القدس بين سياسات الاحتلال الطاردة.. وقرار "ترامب" بتشريعها
- راسم عبد الواحد
ساعات تفصلنا عن خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وسط تكهنات حول ما سيتضمنه خطابه الذي سيلقيه غدا الأربعاء؛ خاصة فيما يتعلق بالاعتراف بأن مدينة القدس عاصمة دولة الاحتلال اسرائيل، ونقل سفارة بلاده من "تل أبيب" إليها.
العالم، خاصة الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية انشغلت هذه الأيام في التركيز على ما سيحمله خطاب ترامب وحذرت من تداعياته، في ما انتفضت القيادة الفلسطينية، من رأس الهرم ممثلة بالرئيس محمود عباس، والقيادة السياسية والتنفيذية والفصائلية، للتباحث حول الخطوات التي من المتوقع اتخاذها عقب مثل هذا الإعلان.
تحركات واسعة للقيادة...وإعلاميو الوطن شمروا عن سواعدهم
إعلاميو الوطن شمّروا عن سواعدهم، وعقدوا لقاء عاجلا وطارئا بمبادرة من المشرف العام على الإعلام الرسمي أحمد عساف، وبمشاركة عشرات الإعلاميين من مختلف القطاعات الخاصة والرسمية والفصائلية، للبحث في سبل مواجهة احتمالات التطور الخطير في الموقف الأميركي تجاه مدينة القدس، والتي تشير فيه الإدارة الأميركية لاعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال "الإسرائيلي"، حذروا خلاله من إشاعة الفوضى والعنف في المنطقة، في حال اعتراف الإدارة الأميركية بالقدس عاصمة لإسرائيل، الأمر الذي سيؤدي إلى تحويل الصراع إلى صراع ديني لا يمكن التنبؤ بعواقبه الخطيرة، وطالبوا بالتصدي لمثل هذا الموقف الذي يعتبر تبنيا كاملا لأهداف اليمين "الإسرائيلي" والصهيوني المتطرف، والذي سيقود إلى تقويض العملية السياسية وينسف فرص السلام الممكنة.
مواقع التواصل الاجتماعي شهدت في الـ24 ساعة الماضية ما يشبه "الثورة" في هاشتاغات، وتعليقات، وتوقعات عشرات بل مئات النشطاء من عموم فلسطين والوطن العربي، وكلها مؤيدة لقدس عربية عاصمة للدولة الفلسطينية ولشعبها العظيم.
لكن، كثيرون أثاروا تساؤلات حول ما الذي من الممكن أن يتغير على واقع المدينة المقدسة، عقب الإعلان عن تلك المواقف، خاصة أن دولة الاحتلال قطعت أشواطا في استهداف المدينة وقطاعاتها ومُقدّراتها ومقدساتها وإنسانها، وغالبا ما تساند الولايات المتحدة، بإداراتها المتعاقبة، خاصة الحالية، اسرائيل في كل خطواتها التهويدية، وفي كل المحافل الدولية، ما دفعها للتمادي في غيها وسياساتها القهرية والاستيطانية والتهويدية، وباتت قاب قوسين أو أدنى من حسم ملفات اتفق على تأجيل البحث فيها، وفي مقدمتها حسم قضية القدس بشكل نهائي؛ وسرّعت خطوات أسرلتها وتهويدها وخلْق واقع تستحيل معه أن تكون عاصمة الدول الفلسطينية المستقبلية، فما الذي سيعكسه قرار ترامب على القدس؟ وكيف ستستغله دولة الاحتلال لحسم قضية عاصمة الشعب الفلسطيني؟.
محافظ القدس: الاحتلال يسعى لحسم قضية القدس!!
محافظ القدس ووزير شؤونها عدنان الحسيني أكد أن الاحتلال سرّع في الآونة الأخيرة من دمج شرق المدينة المقدسة بغربها، حتى البُنى التحتية تم ربطها معا لخلق واقعٍ صعبٍ ومرير، تستحيل معه عمليات الانفصال، لافتا إلى مخططات ضم كتل استيطانية ضخمة الى بلدية القدس العبرية، وسلخ أحياء مقدسية عن نفوذ البلدية لجعل الميزان الديموغرافي في المدينة لصالح المستوطنين اليهود، وتقليل نسبة الفلسطينيين في المدينة من 40% الى أقل من 25%، مُشدّدا، في حديثه لـ"وفا"، على أن أهل القدس لن يتخلوا عن تواجدهم في مدينتهم، وطالب المواطنين في القدس بالمزيد من الوحدة والتضامن ورصّ الصفوف، والانتباه واليقظة والحذر من مخططات الاحتلال في المدينة التي تستهدف مقدسات المدينة وقطاعاتها وكل شيء فيها.
يُشار إلى أنه لا توجد أي سفارة حاليا في القدس، حيث توجد سفارات 86 بلدا حول العالم في "تل أبيب" باعتبارها عاصمة "إسرائيل". علما أن قضية نقل سفارة واشنطن ليست من بناة أفكار ترامب، ففي عام 1995 أصدر الكونغرس قانونا يفرض على الحكومة الأميركية نقل سفارتها الى القدس، حيث قال المؤيدون إنه ينبغي على الولايات المتحدة احترام خيار إسرائيل للقدس عاصمة لها والاعتراف بها على هذا النحو.
ومع ذلك لم يمتثل أي من الرؤساء الأميركيين للقرار، لاعتبارات تتعلق بمصالح الأمن القومي، وكل ستة أشهر، يستخدم الرئيس السلطة الرئاسية في التحايل على خطوة نقل السفارة، وستكون المرة القادمة لمراجعة تنفيذ القرار، غدا الأربعاء.
دراسات: الاحتلال سيستثمر قرارات ترامب لتحقيق جملة من الأهداف
دراسات فلسطينية متعددة أكدت أن الاحتلال، سيستثمر قرار اعتبار القدس عاصمة لدولته، ونقل سفارته اليها، لتحقيق جملة من الأهداف في سياق تهويد القدس، على رأسها: توفير حزام أمني محيط بالقدس، والحفاظ على المواقع العسكرية المهمة في مرتفعات القدس ومناطقها الحساسة، وإيجاد طرق آمنة بين المستوطنات الإسرائيليّة، وخلق تواصل بين أماكن وجود المستوطنين، وعرقلة النمو العمراني والسكاني الطبيعي للمقدسيين، وإعاقة تمددهم في محيطهم، وزيادة نسبة اليهود في القدس، وتعزيز مكانة القدس كعاصمة لدولة الاحتلال، والترويج لذلك، وتفكيك التواصل الجغرافي بين أحياء القدس، وعزل القدس عن المدن الفلسطينية الأخرى، وضرب مقوّمات صمود المجتمع المقدسي، والأهم هو تحويل القدس إلى مدينة طاردة للمقدسيين، وجاذبة للمستوطنين، وإضفاء شرعية على احتلال الاراضي الفلسطينية وعلى رأسها القدس.
القيادة الفلسطينية تحذر من تداعيات إعلان ترامب
وكان الرئيس محمود عباس حذر القادة الدوليين من أن هذه الخطوة سترسل المنطقة الى مرحلة خطيرة لا يمكن السيطرة على نتائجها.
وقال مستشار الرئيس نبيل شعث، في تصريحات صحفية: "لقد حذرنا الجانب الأميركي من أنه إذا نفذت الحكومة الأميركية هذا البيان بالاعتراف بقدس موحدة عاصمة لإسرائيل" ونقل السفارة الأميركية إلى القدس فإن هذه خطوة ستُنهي أي فرصة لعملية سلام". مُضيفا أن "عملية سلام تبدأ بالسيطرة على أقدس الأماكن لدينا ليست بداية، بل هي تدمير".
في حين شدّد أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو اللجنة المركزية لحركة فتح صائب عريقات على أن أي اعتراف أميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل سيعني انتهاء عملية السلام فورا، وقال: "أبلغنا الأميركيين بشكل واضح بأن نقل السفارة الأميركية للقدس أو الاعتراف بها عاصمة لـ"إسرائيل" سيعني إنهاء عملية السلام في المنطقة، وليس فقط انسحاب الولايات المتحدة كراعٍ لهذه العملية".
خبير: بيان "ترامب" المرتقب يتناقض وقرارات الأمم المتحدة
من جانبه، قال الخبير بالقانون الدولي، والأمين العام للهيئة الإسلامية المسيحية، حنا عيسى، لـ"وفا" إن خطوة ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لدولة اسرائيل يوم غد الاربعاء "تتناقض مع قرار المندوب الاميركي في الامم المتحدة لعام 1967، الذي أقر بأن الضفة بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة أراض محتلة، ويتناقض مع القرار الاممي 181 الذي وضع المقدسات تحت الوصاية الدولية، ويتعارض مع قرار 242 الذي اعتبر اراضي الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة اراضي محتلة، ويضاف الى ذلك أن الامم المتحدة طالبت الدول بسحب بعثتها الدبلوماسية من القدس وفق قرار 478 بعد أن قرر برلمان الاحتلال "الكنيست" عام 1982 اعتبار القدس عاصمة "اسرائيل" الموحدة". مبينا "أن مثل هذا القرار يتعارض مع اتفاق المبادئ (اوسلو) الموقع عام 1993، الذي نص على ان القدس تخضع لمفاوضات الحل النهائي".
واوضح أنه "يمكن للقيادة الفلسطينية أن تتوجه الى مجلس الأمن للمطالبة بسحب الاعتراف الاميركي بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي حال استخدام الولايات المتحدة الاميركية الفيتو، يمكن اللجوء إلى الجمعية العامة في الأمم المتحدة وطلب التصويت وفق بند (اتحاد من أجل السلم)، وهو بند مُلزم يعادل بقوته قرار مجلس الأمن".
ولفت عيسى الى الاعتداءات الواسعة التي يرتكبها الاحتلال بحق سكان مدينة القدس في هذه الأيام، مؤكدا أنها تندرج تحت مظلة ثلاث جرائم هي: جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وجريمة العدوان، كلها تلتف حول بعضها البعض لتشكل إبادة جماعية للشعب الفلسطيني، أي الطرد الجماعي لهم، مُشيرا الى سلسلة من الانتهاكات بحق الفلسطينيين في القدس منها: هدم المنازل، وتدنيس المقدسات، وسحب الهويات، والاعتقالات، والحصار وإغلاق المحلات، وفرض الضرائب، والحفريات، وسحب إقامة المقدسيين، وهدم منازلهم في آن واحد، ومنع ترميم المنازل، مؤكدا أنها تأتي في إطار تهويد المدينة واستحداث طابع يهودي على حساب الطابع الإسلامي، وطرد الهوية العربية الإسلامية.
وقال عيسى: "ان سلطات الاحتلال تمارس الاضطهاد والتمييز العنصري بتقديم الخدمات النوعية في نصف القدس الغربية وعدم تقديمها في النصف الشرقي، وفرض الضرائب كذلك بهدف إخلائها من سكانها، وكل ذلك يأتي في إطار الحرب المبرمجة ضد الشعب العربي الفلسطيني في ارتكاب كافة الجرائم التي يمكن أن تذكر في نص المادة الخامسة من ميثاق روما".
ويحبس الفلسطينيون أنفاسهم حتى موعد خطاب الرئيس الاميركي "ترامب" وما إذا كان سيتضمن اقرارا بأن القدس عاصمة موحدة لدولة الاحتلال، وقرارا بنقل سفارة بلاده إليها، ما سيفتح الأبواب على مصراعيها لتحركات واحتجاجات ستتجاوز حدود القدس وفلسطين لتعمّ الوطن العربي وأنحاء المعمورة.