لؤي ومعاذ.. ورحلة رد الجميل
هدى حبايب
"نتقاسم الفرح، ونتقاسم المواجع أيضا... وننتقص من أعمارنا في الحياة، كي نتشارك تلك الحياة معا... فهي لا تطيب لنا منفردين، ولا تكتمل حريتنا إلا حين نتذوقها سويّة.."، هي بداية حكاية الصديقين معاذ مسامح ولؤي صوان ابنيْ طولكرم.
أسيران محرران، من طولكرم، بعد 14 عاما من غياب قهري وقسري في زنازين وغياهب سجون الاحتلال، متذوقين مرارة السجن وظلم السجان، الذي لم يتمكن من النيل من صداقة جمعتهما مع ظروف قاهرة، كللت بالحرية لكل منهما.
هذه الصداقة ترجمت في قاعة محكمة الاحتلال لحظة النطق بالحكم عليهما، لؤي 21 عاما، ومعاذ 7 سنوات.
لم يرق هذا الحكم لمعاذ، فكيف لهذا المحتل أن يحكمه بأقل من صديقه، حيث لم تفصلهما سوى 12 ساعة عن الاعتقال، كمين محكم لقوات مدججة بالأسلحة والطيران أطبق عليهما وهما بسيارة كانت تمر على طريق العطارة ما بين جنين وطولكرم، اعتقل لؤي بعد أن تعذر عليه الهرب بسبب الإصابة التي كان قد أصيب بها قبل فترة من قبل الاحتلال، فيما تمكن صديقه معاذ من الفرار، لتعاود قوات الاحتلال اعتقاله من منزله بعد ساعات.
وقف معاذ هادئا في المحكمة، هدوء لم يدم سوى دقائق معدودة، حتى طلب من محاميه أن تكون هناك صفقة مع ما يسمى النيابة الاحتلالية ليكون الحكم موحدا بينهما.
يقول معاذ: بعد سماعنا النطق بالحكم، لم أتردد للحظة في عمل أي شيء يغير هذه الأحكام، فطلبت على الفور من المحامي التدخل لتغيير الحكم، وربط ملفي بملف لؤي، على أساس أتقاسم الحكم معه واخفف عليه مدة السنوات الطويلة، اقترحت أن يكون حكمنا 11 سنة لكل واحد منا، إلا أن الاحتلال رفض.
وبعد مداولات شهدتها قاعة المحكمة، قرر القضاة تقسيم الحكم إلى 14 عاما لمعاذ ومثلها لصديقه لؤي.
صمت لؤي برهة قصيرة بلا ردة فعل، نظر إلى أم معاذ، وكأنه يدرك ما يدور في كينونة هذه الأم الحزينة، فرد على الفور "أسألوا أم معاذ، إذا كانت ستوافق فأنا موافق".
أشار معاذ لأمه من بعيد، وكانت تجلس صامته إلى جانب والدة لؤي وسط قاعة المحكمة، بلا تردد أجابت "الله يرضى عليكم"، في إشارة إلى الموافقة، لتنهي ساعات من الانتظار الطويل بقسوة الأحكام الجائرة.
بالمقابل وضع لؤي لأهله شرطا بعد خروجه من السجن، بأنه لن يطيب له رؤية أمه ولن يجعلها تفرح لحظة الإفراج عنه إلا بعد أن يحتضن معاذ والدته وقد تحقق ما تمناه، في رد لمعروف صديقه معاذ.
يقول لؤي: أفرج عني قبل يوم من خروج معاذ، وقطعا لوعدي له، بت ليلة في الخليل وعدت في اليوم الثاني إلى رام الله بانتظار الإفراج عن صديقي والعودة معا إلى طولكرم، إلا أن الاحتلال تعمد تأخير الإفراج عن معاذ، فاتصلت به وطلب مني العودة إلى طولكرم، وأنهما سيلتقيان معا هناك، ووصلت إلى طولكرم وتفكيري منصب حول الوعد الذي قطعته على نفسي، فكان معاذ قد وصل أيضا والتقى بوالدته، عندها انتابتني فرحة هزت كياني لأنني تمكنت من الإيفاء بوعدي الذي قطعته قبل 14 عاما.
أسرع لؤي إلى منزله في ضاحية ذنابة شرق طولكرم، وكانت أمه في أشد الشوق لاحتضانه، فارتمت بين ذراعيه تبكي من شدة الفرح، فقبل رأسها وسط الجموع الغفيرة من أهله وجيرانه وأصحابه، قبل أن يتوجه إلى منزل صديقه معاذ في ضاحية شويكة شمال المدينة، للقاء والدة معاذ مقبلا رأسها ايضا، وحاله يقول "شكرا لك أمي".