأطفال، الذين يقومون بجمع الثمار من غير حقولهم، وبيعها لهؤلاء التجار، وعند انتخاب اللجنة الجديدة تقوم بالاجتماع مباشرة وتحدد موعد لتضمين قلم الزيت.
ويأتي ذلك ضمن عرف تتميز به مدينة سلفيت، حيث يتم دعوة من يرغب بالتضمين للساحة العامة في ظلال شجرة "التوتة" التي تميز ساحة مدينة سلفيت بالقرب من المقهى القديم، وبعد صلاة عصر أحد الأيام، ويفتح المزاد ضمن شروط معينة بين المتنافسين ليرسو المزاد في نهاية الأمر على من يدفع السعر الأعلى لتضمين "قلم الزيت"، ثم يقوم الضامن بجمع الضريبة من المزارعين خلال وبعد موسم الزيتون، ويسلم اللجنة المبلغ الذي رسى عليه المزاد، والباقي يعتبر ربحاً له على ما قام به من عمل شاق في جمع تلك المستحقات، وتقوم المعاصر بتسجيل أسماء المزارعين، وكميات الزيت الناتجة منهم طوال الموسم، وتسليمها للجنة الزراعية، ولضامن "قلم الزيت"، من أجل جمع المطلوب من المزارعين.
وبحسب الحمد، فإن اللجنة تعمل على تعيين حارس للمزروعات الذين يتقاضون رواتبهم من صندوق اللجنة الزراعية، الذي جمع من قلم الزيت والمخالفات، ويقوم هؤلاء الحراس بمراقبة المزروعات خلال موسم الزيتون، ويحرسون المزروعات من السرقة، والأذى، وكذلك كل من يخالف قرارات اللجنة، وبعد نهاية موسم الزيتون يبقى حارس واحد فقط على مدار العام.
وتجتمع اللجنة الزراعية اجتماعات دورية في مقر بلدية سلفيت، وبرئاسة رئيس البلدية، وتكون اجتماعاتها العادية مرة كل شهر، باستثناء موسم قطف الزيتون تكون اجتماعاتها بشكل أسبوعي، واجتماعات طارئة حسب ما تقتضيه المصلحة العامة، وتقوم اللجنة بعدة نشاطات اضافية، مثل: صيانة الطرق الزراعية وخاصة بعد موسم الأمطار، وتأهيل الينابيع، والمساعدة على تسويق زيت الزيتون، بالتعاون مع وزارة الزراعة، والمؤسسات، والجمعيات الزراعية، وتساعد في مكافحة ظاهرة الخنازير البرية التي اطلقها الاحتلال، وتقوم هذه اللجنة وبالتعاون مع البلدية ولجان مقامة الاستيطان برفع الدعاوي على سلطات الاحتلال، جراء الاستيلاء على الأراضي، لغرض الاستيطان، وجدار الفصل العنصري، وكذلك المشاركة في المسيرات، والاعتصامات للغرض ذاته.
ويرأس رئيس بلدية سلفيت اللجنة الزراعية بصفته رئيسا للبلدية، ويكون أحد اعضاء البلدية ايضا عضوا في اللجنة الزراعية، وهناك 7 إلى 9 مزارعين آخرين من أهالي البلدة أعضاء في هذه اللجنة، والذين يستبدلون سنويا عند عقد المؤتمر العام لمزارعي المدينة.
ويبين الحمد، أن اللجنة الزراعية و"قلم الزيت" في سلفيت تعتبر تراثا وعرفا في هذه المدينة الزراعية، التي تعتمد اعتمادا كبيرا على الزراعة، ويتميز أهلها بالالتزام بقوانين اللجنة الزراعية، وتساهم كثيرا في تقدم هذه المدينة زراعيا، مع العلم أن هؤلاء المزارعين لا يتاقضون شيئا مقابل هذا العمل، ويكون عملهم تطوعا لخدمة مزارعي سلفيت، ويتسارعون في الدخول لعضوية هذه اللجنة، ويتم تغييرهم سنويا، لإدخال وجوه جديدة على هذه اللجنة.
تطمح اللجنة الزراعية والمجلس البلدي لبلدية سلفيت بأن تحذو جميع البلدات والقرى حذوهم لما فيه خدمة للمزارعين، وتطورا للقطاع الزراعي، وتعاونا مع الوزارات، والمؤسسات الحكومية، وغير الحكومية، كما حصل في قرية فرخة المجاورة، والتي أصبح لديها منذ عدة سنوات لجنة زراعية تعمل فيها، كما هو الحال في مدينة سلفيت.
يشار إلى أنه في السابع من الشهر الجاري، تم تضمين قلم الزيت في سلفيت هذا العام بـ6400 دينار لصالح المزارع راتب عواد.