"مقعد" يقهر جيشا
زكريا المدهون
في عام 2008 نجا إبراهيم أبو ثريا من الموت بأعجوبة، لكن بترت ساقاه واستشهد جميع أصدقائه، عندما قصفت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة.
أبو ثريا (29 عاما) من مخيم الشاطئ للاجئين غرب مدينة غزة، لم تشفع له اعاقته، فارتقى يوم أمس، شهيدا برصاص قوات الاحتلال تاركا خلفه كرسيه المتحرك شاهدا على جريمة يندى لها جبين الإنسانية.
"الثائر المقعد"، كما يحلو لرفاق دربه تسميته بعد أن أضحى وجها مألوفا على خطوط المواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي.
وسجلت عدسات الكاميرا آخر كلمات الشهيد أبو ثريا التي قال قبيل رحيله: "هذه الأرض أرضنا ومش راح نستسلم"، "جئنا نوصل رسالة للجيش الإسرائيلي بأن الشعب الفلسطيني شعب الجبارين وعلى القدس رايحين شهداء بالملايين".
وطالب أبو ثريا قبيل استشهاده أميركا بسحب قرارها المشين، الاعتراف في القدس المحتلة عاصمة لدولة الاحتلال.
بنصف جسده كان يزحف أبو ثريا صاحب اللحية السوداء على يديه مقتربا من الأسلاك الشائكة التي يتمركز خلفها جنود وآليات الاحتلال شرق مدينة غزة.
وعندما يصل لنقطة الصفر يتوقف ملوحا بعلم فلسطين وباليد الأخرى بشارة النصر.
لم يكترث أبو ثريا لقنابل الغاز المسيل للدموع التي تنهمر بكثافة على الشبان، ولا بطلقات الرصاص التي تقتنص المحتجين على قرار الرئيس ترمب المشين.
ويقول أحد الشبان خلال مشاركته في جنازة "الشهيد": "كان إبراهيم كل يوم يأتي إلى المواجهات ويحفز الشبان، كنا ندفعه على كرسيه المتحرك، لا يخاف من إطلاق الرصاص ويقترب من الجيش كثيرا، الكل يعرفه حتى جنود الاحتلال".
تسلق إبراهيم يوم أمس عامودا كهربائيا حديديا لعدة مترات، وثبت علم فلسطين متحديا جنود الاحتلال، وبث الحماسة في نفوس الأصحاء حسب الشبان المنتفضين.
بعد بتر قدميه عاش إبراهيم ظروفا حياتيه صعبة للغاية، فهو المعيل الوحيد لأسرته الممتدة والتي تقطن في بيت بسيط بالإيجار.
"لم يستسلم إبراهيم فواصل حياته وعمل في غسيل السيارات لإعالة أسرته المكونة من أحد عشر فردا"، كما أوضح أكرم أبو ثريا ابن عم الشهيد.
وأضاف، "إبراهيم يتلقى راتب جريح وهو لا يكفيه إيجار بيت وباقي مصاريف الحياة، لا سيما أن له اخوة طلبة مدارس وجامعات".
وتابع أبو ثريا لـ"وفا"، "إبراهيم حاول ايصال رسالة للجميع أن الإعاقة لن تمنعه من مواصلة حياته بشكل طبيعي"، لافتا إلى أنه كان يشارك في جميع جنائز الشهداء وفي إحياء جميع المناسبات الوطنية.
وأشار إلى أن الشهيد خرج إلى ساحات المواجهة منذ إعلان ترمب الاعتراف في القدس عاصمة لإسرائيل، محملا قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن قتل "قعيد" لأنهم يعرفونه جيدا ولم شكل خطرا عليهم.
بدوره، أكد المركز الفلسطيني لحقوق الانسان، "أن المقعد أبو ثريا، أصيب بشكل مباشر في رأسه أثناء تواجده على بعد حوالي 30 مترا من الشريط الحدودي، في مكان مرئي تماما لجنود الاحتلال، ولم يكن يشكل أي خطر على الجنود، كما أن إصابته في جبينه تشير إلى أنه جرى قنصه بشكل مقصود، ودون وجود أي خطر على حياتهم في ظل التظاهرة التي تقوم على الهتافات والرشق بالحجارة وإشعال الإطارات، ما يؤكد أن الاحتلال استخدم قوة نارية مميتة وغير متناسبة ضد المدنيين العزل".
وخرج الآلاف من المواطنين لتشييع الشهيد أبو ثريا في موكب جنائزي مهيب طاف شوارع مخيم الشاطئ، بمشاركة جميع فصائل العمل الوطني والإسلامي.