تحت الفحص الأمني!
زكريا المدهون
تقضي الطفلة ملك طوباسي (خمس سنوات) وقتا في المستشفى أكثر مما تقضيه في منزلها، للتعافي من مرض، علاجه غير متوفر في قطاع غزة، المحاصر منذ أكثر من عشر سنوات.
ملك تلك الزهرة البريئة تعاني من وجود كتلة سرطانية حول الكلى، ما زالت تنتظر منذ ستة أشهر "موافقة أمنية إسرائيلية"، لاجتياز معبر بيت حانون "ايرز" شمال القطاع.
تسكن ملك في منطقة قيزان أبو رشوان، في محافظة خان يونس جنوبا، تتحمل مع والدتها مشاق الوصول الى "مستشفى الرنتيسي" في مدينة غزة لمدة أربع مرات أسبوعيا، ما يفاقم حالتها المرضية".
ماذا فعلت؟ ملك تسأل والدتها بحرقة، فتجيب: الهدف فقط هو قتل تلك الزهرة، فآخر مرة تلقت فيها العلاج خارج قطاع غزة قبل ستة أشهر.
(طلبك تحت الفحص الأمني)، هو سياسة اسرائيلية جديدة لمعاقبة سكان قطاع غزة من مرضى، وتجار، وطلبة.
الوالدة تحذر إذا لم تتلق طفلتها العلاج اللازم ستتدهور حالتها الصحية، لا سيما أن نسبة دمها تصل أحيانا إلى ست وحدات، ما يعرضها للإصابة بمرض "اللوكيميا"، وهو أصعب وأخطر من مرضها الحالي.
ووجهت نداء استغاثة الى منظمات حقوق الانسان العربية والدولية، لمساعدة طفلتها قبل فوات الأوان.
وكان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان كشف في تقرير أصدره مؤخرا، أن الاحتلال الإسرائيلي منع وأعاق أكثر من 38 ألف مريض من السفر لتلقي العلاج منذ عام 2008.
في "مستشفى الرنتيسي" قصص من الألم والمعاناة لعشرات المرضى المصابون بأمراض مستعصية، منهم: محمد الضعيفي (55 عاما) الذي يرقد في المستشفى منذ ستة أشهر، بانتظار موافقة الجانب الاسرائيلي لإصدار تصريح له، لاستكمال علاجه في إحدى مستشفيات الضفة الغربية.
الضعيفي أب لعشرة أفراد منهم طفلان، يعاني من مرض سرطان الدم، يقول لـ"وفا":" قدّمت طلبا للجانب الإسرائيلي، للحصول على تصريح عبور إلى الضفة الغربية، لتلقي العلاج، وقد رفض أربع مرات تحت حجة "الطلب تحت الفحص الأمني"، منوها إلى أنه قدّم قبل أيام طلبا خامسا، وهو بانتظار الرّد.
"علاجي عبارة عن جرعات كيماوية غير متوفرة بغزة بسبب الحصار"، يضيف الضعيفي بصعوبة.
المرة الأخيرة والوحيدة التي حصل فيها الضعيفي على العلاج خارج القطاع كانت قبل عام. المركز الحقوقي في تقريره بعنوان: "المساومة على الألم"، أكد أن من أهم المعيقات هي حرمان المرضى من السفر من دون إبداء أسباب أو منعهم لأسباب عائلية، واعتقال المرضى أو مرافقيهم على "معبر بيت حانون".
كما تقوم مخابرات الاحتلال الاسرائيلي بابتزاز المرضى ومساومتهم على التعاون معها، والتحقيق معهم ومع المرافقين لهم، والتأخير في الرد على المرضى.
بدوره أعلن مدير "مستشفى الرنتيسي" الدكتور محمد أبو سلمية، أن أكثر من 30 مريضا بينهم أطفال توفوا خلال الستة أشهر الأخيرة بسبب منعهم من قبل قوات الاحتلال من تلقي العلاج في مستشفيات الضفة واسرائيل.
منظمة الصحة العالمية، أشارت قبل شهر في تقرير لها الى أن 50-60% من مرضى قطاع غزة محرومون من العلاج من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي تحت حجج واهية.
وأكد أبو سلمية لـ"وفا"، أن مرضى الدم والأورام في قطاع غزة يعيشون أسوأ أحوالهم، وينتظرون الموت في أية لحظة بسبب الانتهاكات، والممارسات الإسرائيلية على "معبر بيت حانون".
وتحدث عن نقص العلاج الكيماوي اللازم للمرضى، وعدم وجود الاشعاع العلاجي والمسح الذري نتيجة الحصار الاسرائيلي.
وتابع الدكتور أبو سلمية، "من ستة أشهر تمنع وتماطل قوات الاحتلال في اصدار التصاريح اللازمة للمرضى من جميع الأعمار للسفر خارج قطاع غزة، لتلقي العلاج اللازم".
وحذر من أن تلك العراقيل غير المبررة تفاقم معاناة المرضى وذويهم، وتعرضهم للخطر والموت في أية لحظة، مناشدا منظمة الصحة العالمية ومراكز حقوق الانسان الفلسطينية والعالمة التدخل والضغط على قوات الاحتلال من أجل السماح للمرضى بتلقي علاجهم.
من جانبه، أكد رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، أن قوات الاحتلال حوّلت "معبر بيت حانون" الى مصيدة، لاعتقال المدنيين من قطاع غزة، وجعلت منه مكانا لاحتجازهم وابتزازهم.
"قوات الاحتلال تستغل الحاجة الماسة للغزيين للسفر عبر المعبر المذكور، لغرض العلاج أو التعليم أو التجارة أو المرور إلى الأردن، فتمنحهم تصاريح دخول ومن ثم تعمد إلى توقيفهم في المعبر واحتجازهم لساعات طويلة، وأحيانا تحاول ابتزازهم واعتقال البعض منهم وتنقلهم الى السجون". يقول فروانة لـ"وفا".
اعتقلت قوات الاحتلال منذ مطلع العام الجاري حسب فروانة نحو (76) غزيا، منهم: مرضى، ومرافقون، وطلاب، ونساء، وتجار، ورجال أعمال، بالإضافة إلى موظفين في مؤسسات دولية.