67 كلمة ضيعت فلسطين
زهران معالي
يضيع الرقم 67 بين سلسلة من الأرقام المركزية المرتبطة بتاريخ فلسطين، لكن المأساة وقعت فعليا خلف رسالة بدأت بثلاثة كلمات من مجموع ذلك الرقم.
"عزيزي اللورد روتشيلد"..
قبل 65 عاما، تحول السهل الشرقي لمدينة نابلس الممتد على مسافة 250 دونما بين قريتي بلاطة البلد وروجيب من أراض زراعية وفيرة، لكتل خراسانية متراصة تحتضن اليوم أكثر من 27 ألف لاجئ هجروا من اللد وحيفا ويافا.. الخ، بفعل نكبة 1948.
مخيم بلاطة، شرق مدينة نابلس، أكبر مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، استأجرته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" عام 1952 لمدة 99 عاما، كبقية المخيمات في الداخل والشتات، يمثل أحد نتائج وعد بلفور الذي منح فيه من لا يملك لمن ليس له حق، إقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين.
رسالة مكونة من 67 كلمة عرفت بـ"وعد بلفور"، خطها وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر جيمس بلفور في الثاني من نوفمبر 1917، أي قبل قرن، تعهدت بإقامة وطن قومي لليهود، كانت كفيلة بالقضاء على أحلام وآمال ملايين الفلسطينيين وتشتيتهم عن ديارهم وأراضيهم، في حين نشأت إسرائيل الكيان العنصري المسلح في الشرق الأوسط.
ولم يكن ذلك الوعد مجرد حدث عادي وقع قبل مئة عام وانقضى، بل نسج خيوط مأساة متشعبة استمرت آثاره دون انقطاع طوال العقود العشرة الماضية على كافة أركان القضية الفلسطينية، وخلّف مأساة إنسانية وواقع لجوء فلسطيني لم تنقض فصوله، بعثر خلاله واقع أرض فلسطين الجغرافي والديمغرافي.
وطوال فترة الانتداب البريطاني (1920-1948)، اعتمدت الحركة الصهيونية على شعار "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، بهدف تفريغ الأرض من سكانها حيث اعتمدت العديد من الوسائل لتغيير الواقع الديمغرافي والجغرافي لصالح اليهود، خاصة عام 48 كأسلوب التهجير وتدمير القرى وارتكاب أبشع المجازر.
واتبعت أساليب وأشكال مختلفة للضغط على الفلسطينيين لترك قراهم ومدنهم من خلال مذابح كان أشهرها مذبحة دير ياسين، وذلك بهدف الوصول إلى واقع ديموغرافي جديد داخل فلسطين يكون لصالح اليهود.
وفي الفترة التي سبقت إعلان اليهود لدولتهم في العام 1948، وما تلاها أقدمت العصابات الصهيونية على القيام بعدد من المذابح إلى جانب اتباع أسلوب الترحيل الجماعي والإبعاد، وذلك استكمالاً لأهدافهم التي رسموها لأنفسهم لخلق واقع ديموغرافي جديد هدفه خلق أكثرية يهودية على أرض فلسطين.
وتؤكد العديد من الوقائع والدراسات والأبحاث أن وعد بلفور وضع قاعدة لطبيعة الصراع العربي – الصهيوني منذ بدايته على الأرض والسكان، من خلال الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين واستعمارها بأكبر عدد ممكن من المستوطنين اليهود القادمين في موجات متلاحقة من المهاجرين.
ووفق إحصائيات انجليزية رسمية، أصبح عدد سكان فلسطين بعد خضوعها للانتداب البريطاني 673 ألف نسمة، منهم 521 ألف من المسلمين، و67 ألف من اليهود، و78 ألف من المسيحيين، و7000 من المذاهب الأخرى.
كان اليهود في فلسطين اقلية تعيش وسط محيط عربي كبير، فيذكر السير موسى مونتفيورى أن عدد اليهود الذين كانوا يعيشون في فلسطين عند زيارته لها في العام 1839 قدر بحوالي ستة آلاف نسمة معظمهم من أصل أسباني، مقابل ما يقارب 300 ألف عربي، أي نسبة اليهود لم تتعد 2% من مجموع سكان فلسطين.
إلا أن التحول في الواقع الديموغرافي في فلسطين بدأ تدريجيا لصالح اليهود بعد الانتداب البريطاني، فوفق إحصائيات رسمية عام 1922، فقد مثل الفلسطينيون ما نسبته 88.8% من إجمالي سكان فلسطين، في حين لم تصل نسبة اليهود إلا 11.2% من إجمالي السكان، وظلت نسبة الفلسطينيين في تناقص مستمر حتى وصلت نسبتهم من إجمالي السكان حوالي 69.8% عشية إعلان دولة الاحتلال، حيث ارتفعت نسبة اليهود إلى حوالي 30.2% من إجمالي السكان في نفس العام.
وبدأت الزيادة في أعداد اليهود تظهر إثر موجات الهجرات اليهودية المتلاحقة والتي زادت من إعدادهم بشكل ملحوظ.
ووفق جهاز الاحصاء الفلسطيني، فإن 66 % من الفلسطينيين الذين كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 تم تهجيرهم، فقد طرد ونزح من الأراضي التي سيطر عليها الاحتلال الاسرائيلي حوالي 957 ألف عربي فلسطيني، وذلك حسب تقديرات الأمم المتحدة عام 1950.
وصدرت عدة تقديرات رسمية حول أعداد اللاجئين الفلسطينيين عشية حرب عام 1948 من مصادر مختلفة، إلا أن للأمم المتحدة تقديرين: الأول يشير الى أن عدد اللاجئين الفلسطينيين بلغ نحو 726 ألف لاجئ وذلك بناءً على تقديرات عام 1949. والثاني 957 ألف لاجئ بناءً على تقديرات عام 1950.
وأوضح أن استنادا لسجلات وكالة الغوث (الأونروا)، فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها في عام 2016 نحو 5.9 مليون لاجئ، وهذه الأرقام تمثل الحد الادنى لعدد اللاجئين الفلسطينيين، وقد شكل اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الضفة الغربية والمسجلون في العام 2016 ما نسبته 17.0%، من إجمالي اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث مقابل 24.5% في قطاع غزة.
أما على مستوى الدول العربية، فقد بلغت نسبة اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة الغوث في الأردن 39.1% من إجمالي اللاجئين الفلسطينيين، في حين بلغت النسبة في لبنان 8.8%، وفي سوريا 10.6%.
وحسب بيانات عام 2016، بلغت نسبة السكان اللاجئين في دولة فلسطين 41.5% من مجمل السكان الفلسطينيين المقيمين في دولة فلسطين، وأن 26.2% من السكان في الضفة الغربية هم لاجئون، في حين بلغت نسبة اللاجئين في قطاع غزة 65.3%.
ورغم محاولات دولة الاحتلال لتفريغ الأرض الفلسطينية بدءا من العصابات الصهيونية ابان الانتداب ومرورا بالنكبة والنكسة عامي 1948 و1967 وما تبعها من توغل الاستيطان بالضفة الغربية وبناء جدار الضم العنصري، إلا أن الغلبة في الواقع الديمغرافي مازالت للفلسطينيين.
ويتوقّع جهاز الإحصاء الفلسطيني، أن تزيد نسبة الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وتتفوق على عدد الإسرائيليين بحلول عام 2020، لتكون "نسبة السكان الإسرائيليين حوالي 49.3 في المائة من السكان، بنحو 6.96 ملايين إسرائيلي، مقابل 7.12 ملايين فلسطيني.
ويشير تقرير للجهاز نشر نهاية 2016، إلى أن الفلسطينيين بلغ عددهم في فلسطين التاريخية نحو 6.41 ملايين في نهاية 2016، في حين بلغ عدد الإسرائيليين 6.33 ملايين، بناء على تقديرات دائرة الإحصاءات الإسرائيلية نهاية عام 2015، متوقعة أن يبلغ عددهم 6.45 ملايين مع نهاية عام 2016. ليتساوى عدد السكان الفلسطينيين والإسرائيليين في نهاية 2017.
وينوه التقرير إلى أن عدد الفلسطينيين حول العالم بلغ نحو 12.70 مليون فلسطيني؛ بينهم 4.88 ملايين في فلسطين، ونحو 1.53 مليون فلسطيني في الأراضي التي تحتلها إسرائيل، وما يقارب 5.59 ملايين في الدول العربية، ونحو 696 ألفا في الدول الأجنبية.
وحول الأرض الفلسطينية، تشير تقارير إحصائية حديثة إلى أن دولة الاحتلال تستغل أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية والبالغة حوالي 27,000 كم2، حيث لم يتبق للفلسطينيين سوى حوالي 15% من مساحة الأراضي فقط.
وتفيد بأن 40% من مساحة الضفة الغربية تم تحويلها لأراضي دولة من قبل سلطات الاحتلال الاسرائيلي، حيث أقدمت سلطات الاحتلال بعد احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، بنقل ملكية الأراضي التي كانت تديرها السلطات الأردنية والأراضي المسجلة بأنها أراضي دولة منذ العهد العثماني، ونقلت سلطة التصرف بهذه الأراضي لها، وجمدت عمليات تسجيل الأراضي للفلسطينيين، وألغت جميع التسجيلات غير المكتملة، وبهذا حرمت السكان الفلسطينيين من حق التصرف في ملكية أراضيهم.
وبلغت مساحة هذه الأراضي في ذاك الوقت ما يقارب 527 ألف دونم، ومع نهاية العام 1973 قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بإضافة أكثر من 160 ألف دونم كأراضي دولة، واستمرت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بسياستها الهادفة لنهب الأرض الفلسطينية، حيث قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بالإعلان عن أكثرَ من 900 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية كأراضي دولة بين الأعوام 1979-2002.
واستمراراً لسياسة نهب الأرض الفلسطينية من خلال إعلانها أراضي دولة قامت سلطات الاحتلال الاسرائيلي بعد ذلك بإعداد مخططات تسجيل لأكثر من 660 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية لتسجيلها كأراضي دولة. وبذلك يبلغ مجموع الأراضي المصنفة كأراضي دولة في الضفة الغربية أكثر من 2,247 ألف دونم أي ما يعادل حوالي 40% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.