التنين ينسل من بين ايدينا
جيفارا سمارة
"تسدد عند التحرير" كلمات ثلاث اختزلت معاني الدعم والتعاطف الصيني، ذيلت في اسفل فاتورة اول شحنة اسلحة مقدمة من الصين الشعبية، للفدائيين الفلسطينيين في مقرات التدريب في سوريا، سلمت عن طريق البحر.
"صين قوية اذن فلسطين قوية"، عبارة خطها الرئيس محمود عباس في كتاب مذكرات كبار الزوار خلال زيارته للعاصمة الصينية بكين، ايمانا بقوة الصين التي يجب ان تلعب دورا محوريا في التوازنات الدولية حتى لا تبقى رهينة لأمريكا، وهي قوة وجد ترامب نفسه امامها مضطرا للاعتراف بنفوذ نظيره الصيني شي جين بينغ، واصفا اياه بـ"الاقوى منذ قرن" (صينيا)، وكان منطقيا اكثر لو انه قال بانه الاقوى عالميا لولا انه سيبدو ضعيفا لو فعل (بحسب الواشنطن بوست).
فبينغ الذي قال خلال المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي الذي اختتم اعماله قبل شهر تقريبا، ان "الصين ستصبح قائدا عالميا من حيث التأثير الدولي"، استطاع نسج علاقات تحالف مع دول كثيرة سيستثمر فيها مئات مليارات الدولارات في السكك والموانئ ومحطات الطاقة والبنية التحتية في مبادرة "الطريق الحرير والحزام البحري" وهو المشروع الاكبر عالميا، في وقت لا تزداد فيه قوة الصين وتمددها العسكري، اضافة الى ان بينغ يستند لداخل يتجه لمزيد من النمو، وهي جملة عوامل لم تتوفر حتى للزعيم الاشهر ماو تسي تونغ.
ومع هذه المكانة وغياب التحيز لإسرائيل وتاريخ يخلو من ماض استعماري في منطقتنا، فإن الصين برؤيتها للحل السلمي بنقاطه الاربع، تعتبر وسيطا مقبولا برؤيتها كما وصفها ابو مازن بأنها "اساس جيد للحل".
اول دولة اجنبية تعترف بمنظمة التحرير ومن آخر من اعترف باسرائيل
كانت النظرة الصينية لنشوء الكيان الصهيوني، تختصر بمقولة ماو سي تونغ ان "اسرائيل هي اليد الطولى للامبريالية في المنطقة وقاعدتها العسكرية لاستعباد الشعوب الفقيرة"، وحصل اول تواصل صيني مع القضية الفلسطينية خلال انعقاد مؤتمر باندونج في عام 1955، حيث التقى رئيس الوزراء الصيني آنذاك شو ان لاي، بالراحل احمد الشقيري وبالزعيم العربي جمال عبد الناصر.
وبدأت المساعدات الصينية المباشرة للاجئين الفلسطينيين في سوريا عام 1960، والموقف الصيني الرسمي في القاهرة عام 1964 عندما اعلنت دعمها ومن دون تحفظ للشعب الفلسطيني في استعادة كامل حقوقه، ومع بدء العمل المسلح كان دعمها حاضرا للفدائيين بالسلاح والتدريب سواءً بمعسكرات الدول العربية اوفي كلياتها العسكرية، فمثلا الشهيد ابو جهاد خريج الكليات العسكرية الصينية.
وشكل العام 1965 اقامة اول علاقات رسمية، بعد ان كانت الصين اول دولة اجنبية تعترف بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني (سابقة بذلك دول عربية)، علاقات وصلت لحد شجب الصين كل قرارات الامم المتحدة في بيان مشترك مع القيادة الفلسطينية في اذار عام 1965 باعتبار الامم المتحدة اداة في يد الامبريالية العالمية، حتى انها انتقدت لاحقا قرار 242 باعتباره نتاج صفقة اميركية_سوفيتية على حساب حقوق الفلسطينية، معتبرة ان فلسطين هي من نهرها لبحرها.
عرضت اسلحة نووية لانهاء اسرائيل من الوجود
رغم الجفاء العربي تجاه الصين متمثلا بتأخر اعتراف بعض العرب بها حتى اواخر السبعينيات (الفترة التي بدأ فيها التقارب الاميركي_الصيني)، ورغم ان البعض اعترف بالصين حتى مطلع التسعينيات (فترة اعتراف الصين باسرائيل)، الا ان الصين ظلت تعتبر نفسها حليفا غير مشروط لفلسطين، حلف وصل الى عرضها على مصر وسوريا اسلحة نووية لاستعادة الاراضي المحتلة (بحسب هاشم بهبهاني، سياسة الصين الخارجية في العالم العربي 1955-1975) كما نقلها محمد الهليس في كتابه العلاقات الصينية الفلسطينية.
وكانت الصين تنظر الى قمع الفلسطينيين ومهاجمة قواعدهم الفدائية في المحيط العربي، على انه مخططات للرجعية، خدمة للإمبريالية للقضاء على الثورة.
ومع تحسن العلاقات الاميركية-الصينية اواخر عام 1979 (نتيجة الصراع الصيني-السوفيتي) وما سبقه من انفتاح عربي على اسرائيل واميركا (كامب ديفيد) تبنت الصين الموقف العربي للحل، واعلنت مساندتها مشروع السلام الذي اعتمده مؤتمر القمة العربية في مدينة فاس عام 1982، ومعها بدأت نظرة الصين لإسرائيل بالتغير وصولا لإقامة علاقات دبلوماسية كاملة آواخر عام 1992 عقب عقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
وخلال تلك الفترة لم ينقطع الدعم الصيني، حيث زار ابو جهاد 1980 بكين لبحث الموقف من كامب ديفيد، وسبل استمرار دعم القضية، والموقف تجاه عدوان الاحتلال على لبنان عام 1982، وموقفها من انهاء حصار طرابلس عام 1983، ليتبعه الموقف المؤيد لانتفاضة عام 1987 والشاجب للعنف تجاه الفلسطينيين، والاعتراف بدولة فلسطين عام 1988 ورفعها مستوى التمثيل الى مرتبة سفارة كاملة 1989 تتمتع بكافة الحصانات والامتيازات الممنوحة لأية سفارة دولة اخرى.
وعقب اتفاق اوسلو اعلنت الصين تأييدها له تحقيقا للسلام، واستمرت في ادانة انتهاكات الاحتلال وتقديم المساعدات، وطرحت رؤيتها للحل القائم على تنفيذ ما وقع عليه وتجنب ما يضر بالسلام (في اشارة واضحة لانتهاكات الاحتلال) واستمرار المفاوضات على اساس قرارات الشرعية الدولية، مواقف جعلت منها طرف يجب استبعاده من قبل اميركا واسرائيل في الرباعية الدولية، الا ان الصين ارسلت مبعوثها الخاص للمنطقة، ومسؤولين كبار لطرح افكار تعالج الجمود كمبادرتها عام 2004، ليعقبها طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ اثناء زيارة الرئيس محمود عباس للصين في مايو 2013 رؤية للحل من 4 نقاط، وهي مبادرة اثنت عليها القيادة الفلسطينية، وتنكر لها الاحتلال لما فيها من انصاف للثوابت الفلسطينية، ومواقف اخرى انعكست ايضا في التصويت لصالح كافة المشاريع الفلسطينية في المحافل الدولية، ودعمها حل قضية اللاجئين، ورفضها للاستيطان.
اسرائيل حاضرة في الصين
ومع ان اسرائيل اعترفت بالصين عام 1950 في وقت لم تكن فيه أي دولة عربية تعترف بها بعد نجاح الثورة الشيوعية، الا ان سور الصين العظيم بقي عصيا على الاحتلال حتى عام 1992، ولكن ما بين ايدلوجية الصين في القرن العشرين، و"براغماتيتها" في القرن الـ21، استطاع فيروس الصهيونية ان يتغلغل من بوابة المصالح في بلاد "الين واليانغ".
وفي رحلة نظمتها الخارجية الصينية لعشرة صحافيين من الاعلام الرسمي الفلسطيني آواخر شهر نوفمبر الماضي، اتيحت فرصة التعرف على الصين اكثر وملامسة ما يعرفه الصينيون عن فلسطين وقضيتها بعيدا عن الموقف الصيني الرسمي الداعم، وبدأ يتضح لنا اكثر فاكثر قلة معرفة الصيني العادي حتى باسم فلسطين، فكانوا بغالبيتهم يهزون رؤوسهم قائلين "اه باكستان"، وفي احدى محاولتنا لتقريب الواقع الجغرافي لشاب صيني "غا شو ري" يعمل مضيفا للطيران على متن الخطوط الجوية الصينية، ذكرنا اغلب الدول العربية فكان جوابه "لا اعرف"، وعندما حاولنا ان نكتشف اكثر مدى معرفته بكيان العدو هز رأسه في اشارة على المعرفة عندما ذكرنا اسم اسرائيل.
في بكين جونان وفلسطينيان
ذكر الله الاغواني (33 عاما) فلسطيني من مخيم اليرموك يرأس اتحاد الطلبة الفلسطينيين في الصين، يعمل محررا للأخبار في التلفزيون الصيني CCTV، مقيم في الصين منذ العام 2003 بعد ان اختبر من لطف البلاد واهلها ما دفعه للارتباط بفتاة صينية رزق منها بطفلة.
يوضح الاغواني من خلال نشاطه الثقافي والاجتماعي هناك، ان التعامل الصيني مع القضية الفلسطينية يتم على صعيدين: الاول رسمي كان ولا يزال مؤيدا للحقوق الفلسطينية على اساس الشرعية الدولية، اما الثاني: شعبي يعكس مدى التأثر بالدعاية الصهيونية في الصين.
ويقول الاغواني: الصينيون متأثرين بالبروباغندا الصهيونية نتيجة الهجمة الثقافية الاسرائيلية على الصين، ونحن مقصرين كفلسطينيين، فنحن نخسر تعاطفهم معنا، فالبنظر الى الجهد الاسرائيلي هنا على مختلف الاصعدة فإن ما نقوم به لا يرقى الى الحد الادنى المطلوب، الشعب الصيني يحب التاريخ والثقافة، وهو ما يعزف الإسرائيليون على اوتاره.
ويتحدث رجل الاعمال الفلسطيني عبد الكريم الجعدي (59 عاما) الذي بدأ مشواره الطويل في الصين منذ العام 1979 كطالب جامعي، عن الوضع المأساوي الذي عاناه الصينيون آواخر السبعينيات من قلة الطعام والتدفئة والفقر، الا ان ما وجده الجعدي من الصينين آنذاك من دفء المشاعر نحو فلسطين وشعبها كان سببا في استقراره هناك رغم كل الظروف.
ويقول الجعدي "رغم ان فرصة اتيحت لي السفر الى جامعة جورج تاون في اميركا، وفرصة الى المانيا الا ان الكرم الصيني رغم معاناتهم، وحرصهم الكبير على تعليم الفلسطينيين، هو ما دفعني للمكوث بينهم حتى الان، الا ان الواقع اليوم يشير الى ان الظروف الان تغيرت عما كانت عليه سابقا".
وخلال رحلتنا التقينا في بكين بصينيين يحملين اسما حركياً (جون) ليسهل على العرب نطق اسماء العجم من الصينيين، اما جون الاصغر سنا والذي استقبلنا بابتسامة في المطار منذ اللحظة الاولى، فقد اظهر تعاطفا ونهما معرفيا تجاه فلسطين، فميوله "الماوي" جلي في عبارات التعاطف.
اما جون الاكبر فحتى اليوم احتار عشرتنا (عدد الوفد الاعلامي الى الصين) اكانت ملامح وجهه دائم العبوس والجدية، نتيجة الوجه الرجولي الصيني التقليدي، ام لأنه كان اكثر قربا لإسرائيل التي زارها واقام فيها ردحا من الزمن، وابهره ما شاهد فيها من تعاون بينها وبين بلاده خاصة في المجال التكنولوجي.
اسرائيل تجازف بعلاقتها باميركا لادراكها اهمية الصين
رغم الموقف الاميركي المنحاز والمنصاع لإسرائيل، ورغم انها صنيعة الامبريالية وامتدادها، الا ان اسرائيل وادراكا منها للصين واهميتها، فقد بدأت علاقاتها العسكرية بالصين باكرا جدا ومنذ آواخر السبعينيات، وفي العام 1980 ابرمت صفقة عسكرية بينهما قدّرت بحوالي مليار دولار، حصلت الصين خلالها على 54 طائرة مقاتلة والمئات من دبابات الميركافا، ومدافع وعربات مدرعة وصواريخ مضادة للسفن، ما سبب توترا بين اسرائيل والولايات المتحدة، حيث اعتبرتها الاخيرة خرقا للتفاهمات بينهما في عدم تصدير تكنولوجيا عسكرية للدول المعادية للولايات المتحدة.
واستطاعت اسرائيل ان تستفيد بتوظيف قدراتها وخبراتها الامنية والعلمية خاصة "هايتك" الصناعات العسكرية الدقيقة التي كانت محظورة على الصين من الغرب، ما اتاح لها ان تفتح الابواب المغلقة للعلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الصين.
ولم يكن الاحتجاج الصيني قبل فترة وجيزة، على ما وصفته بـ"تدخل واشنطن في علاقتها مع إسرائيل"، معتبرة ان "تطوير تعاون عسكري تجاري عادي بين الصين واسرائيل هو قضية بين بلدين لا يحق لدول اخرى التدخل فيها"، وفي منتصف التسعينيات توترت العلاقات "الأميركية_الإسرائيلية" جراء تورط الاخيرة في تسريب معلومات عسكرية اميركية حساسة للصين (العدو الاقتصادي والاستراتيجي لأميركا) ما دفع بعض الاميركيين لاقتراح معاقبة اسرائيل على هذه "الخيانة"، غير ان نفوذ اسرائيل كان اقوى.
وبعد عدة لقاءات رسمية وشبه رسمية في الثمانينيات، اعقبها اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل آواخر 1991، تسارعت خطوات التقارب فقد كانت الصين تعتبر إسرائيل مجالا للابتكار والإنجازات العلمية التي هي بحاجتها لتطوير تقنياتها في مجالات التكنولوجيا والزراعة والغذاء والمياه والتكنولوجيا الطبية والاتصالات والتكنولوجيا الحيوية، وهي خبرات اشتهرت اسرائيل بها وما كانت الصين لتحصل عليها من امريكا والغرب.
تعاون وتبادل اقتصادي بالمليارات
"اسرائيل هي اكثر من تعرف قيمة الصين الاقتصادية، وتعرف كيف تكون اعلى قيمة من بترول العرب" (كلام نتنياهو خلال زيارته للصين)، ويصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 11 مليار دولار، فيما تبلغ استثمارات الصين في إسرائيل نحو ستة مليارات دولار، الى جانب وجود6 آلاف عامل بناء صيني في اسرائيل (اشترطت الصين عد عملهم في المستوطنات كموقف اخلاقي) الا انه ومن المتوقع استقدام 20 الف آخرين.
ومع ان حجم التبادل التجاري بين العالم العربي والصين تخطى الـ250 مليار دولار، الا ان نوعية العلاقات التجارية بين الكيان الصهيوني والصين تستند الى ما هو اهم واكثر حيوية بالنسبة للصين، حيث يعد التبادل التكنولوجي المنصة الاستراتيجية للتعاون بينهما من خلال لجنة الابتكارات الصينية-الإسرائيلية المشتركة، كما أن التقنية الإسرائيلية تستخدم بكثافة في مجالات كثيرة في ثاني اقتصاد في العالم، وفي آذار 2017 أعلنت الصين وإسرائيل إنشاء شراكة شاملة في التحديث، سترفع التعاون المستقبلي بينهما إلى مستوى مرتفع جدا.
ومع تفوق حجم التجارة بين اسرائيل وآسيا بمعدل ثلاث مرات عن معدله مع اميركا وأوروبا، فقد أعاد نتنياهو إحياء فكرة خط سكة الحديد بين البحر الأحمر والمتوسط، وفي أيار (مايو) 2012، - في إطار مبادرة الحزام والطريق- وتطوعت اسرائيل بالنظر لتقدمها في مجال تكنولوجيا المعلومات بإنشاء أكبر شبكة إنترنت رئيسية عابرة للقارات ولحدود الدول المشاركة في المبادرة مما سيرفع من حجم ومستوى الاتصالات العالمية ومستوى التبادل المعلوماتي.
ويمثل خط السكة مشروع البنية التحتية الأكبر في تاريخ العلاقات الإسرائيلية_الصينية، فبالنسبة للصين فهو يمثل طريقاً مكملاً لسلعها المتجهة إلى أوروبا، ولأن خط البحر الأحمر- المتوسط سينوع طرق تجارة الصين، وإذا ما تم تمديد خط السكة الحديدية إلى العقبة التي تتوافر على ميناء أكبر، فإن كمية البضاعة التي ستنقل بواسطة الخط الحديدي من البحر الأحمر إلى المتوسط قد تزيد بشكل دراماتيكي، فيما النظرة الاسرائيلية للأمر غلى انها ضربة اقتصادية لمصر وقناة السويس.
ثعلب في بلاد الباندا
وحرصا منها على نسج علاقات فضلى مع الصين، ارسل الاحتلال احد ابرز عسكرييه وسياسييه وعقوله الاكاديمية، ليكون سفيره لدى الصين وهو "ماتان فيلناي" الذي تقلد عدة وزارات (منها للعلوم والتكنولوجيا والثقافة)، اضافة لكونه جنرال "محترف" تولى عدة مناصب منها نائب وزير جيش الاحتلال (هدد قطاع غزة بمحرقة وابادة عام 2008)، وعقلية اكاديمية من انجازاته عمله كباحث في جامعة هارفارد الاميركية الشهيرة، سيرة حافلة دفعت بالباحثة المصرية نادية حلمي الى افراد بحث كامل عن معنى تعيينه سفيرا للكيان الصهيوني في الصين.
ويعرف عنه حرصه الدائم على الزيارات الدورية للجامعات الصينية بمختلف المقاطعات حتى ان سفارته تبادر من نفسها لإرسال دعوات والإلحاح بها، لتنظم لها الجامعات الصينية لقاءات، اضافة لحرصه على نسج علاقات بين المجتمع الصهيوني والشعب الصيني في رهان استراتيجي على اقامة علاقات صداقة بين المجتمعين، فقد أوثر عنه قوله عام 2012: "هدفي الشخصي هو 100 الف سائح صيني إلى إسرائيل، وتأشيرات صينية للاسرائيليين مدتها 10 سنوات وهو ما تحقق.
هل يصبح الشعب الصيني صديقا للكيان
يعرف عن الصينيين حبهم للبعد الثقافي والحضاري، الى جانب سعيهم للتطور، وهو شغف احسن العدو الاسرائيلي استغلاله، فلم يكتفي بإدخال تخصص اللغة الصينية الى جامعاته بل وادخلت حكومته تعليم اللغة الصينية في المناهج في عدد من المدارس، اضافة الى تقديم منح للطلاب الصينيين للدراسة في الجامعات العبرية، واغراقهم بالمعاملة الحسنة والتضليل المعلوماتي ليكونوا موالين محتملين لإسرائيل في الصين.
ومع رصد اكثر من 20 مليون شيقل لاستقطاب السيّاح الصينيين الذين ناهز عددهم الـ100 الف سائح، تستغل إسرائيل وجودهم للترويج لروايتها لمواصلة احتلالها، اذ تعتبر القدس مدينة يجب على الصيني زيارتها حيث يوزّعُ الأدلاء السياحيون على الصينيين خرائط فلسطين التاريخية باللغة الصينية مترجمة عن مصطلحات عبرية، وتشير ارقام اسرائيلية الى ان ما معدّله 80 ألف سائح صينيّ، يحبذون زيارة القدس لقضاء الإجازة.
وتفيد تقارير اعلامية، الى ان غالبية الصينين الذين يصلون إسرائيل لم يسمعوا بدعوات حركة المقاطعة التي تطلقهاBDS، ويتجولون بالقدس وهم يستمعون لمرشدين يقدّمون الرواية الصهيونية عن المدينة، ومع تنامي أعدادهم أدخلت الفنادق تعديلات تتماشى مع متطلباتهم، من تعلّم اللغة والثقافة الصينية، في وقت ينفق فيه السائح الصيني قرابة ضعف ما ينفقه الاوروبي السائح.
وتنظم السفارة الاسرائيلية في بكين رحلات للإعلاميين الصينيين لزيارة المستوطنات واقناعهم بانها تطبق النظام الاشتراكي، وزيارة القدس على انها عاصمة اسرائيل وارض الديانات مع حرص كامل على اظهار كم ضيافة وادعاء المحبة والتعايش وبذلك خلقت نفوذا ولو بشكل نسبي لصالحها، اضافة الى افتتاح صحيفة اسرائيلية (اسرائيلي داي) باللغة الصينية في مدينة شينيانغ.
اضافة الى انشاء مواقع على الانترنت لمخاطبة الصينيين بلغتهم مثل موقع السفارة الاسرائيلية هناك (التي يزيد تعداد موظفيها هناك الالف بمئات، فيما السفارة الفلسطينية لا تتجاوز اصابع الكفين)، وموقع يهود الصين، وتنظيم الجاليات اليهودية في الصين للقاءات دورية مع الطلبة ورجال الاعمال الصينيين، جهودا اتت اؤكلها بالنسبة للصهاينة حيث اظهر استطلاع للجالية ليهودية في الصين عام 2009 على 10000 صيني استطلعت آرائهم، ان 40% منهم اقرب الى الموقف الاسرائيلي، وان نسبة من لا يعلمون شيئا عن اسرائيل في عام 2000 انخفضت من 60% الى 23% عام 2009.
وفي الصين ايضا، تجد ان عشرات الجامعات الصينية تدرس اللغة العبرية في اروقتها، بل وان بحث لنادية حلمي اشار الى ان جامعة الصين لاقتصاديات الأعمال الدولية (UIBE) تقدم لطلابها الصينيين فرصة لدراسة تطوير الاقتصاد الإسرائيلي، وذلك في التكنولوجيا الفائقة والأعمال والثقافة، والجوانب السياسية لاقتصادها وتجارتها، وكذلك التعرف على الشخصيات الاسرائيلية الرئيسية في المجالات الاقتصادية والتاريخ الإسرائيلي.
وفي عام 2002 اسست 6 مراكز للدراسات الاسرائيلية في الجامعات الصينية وفقا لبرنامج القيادة العالمية للتعاون الاكاديمي الصيني-الاسرائيلي (سنغال)، وعدد من مراكز دراسات الشرق الاوسط اخطرها في جامعة شمال الغرب الصيني المدعوم من اسرائيل، اضافة لتجهيز المركز الثقافي الصيني في "تل ابيب" بمساحة 1015 متر، حيث ان للصين مراكز ثقافية مماثلة في 20 دولة فقط على مستوى العالم، وهو مؤشر على مدى الأهمية التي توليها بكين لتطوير علاقاتها بالكيان.
القدس
وعقب الانحياز الاميركي التام والذي كان آخره قرار ترامب بنقل السفارة الى القدس المحتلة والاعتراف بها كعاصمة للاحتلال، كان الموقف الصيني الواضح على لسان خارجيتها: "نؤيد بقوة عملية سلام على اساس قرارات الأمم المتحدة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، وجددت دعوتها للإقامة مؤتمر سلام بين نهاية العام الحالي، لإحلال السلام في المنطقة، كوسيط نزيه ومحايد.
الا ان موقفا كالذي حدث خلال الدورة الرابعة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في مدينة تيانجين عام 2010، حيث نشب خلاف بعد رفض مسؤولين صينيين التوقيع على وثيقة مشتركة تعتبر القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، يعكس حجم الاختراق الصهيوني هناك، رغم عودة المبعوث الرسمي للصين لعملية السلام في الشرق الاوسط آنذاك "وو سي" وتأكيده على ان الصين تؤيد عودة كافة الاراضي المحتلة لأصحابها بما فيها القدس.
وفي أحد تقارير القناة الإسرائيليّة الثانية، يقول المراسل الاسرائيلي: "إنّ بالإمكان العثور على سائح صينيّ خلف كل حجر في القدس، يلتقط صورة سيلفي"، وفي التقرير ذاته يسأل المراسل أحد السيّاح: ماذا كنت تعرف عن إسرائيل قبل مجيئك إلى هُنا؟ يرُدّ الصينيّ بأنّه كان يعرف "القليل عن الإسرائيليين الذين واجهوا الكثير من المعاناة"، ثم يظهر في الخلفيّة الدليل السياحيّ وهو يشرح لهم عن ما يصفه بـ "تحرير حائط المبكى عام 1967" في إشارة لاحتلال حائط البراق الواقع عند الحائط الغربيّ لسور المسجد الأقصى المبارك.
__