عهد والوردة البيضاء
بلال غيث كسواني
أعادت حادثة اعتقال الفتاة الفلسطينية عهد التميمي (16 عاما) قبل أيام إلى الأذهان قصة نظيرتها الألمانية صوفي شول، تلك الفتاة اليافعة التي حاولت وضع حد للجرائم التي يرتكبها النظام النازي إبان الحرب العالمية الثانية، فوقعت في أسره، وحكم عليها بالإعدام، مع شقيقها.
أسست صوفي وشقيقها هانس مجموعة أطلقت عليها اسم "الوردة البيضاء" لمحاربة النازية سلميا، عبر تعريف الشعب الألماني بأضرار ما يحدث لمستقبلهم، وكذلك فعلت عهد عندما حاولت فضح جرائم الاحتلال المتواصلة بحقها وبحق قريتها النبي صالح شمال رام الله.
صوفي كانت تقول عن مقاومتها السلمية للنازية: "كان على شخص ما أن يبدأ، ما كتبناه وقلناه يعتقده كثيرون غيرنا أيضا، لكنهم لا يجرؤون على التعبير عن أنفسهم، كما فعلنا نحن".
صرخت عهد في قاعة المحكمة الصورية التي تجري لها لإدانتها بالمقاومة الشعبية السلمية "فليسقط الاحتلال"، بحسب أفراد من عائلتها تابعوا مجريات المحاكمة.
صوفي وشقيقها كانا يوزعان منشورات تندد بالنازية في جامعة ميونخ في حينه، إلى أن تم اعتقالهما، قبل إعدامهما، فيما تقوم أيقونة فلسطين "عهد التميمي" بنشر فكرة المقاومة الشعبية السلمية في صفوف الأطفال ضد الاحتلال.
وعن مقاومتها السلمية، قالت عهد لأحد الصحفيين قبل اعتقالها، "في المسيرة الأولى التي خرجت فيها كان عمري 10 سنوات. كنت خائفة لأنّني لم أعتد عليها، وكنت غير واعية لما يجري".
وتابعت قائلة: "اليوم أشارك في المسيرات لأنّني فلسطينيّة، فيجب أن أشارك في تحرير بلدي من الاحتلال، وجود الاحتلال على أرضنا جريمة، يجب ألّا نسكت عنها، فجيش الاحتلال يقتل الكبار والصغار، لذلك يجب على الشارع الفلسطينيّ أن يتحرّك ليتحرّر من الاحتلال، مش لازم نبقى ساكتين".
صوفي مرت بمراحل تعذيب مخيفة قبل أن حكمها النازيون بالإعدام، مراحل مشابهة لما يتعرض له الأسرى الفلسطينيون القابعون في السجون الإسرائيلية وعلى رأسهم الطفلة عهد التميمي.
والطفلة عهد متهمة بصفع جندي إسرائيلي، اقتحم برفقة قوة احتلالية منزلها، وقام بتحطيم محتوياته، في محاولة منها لإبعاده عن بيتها الأسبوع الماضي، حيث تم اعتقالها مع أمها، وإحدى قريباتها.
ونسبة إلى المناضلة الجزائرية المعروفة جميلة بوحيرد، أطلق مغردون على مواقع التواصل الاجتماعي على عهد لقب "جميلة فلسطين"، ولم لا فالفتاة مقاومة منذ نعومة أظافرها، وبرزت إعلامياً منذ كانت يافعة من عمرها.
ولفتت عهد أنظار العالم في آب عام 2012 بتحديها لجنود الاحتلال الذين اعتدوا عليها، وعلى والدتها ناريمان التميمي في مسيرة سلمية أسبوعية مناهضة للاستيطان ينظمها نشطاء وأهالي القرية والبلدات المجاورة في النبي صالح.
وفي المكان ذاته، سجلت عدسات الصحفيين مشهدا في 2 تشرين الثاني 2012 لمواجهة جديدة لعهد مع جنود الاحتلال في قرية النبي، بعد اعتقال الجنود شقيقها الذي كسرت يده، حيث كانت تطالب جنود الاحتلال بالإفراج عنه بغضب.
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لاقى اعتقال التميمي صدى واسعا، وحصد هاشتاغ "#عهد_التميمي"، عشرات الآلاف من التغريدات المستنكرة لاعتقالها، وتضمنت صورا، وفيديوهات، بعضها قديم، توثق مقاومتها "الشعبية" للاحتلال الإسرائيلي منذ طفولتها.
وفي السياق، قال والدها باسم التميمي "ابنتي عهد مقاومة، وتوصف نفسها بأنها مقاتلة من أجل الحرية، ورسالتها أن يكون لدى العالم كله قناعة مفادها أن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم أبداً، وأن كل جيل يخرج من بين صفوفهم يحمل على عاتقه مهمة تحرير الأرض".
وأضاف التميمي، "إن عهد نشأت في أسرة مقاومة للاحتلال، فوالدها اعتقل 9 مرات، ووالدتها اعتقلت 5 مرات، وعمتها استشهدت خلال مظاهرة سلمية، وخالها استشهد كذلك".
وتابع قائلا: إن ما فعلته عهد يفعله كل طفل فلسطيني، لكن ابنته محظوظة في أن تصرفها شاهده العالم كله، ولم يشاهد مواقف كافة أطفال فلسطين الذين يفعلون أكثر مما فعلته عهد، لكن موقف عهد كان مسجلا، ورصدته إحدى الكاميرات، وبثته للعالم كله.
وذكر التميمي أن رسالة عهد هي رسالة "جيل تمرد على حالة عجز، وأن عهد باحثة عن أرضها وحريتها وكرامتها، فهي لا تنتمي لأي فصيل سياسي، ولا تعبر عن أي أجندة سياسية.
وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، إن "المحاكم العسكرية الإسرائيلية ترفض إطلاق سراح الأطفال، وتصدر أحكامها استنادا في الغالب إلى اعترافات الأطفال".
وتندد اليونيسيف بانتظام بمعاملة الجيش الإسرائيلي السيئة للأطفال الفلسطينيين الذين يتم اعتقالهم، وتشير إلى أن التحقيقات تستخدم فيها أساليب التخويف مثل التهديدات بالعقوبات الجسدية أو الجنسية ضد الأطفال أو عائلاتهم.
من جانبه، قال خالد قزمار المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال فرع فلسطين، إن ظاهرة اعتقال الأطفال في الضفة الغربية بما فيها القدس سياسة إسرائيلية ممنهجة ومتصاعدة، وشهد العام 2017 اعتقال مئات الأطفال الفلسطينيين من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وأضاف أن ما يجري بحق الأطفال الفلسطينيين من عمليات اعتقال وتعذيب "جريمة مستمرة"، وتصنف وفق القانون الدولي "جريمة ضد الإنسانية"، ولفت إلى أن إسرائيل الدولة الوحيدة التي تحاكم الأطفال في محاكم عسكرية.
وأشار إلى أن عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال يبلغ نحو 6400 معتقل، بحسب بيانات فلسطينية رسمية، بينهم حوالي 400 طفل تقريبا والأعداد بازدياد.
وأضاف قزمار "أن الاحتلال ارتكب سلسلة جرائم بحق عهد التميمي، فعهد لم ترتكب أي جريمة ولم تقم بإطلاق النار عليهم بل صفعتهم، لماذا لم يجر اعتقالها بلحظتها، وإن اعتقال طفلة بهذا العمر ليلا هو جريمة، وتقديم طفلة للمحاكمة هي جريمة أيضا، إذ أن محاكم الأطفال يجب أن يكون لها خصوصية وسريعة وليس بهذه الطريقة".
وتنص الاتفاقية العالمية الخاصة بحقوق الطفل في المادة 37 (ب) أنه لا يجوز أن "يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية، ويجب أن يجري اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقاً للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة" وهذا ما يفعل عكسه تماماً جبناء قوات الاحتلال الإسرائيلي، فهم يعتقلون الأطفال الفلسطينيين بكل همجية ويحققون معهم ويعذبونهم ويطيلون أمد الاعتقال، ويعرضونهم للحبس المنزلي الذي يدمر حياتهم وطفولتهم ومستقبلهم. فعن أي عهد طفولة نتحدث ونحن أمام أطفال يقفون في وجه الأسلحة والدبابات دون خوف، واثقون من حقهم في أرضهم التي سكن عليها أجدادهم منذ مئات السنين، فلا تردعهم الدبابات ولا توقفهم البنادق.
ـــــ