مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

أم حاتم زغردت مرتين

إيهاب الريماوي

عشية اندلاع الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 1982، ومع اشتداد الحصار على بيروت، بدأ المئات من الشبان بالتوجه من الضفة الغربية إلى عمّان ومنها إلى بيروت. كان حاتم كراكرة من قرية سنجل شمال رام الله كغيره من الشبان الراغبين بالانضمام لقوات الثورة الفلسطينية، وذات يوم أخبر والده أنه يريد الالتحاق بالمقاتلين في بيروت. رفض والده في البداية خوفاً على خسارة ابنه البكر، لكن الأخير كان عازماً على ذلك.

قبيل الحرب، توجه حاتم إلى الأردن، وأخبر أسرته أنه ذاهب للعمل هناك، وسيرسل لهم مصروفهم عند بداية كل شهر.

انقطعت أخباره منذ أن سافر إلى عمّان، ولأكثر من شهرين لم تسمع عائلته عنه شيئاً، وعن طريق بعض المعارف علموا أن حاتم يقاتل في بيروت، وخرج مع مجموعة من الشبان إلى هناك للوقوف إلى جانب الفدائيين.

انتهت الحرب على لبنان وانسحب المقاتلون من بيروت، وعادت المجموعة التي كان قد انضم إليها حاتم إلى عمّان، انقطعت أخباره، وتسلل اليأس إلى أبناء عائلته، واستسلموا لقضاء الله وقدره، وقالت والدته: إذا لم نقدم للوطن أبناءنا، فما لزوم وجودنا على هذه الأرض؟.

فتحت العائلة بيت عزاء لحاتم في سنجل، لم يكن بيت عزاء عاديا، حيث كان الاحتلال يلاحق عائلات الفدائيين حتى بعد استشهادهم، فلم يعلنوا نبأ استشهاد ابنهم عبر مكبرات الصوت في المساجد، وكانوا سراً يستقبلون المعزين وأغلبهم من أقربائهم المقربين.

بعد فترة، ومع مغيب الشمس جاء شاب من القرية يزف بشارة لعائلة أبو حاتم، بأن ابنه حي يرزق، ونجا مع آخر فيما استشهد أفراد مجموعتهم في بيروت، وهو الآن في العاصمة الأردنية عمّان. لم تصدق العائلة في بادئ الأمر، وشد والده الرحال إلى الأردن، وأقسم لأم حاتم أنه لن يعود قبل أن يأتي بالخبر اليقين عن ابنهما.

بعد نحو شهر من وصول أبو حاتم لعمّان، التقى بحاتم، وأرسل صوره إلى والدته من خلال أحد الأقارب العائدين إلى الضفة الغربية، ولما وصلت الصور إلى والدته خرجت إلى الشوارع تزغرد وتغني، وخلعت الثوب الأسود واستبدلته بثوب الفرح.

عاد حاتم إلى فلسطين بعد رحلة طويلة، وبعد وصوله بأسبوع، داهم جنود الاحتلال منزل عائلته واعتقلوه وشقيقه الآخر، وأخضع لتحقيق قاسٍ لمدة 18 يوماً وأفرج عنه لاحقاً.

ولما اشتدت المواجهة في أوج انتفاضة الأقصى في العام 2000، ووصل عشرات الشبان إلى خطوط التماس مع جنود الاحتلال، أصيب شاب كان لتوه عائداً مع عدد من المقاتلين من بيروت، عاد سالماً يومها، لكن في هذا اليوم دق شبان باب منزل الحاجة وردة كراركرة (أم حاتم) في سنجل، وقالوا لها: "يما.. إبنك حاتم استشهد".

أم حاتم، عند سماعها خبر استشهاد ابنها البكر، خرجت إلى الشارع تطلق الزغاريد، وبعد لحظات مرت سيارة إسعاف بالقرب منها، وأطل شاب برأسه من نافذة السيارة، وقال لها: "حاتم عايش ..حاتم عايش".

أصيب حاتم يومها برصاصة اخترقت يده اليمنى، ولشدة النزيف ولأنه كان في الخطوط الأولى، ظن الشبان أنه استشهد.

حاتم الذي امتهن الحدادة، كان نشيطاً في صفوف حركة فتح خلال انتفاضة الأقصى، كان يساعد رجال المقاومة على إخفاء أسلحتهم بالمركبات أثناء تنقلهم بين المحافظات، التي تكتظ شوارعها بالحواجز العسكرية ونقاط التفتيش الإسرائيلية.

توفي حاتم في حادث سير بالعام 2006م، قرب حاجز عطارة شمال رام الله، إذ تحطمت السيارة التي كان يقودها بالكامل، وتوفي وهو بداخلها.

بعد وفاة حاتم بأيام، مرت سيارة شبيهة بسيارته من أمام منزه والدته، ولما شاهدتها أم حاتم خرجت تلهث خلفها وتنادي: "يما يا حاتم وقّف.. يما يا حاتم وقّف"، يومها سقطت على الأرض وظلت طريحة الفراش عدة أسابيع، نتيجة تعرضها لكسور في ذراعها وساقها.

قبل أن نغادر بيتها، حاولت الحاجة وردة كراكرة، النهوض بصعوبة، وأشارت لنا إلى صورة لشاب وسيم يقف إلى جانب سيارة، وقالت: "بالله في أجمل من هالوردة؟" وتقصد ابنها حاتم. وأضافت بعد تنهيدة: "هذا حال الدنيا، سقتني كأس حنظلها ومرها، أنا كل ما جيت أعدلها وألمها، فتل دولابها وأعطى قفاها".

ـــ

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024