تقرير حول مواجهة الإعلان الاميركي بشأن القدس
النضال المستدام
ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية على إعلان الرئيس الأميركي ترامب حول القدس بتاريخ 06/12/2017 كانت جميعها واضحة، صحيحة وقوية. عكست المواقف في هذا المجال اجماعاً دولياً على رفض الإعلان الأميركي، والتأكيد على الإطار القانوني الدولي والسياسي الذي يحكم موقف دول العالم بشأن القدس، وعلى إعتبار القدس عاصمة للدولتين، ومن الواضح أن فلسطين، رسمياً وشعبياً، قادت التحرك نحو تحقيق هذا الإجماع الدولي.
الآن وبعد هذا النجاح الذي خفف من حدة أضرار الإعلان وعزل الموقف الأميركي، لا بد من الإنتقال من مرحلة تحديد المواقف، على أهميتها بإعتبارها أساس أي خطوات لاحقة، إلى مرحلة تحويل هذه المواقف فعلاً إلى إجراءات عملية وخطوات محددة، أي تحويلها إلى حقائق كفيلة بالحاق الهزيمة بالموقف الأميركي- الإسرائيلي وفرض الموقف الدولي عليهما، بإعتبار ذلك مدخل إلى الحل السياسي وإنجاز الاستقلال الوطني في دولة فلسطين على حدود العام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. من الهام جداً خلال هذه العملية أن نحافظ على طول النفس والنضال المستدام.
قبل التقدم باقتراحات محددة بهدف تحقيق ذلك، من المفيد مراجعة الموقف الفلسطيني، الذي تم التعبير عنه حتى الآن من قبل الكثير من المستويات والجهات، ولكن الأهم من قبل الرئيس بما في ذلك في خطابه أمام القمة الاسلامية، ويشمل هذا الموقف ما يلي:
الإعلان عن عدم أهلية الولايات المتحدة الأميركية للإستمرار في القيام بدور الوسيط بين جانبيّ الصراع، وإنهاء دورها كراعي للعملية السياسية، وتحولها واقعياً إلى طرف في الصراع.
التحرك مع الجهات الدولية، وبشكل خاص مع مجلس الأمن الدولي، وطرح مشروع قرار هناك يرفض الموقف الاميركي ويؤكد ضرورة الإلتزام بأحكام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، مع العمل على منع الولايات المتحدة المشاركة في التصويت بإعتبارها طرفاً في الأزمة.
العمل على تعزيز المركز القانوني لدولة فلسطين من خلال مطالبة الدول التي لم تعترف بها القيام بذلك، ومن خلال الإنضمام للإتفاقيات والمعاهدات الدولية وكذلك المنظمات الدولية.
الترحيب بالتحرك الشعبي الفلسطيني، والتحرك الشعبي في الدول الشقيقة والصديقة وتشجيع هذا التحرك.
أما على المستوى العربي والإسلامي فإنه وفيما يتعلق بالنقطة الأولى، فقد قال بيان وزراء الخارجية العرب أن الولايات المتحدة الأميركية "عزلت نفسها كراع ووسيط في عملية السلام"، وقال بيان القمة الإسلامية حول نفس النقطة أن القرار "بمثابة إعلان انسحاب الإدارة الأميركية من ممارسة دورها كوسيط في رعاية عملية السلام وتحقيقه بين الأطراف".
وفيما يتعلق بالنقطة الثانية فقد دعا وزراء الخارجية العرب في بيانهم إلى "العمل على إستصدار قرار من مجلس الأمن يؤكد أن قرار الولايات المتحدة الأميركية الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل يتناقض مع قرارات الشرعية الدولية"، بينما قالت القمة الإسلامية في بيانها أنها "تدعو مجلس الأمن الدولي لتحمل مسؤوليته فوراً وإعادة التأكيد على الواقع القانوني لمدينة القدس".
يتضح من ذلك أن هناك اتفاق على هذه المواقف وعلى غيرها الأمر الذي يتيح تحولها الى خطوات عملية،
ومن الهام هنا تأكيد أهمية مواقف الجهات الأخرى حول موضوع الإعلان الأمريكي بشأن القدس مثل المواقف التي أعلن عنها أعضاء مجلس الأمن الدولي في اجتماعهم الطارئ يوم 8/12/2017 ومثل مواقف الاتحاد الأوروبي ومواقف دوله ومثل روسيا الاتحادية والصين والفاتيكان، وكذلك أهمية الاستمرار في العمل من أجل اعتماد مواقف بنفس القوة والوضوح من كافة التجمعات الإقليمية والدولية، ومن الاتحادات البرلمانية، وكذلك من هيئات الأمم المتحدة الأخرى، ومن التجمعات النقابية والأحزاب والقوى ومنظمات المجتمع المدني في العالم.
مقترحات لخطوات عملية في مجال مواجهة الإعلان الأمريكي:
1- توقف الجانب الفلسطيني والعربي فعلياً عن أي حوار مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن مبادرة أو صفقة أو أفكار لدى الولايات المتحدة حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، التزاماً بالموقف الذي يقول أن الولايات المتحدة فقدت أهليتها في هذا المجال، وإفهام الولايات المتحدة أنه لم يعد بمقدورها عمل ذلك. والإنتقال للحوار مع أطراف أخرى لإيجاد آلية دولية بديلة للإحتكار الأميركي السابق، ويمكن هنا الإتفاق على الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن كالية، أو ربما تغيير الرباعية الحالية بحيث يضاف اليها الصين وربما آخرين أو صيغة المؤتمر الدولي كما اقترحته فرنسا.
2- الإسراع في تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن حول الخطوة الأميركية، يرفضها ويدعو للتقيد بأحكام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ويجب الإعلان هنا عن وجود نزاع بين الولايات المتحدة الأميركية وفلسطين حول هذا الموضوع، وربما وجود نزاع بين الولايات المتحدة والدول العربية، وهو ما سيمكن من تطبيق المادة 27 الفقرة 3 من ميثاق الأمم المتحدة الذي يمنع الولايات المتحدة من المشاركة في التصويت في هذه الحالة، ويجب أيضاً التحضير بشكل عاجل لإمكانية الذهاب للدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة (الاتحاد من أجل السلام) حول نفس الموضوع. لقد تأخرت هذه الخطوة نسبياً ومن الهام الإسراع باتخاذها ومراعاة ضرورة الالتزام بالصيغة المقترحة أعلاه.
3- القيام بخطوات محددة في مجال تعزيز المركز القانوني لدولة فلسطين، بما في ذلك التقدم بطلب إنضمام دولة فلسطين لعضوية المنظمات الدولية في منظومة الأمم المتحدة (وهو أمر مختلف عن انضمام فلسطين للمعاهدات والاتفاقيات)، بالإضافة إلى تكرار طلب إنضمام دولة فلسطين لعضوية الأمم المتحدة، وفي حال الحصول على الأغلبية اللازمة في مجلس الأمن وممارسة الولايات المتحدة للفيتو، يتم الذهاب إلى الدورة الإستثنائية الطارئة العاشرة للجمعة العامة (الاتحاد من أجل السلام) للحصول على حقوق الدول الاعضاء في الجمعية العامة (دون الحصول على عضوية الأمم المتحدة) وهو عكس ما جرى مع جنوب أفريقيا العنصرية عندما طردت من الجمعية العامة فيما بقيت عضواً في الأمم المتحدة (الطرد مثل القبول يحتاج لقرار من مجلس الأمن).
4- العمل على قيام بعض الدول الأوروبية بالإلتحاق بالسويد واتخاذ قرار الاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967 (وهو ما يعني أن اعترافها باسرائيل أصبح على نفس الأساس) وهي خطوة ستخلق بالنسبة لهذه الدول حقائق سياسية يصعب التراجع عنها، وستشكل ضغطاً اضافياً على إسرائيل لقبول هذا الأساس.
5- اتخاذ خطوات عملية لتفعيل الفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية، ومطالبة الدول بعمل نفس الشيء. وكذلك إتخاذ الخطوات اللازمة لدفع المحكمة الجنائية الدولية لإتخاذ خطوات ضد مرتكبي جرائم الحرب الإسرائيليين بحق الشعب الفلسطيني.
6- الطلب من الدول تأكيد الموقف العملي بعدم الإقرار أو الإعتراف بأي تغيير تحاول إسرائيل إحداثه في الأرض المحتلة، بما في ذلك القدس، وبأي تغيير على خطوط العام 1967 (خط الهدنة للعام 1949) والتمييز في أي دعم قد تقدمه لاسرائيل بينها وبين الأرض المحتلة والمستعمرات، علماً أن ذلك كله قد تم من قبل مجلس الأمن.
7- في مجال مكافحة الإستعمار الاستيطاني بما في ذلك المستعمرات في القدس الشرقية، إصدار قانون فلسطيني يحرم العمل في المستعمرات، ويحرم التعامل مع منتجات المستعمرات، كما يحرم التعامل مع المستعمرين بأي شكل من الاشكال وعلى أي مستوى من المستويات. سيستند القانون إلى التزام فلسطين بأحكام اتفاقيات جنيف للعام 1949ـم، التي تحرم نقل سكان قوة الإحتلال إلى الأرض المحتلة وتُلزم جميع أطراف الاتفاقيات الأربعة باحترامها، وضمان احترامها. يجب أن يواكب ذلك بالطبع حملة توعية بالخطر الوجودي الذي يمثله الإستعمار الإستيطاني الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني ودولته، وكذلك بعض الخطوات الممكنة لإيجاد بعض البدائل الإقتصادية.
8- الطلب من الدول إتخاذ خطوات ضد المستعمرات، بما في ذلك المستعمرات في القدس الشرقية، وضد المستعمرين، وضد الشركات والهيئات العاملة في المستعمرات ومعها، وبطبيعة الحال ضد منتجات المستعمرات. ويبدأ هذا بوسم منتجات المستعمرات، وهو ما قامت به أوروبا فعلاً، ولكنه يمر الى منع منتجات المستعمرات، ومعاقبة الشركات والهيئات العاملة فيها ومعها، وينتهي بإتخاذ إجراءات ضد المستعمرين بما في ذلك منعهم من الحصول على تأشيرات دخول، وهو إجراء تستطيع الدول العربية التي تقيم علاقات مع إسرائيل (مصر والأردن) القيام به في إطار التزامها بأحكام القانون الدولي الإنساني. في مجال ما سبق يمكن أن تلعب القائمة التي يعدها المفوض السامي لحقوق الانسان عن الشركات التي تنتهك القانون بعملها في المستعمرات دوراً هاماً في هذا المجال.
9- تقديم الدعم الإضافي اللازم في المجالات المختلفة لأهل القدس ومؤسساتها سواء من قبل السلطة أو من قبل الدول العربية والصديقة، بما يساعدهم على الصمود ومقاومة السياسات والإجراءات الإسرائيلية ضدهم والهادفة إلى طردهم والتخلص منهم. ويشمل هذا الدعم في مجال الإسكان للبقاء في منازلهم وتعميرها وتطويرها، ودعم المدارس العربية للتمسك بالمنهج الحالي وخدمة الطالب كما يجب، وكما يشمل دعم المؤسسات الصحية هناك وكافة المؤسسات الاخرى على كافة أنواعها. كما يجب دعم القيادات السياسية المقدسية الشابة والعمل على تعزيز دورها في مجال العلاقة مع العالم الخارجي لتعويض دور ما كان يقوم به بيت الشرق. ومن المناسب أيضاً هنا اصدار قانون يمنع بيع أي عقار في القدس، واعتباره لاغياً وباطلاً، وهو أمر سيكون له تأثيره باعتبار تاثيرته الفعلية مستقبلاً.
10- الانتصار للتحرك الشعبي الفلسطيني والتعبيرات الغاضبة المختلفة ضد الموقف الأميركي والسياسات الإسرائيلية، والعمل على إعتماد التكتيكات الصحيحة، التي تضمن إستدامة التحرك ، كما تضمن طابعه الجماهيري الواسع بما في ذلك حماية الأقصى ضد المقتحمين الاسرائيليين، وهو ما يعني في الحقيقة إستحداث تغيير في نمط الحياة الفلسطينية في الأرض المحتلة. في نفس الوقت يجب تجنب عسكرة التحرك، بغض النظر عن شرعية ذلك، لأنه لا يخدم الإستدامة والمشاركة الجماهيرية الواسعة، ويتيح لإسرائيل وحلفاءها الانقضاض عليه بكل الوحشية المعروفة. علينا في هذا المجال التعلم من تكتيكات هبة القدس المجيدة ومن انتفاضة الحجارة.
11- تعزيز التحرك الشعبي في المنطقة العربية وفي العالم بالعمل والتنسيق مع القوى السياسية والنقابية ومنظمات التضامن بما يقود إلى تصعيد واستمرار هذا التحرك، وقد يكون من المناسب الإعلان بمناسبة مرور شهر (أو أي يوم آخر) يوم انتصار للقدس، مع العمل على خروج عشرة ملايين متظاهر في كل مكان في العالم، بداية بتظاهرات مركزية في رام الله وغزة.
12- العمل مع الجهات الشعبية والرسمية في بعض الدول العربية لوقف أي خطوات تطبيعية مع إسرائيل مهما كانت صغيرة أو غير مباشرة، مثل الزيارات حتى على المستوى الشخصي، والتعامل مع الشركات حتى لو كان لديها شركاء غير إسرائيليين، والتعامل الإعلامي، وإذا كان هناك أي تبادل معلومات على المستوى الأمني. ومن أجل سد كل الثغرت في هذا العمل فأنه من المناسب أن يقوم الجانب الفلسطيني ولو بشيء من التضحية، بوقف أي دعوات لجهات عربية لزيارة فلسطين.
13- ولعمل كل ما سبق لا بد أيضاً من تعزيز الأوضاع الفلسطينية الداخلية باعتبارها عاملاً حاسماً في المواجهة. لا بد هنا من الإسراع بإتخاذ خطوات جدية وكبيرة لإستعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الإنقسام وبما يحقق عودة قطاع غزة إلى النظام السياسي والإداري الفلسطيني، ويحقق شراكة سياسية حقيقية بين كل الأطراف الفلسطينية، ويحقق اتفاقاً برامجياً حقيقياً يوفر أسس العمل المشترك داخليا وخارجياً.
14- يرتبط بالنقطة السابقة إتخاذ خطوات محددة نحو إنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني كجزء من إتفاق المصالحة، وكذلك حكومة فلسطينية تقوم بتنفيذ الإتفاق. في هذا المجال يجب إعادة بناء السلطة لتصبح سلطة خدماتية لخدمة القطاعات المختلفة للشعب الفلسطيني، مع ترحيل كل المهام السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية. يجب أيضاً إعادة تقييم وضع الأجهزة الأمنية وإعادة النظر في ميزانيتها، وربما تخفيض قدراتها، وإعادة النظر في عقيدتها الأمنية لتركز على خدمة المواطن وحمايته.
ما سبق مقترحات محددة أو أفكار، قد تعدل وقد تؤخذ كلها أو بعضها، وقد يضاف لها مقترحات أخرى. المهم هو إقرر خطوات عملية محددة وبسرعة باتجاه خلق الحقائق اللازمة لهزيمة الإعلان الأميركي والمحافظة على القدس الشرقية عاصمة فلسطين على طريق إنجاز الاستقلال الوطني.