القدس.. مفتاح الحرب والسلام
زهران معالي
"نقل السفارة الأمريكية للقدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، إن تمت، ستدخل المنطقة في مسار جديد، ومرحلة خطرة لا يمكن السيطرة على نتائجها"، تحذير أطلقه الرئيس محمود عباس يوم أمس، ضمن حملة اتصالات عربية ودولية من أجل حماية القدس والمقدسات.
هذه التحذير، جاء ردا على ما تناولته وسائل إعلام عالمية عن نية رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي الأربعاء القادم، وعدم تجديد ترامب لقرار منع نقل السفارة الأميركية للقدس، وفق الموعد المقرر يوم أول أمس، التي جرت العادة على توقيع تأجيله من قبل الرؤساء السابقين للولايات المتحدة.
وبموجب القانون الذي صادق عليه الكونغرس الأميركي عام 1995، فإن الحكومة الأميركية ملزمة بنقل السفارة إلى القدس، بيد أن جميع رؤساء الإدارات الأميركية المتعاقبة، ومنذ المصادقة على القانون، اختاروا تأجيل نقل السفارة، من خلال التوقيع على أمر رئاسي يؤجل تنفيذ القانون لاعتبارات "الأمن القومي"، كل ستة أشهر.
أستاذ القانون الدولي في جامعة القدس الدكتور محمد الشلالدة أكد لـ"وفا"، أنه في حال اعترفت الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقلت السفارة الأميركية، فإن ذلك يشكل انتهاكا صارخا لقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وخرقا لميثاق الأمم المتحدة، وانتهاكا لقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن.
وشدد على أن هذا الاعتراف يشكل سياسة خارجية أميركية، إلا أن ما يهم القضية الفلسطينية موقف القانون الدولي الذي أكد عبر العديد من القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، بدءا بقرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947، وقرارات الشرعية الدولية، حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية.
وأضاف الشلالدة أن الخطوة الأميركية تهدد الأمن والسلم العالمي، ولا بد من وقفة عالمية على مستوى الأمم المتحدة لوقف هذه السياسيات؛ كونه لا يجوز لرئيس دولة مثل الولايات المتحدة العضو الكامل في مجلس الأمن التي تمتلك حق "الفيتو"، أن يهدد الأمن والسلم الدولي.
وتابع: إذا قامت الولايات المتحدة بهذه الخطوة غير القانونية والمخالفة للقانون الدولي، فعلى المجتمع الدولي ممثلا بالأمم المتحدة، الاجتماع الطارئ والفوري لمواجهة القرار، مضيفا أنه في حال اتخذت الولايات المتحدة حق "الفيتو"، يجب الذهاب للجمعية العمومية والالتزام بقرار 377 لسنة 1950، الذي يعطي الحق بأن تتخذ الجمعية العمومية قرارات لدرء الفتن والحرب التي يمكن أن تحدث في العالم.
وشدد الشلالدة على ضرورة الوقفة الجدية من التنظيم الدولي ككل، بدءاً من جامعة الدول العربية التي يجب أن تجتمع بأسرع وقت، ومنظمة التعاون الإسلامي، ومنظمة عدم الانحياز؛ لمواجهة السياسة الأميركية وفضحها باعتبارها داعمة للسياسة العنصرية التمييزية الممثلة بإسرائيل.
ويخالف قرار الاعتراف أو نقل السفارة، قرار الجمعية العمومية 181 لسنة 1947، الذي أكد أن القدس تخضع لوضع دولي خاص، كما يتعارض مع قرارات مجلس الأمن وخاصة (242 لسنة 1967، و338 لسنة 1973، و478 لعام 1980)، التي اعتبرت أن جميع إجراءات الاحتلال في القدس الشرقية باطلة وغير شرعية، وعلى إسرائيل الانسحاب منها دون قيد أو شرط.
وذكّر شلالدة بأن قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة كان معلقا بشرطين، وهما: احترامها وتطبيقها لقرار التقسيم 181/2 لسنة 1947، واحترامها وتطبيقها لقرار 194 المتعلق بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
وقال أستاذ القانون الدولي إن على المجتمع الدولي ودولة فلسطين بناء على الشرطين السابقين، أن تعمل على فصل إسرائيل من الأمم المتحدة، أو التلويح بهذا القرار، مشيرا إلى أن قرار التقسيم تم تطبيق الجزء المتعلق بقيام دولة إسرائيل، فيما لم تقم الدولة الفلسطينية.
وأكد شلالدة أن الاعتراف كذلك، يتعارض مع الرأي الاستشاري الذي صدر عن محكمة العدل الدولية بخصوص الجدار العنصري عام 2004، والذي أكد على مبدأ انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة).
كما يتعارض مع قرارات عديدة صدرت بخصوص القدس التي تؤكد أنها محتلة، بكافة القرارات الدولية بما فيها 23/34 الذي صدر عام 2014 بخصوص الاستيطان، في آخر فترة ولاية الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أكد على أن الاستيطان غير شرعي.
ودعا شلالدة إلى هبة جماهيرية للشعب الفلسطيني للوقوف أمام الخطوة الأميركية وتفعيل مبدأ المقاومة السلمية الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي وضد السياسات التمييزية، ووضع استراتيجية فلسطينية عامة لمواجهة هذه الإجراءات التي تهدد قيام الدولة الفلسطينية.
خطوة ترامب لم تكن الأولى في مواقف الولايات المتحدة تاريخيا من قضية القدس وقراراتها الداعمة والمنسجمة والمنحازة بالعلن والخفاء مع السياسات الإسرائيلية، إلا أن خطواته على الأرض التي بدأها بإغلاق مقر منظمة التحرير في واشطن، تنبئ بأن المنطقة ستدخل في مأزق حقيقي.
ويرى الكاتب في جريدة الأيام أكرم عطا الله، أن هناك جدية في قرار الاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، مشيرا إلى أن القرار في حال تم، فهو مدمر ويحسم موضوع مدينة القدس قبل أن تبدأ المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وقال إن القرار يعتبر "نزوة خطيرة في السياسة الأميركية وخروجا عن التقاليد، والدور الأميركي الذي قدّم نفسه وسيطا خلال العقود الماضية، فيما يبدو الآن أنه يتبنى الرواية الإسرائيلية".
وأضاف: سابقا كان الإسرائيليون يقولون إن القدس عاصمة إسرائيل، ولا أحد في العالم حتى الولايات المتحدة يتعاطى مع ذلك، لكن أن تعترف الولايات المتحدة اليوم، فهو تبنٍ فاقع للرواية الإسرائيلية وسيقضي على أي مسار أميركي للتفاوض".
وأكد عطا الله أن الفلسطينيين لن يقبلوا بأن تبقى الولايات المتحدة وسيطا للتفاوض في ظل إدارة تستجيب لكل رغبات الاحتلال الإسرائيلي، واصفا الاعتراف بـ "الأمر الخطير الذي سيقضي على كل أسس التسوية والدور الأميركي".
وقال إن خطوة الإدارة الأميركية برئاسة ترامب، بالإقدام على قرارات تتمثل بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقل السفارة الأميركية، يعتبر سلوكا طائشا يجب لجمه، وعلى الولايات المتحدة أن تدرك أنها تعرض مصالحها للخطر، إذا اتخذت القرار.
وشدد عطا الله على أن الأمة العربية والإسلامية والفلسطينيين، لن يقبلوا بالانحياز الأميركي الأعمى لإسرائيل، الذي سيدمر كل جهود العالم خلال العقود الماضية للتوصل إلى تسوية وحل للقضية الفلسطينية.
وقال "ردود الفعل العربية والعالمية حول مخططات ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ما زالت باهتة حتى الآن وهذا مقلق، فحتى اللحظة ليس هناك ردود بمستوى الخطأ الكبير الذي سترتكبه الولايات المتحدة".
تاريخيا، اتسمت السياسة الأميركية تجاه قضية القدس، بالانسجام مع السياسات الإسرائيلية منذ نكبة العام 1948، واستغل المرشحون لرئاسة الولايات المتحدة قضية الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل أو نقل السفارة الأميركية من تل أبيب للقدس، كطريق عبور للفوز بكرسي الرئاسة.
ــــــ