في الخليل.. ما لا يستطيع المستوطنون تهويده يسعون لمحوه
الخليل- ساهر عمرو- تتعرض الخليل المدينة العربية الاسلامية، توأمة القدس وحاضنة الحرم الابراهيمي الشريف، في الآونة الاخيرة لأشرس حملات التهويد والتدمير لآثارها وتاريخها في محاولة مسعورة لتهويدها وسرقة تراثها وتزوير تاريخها.
ورأى الخبير في شؤون الاستيطان عبد الهادي حنتش، أن الظروف الحالية سواء على الصعيد الداخلي الاسرائيلي، والمتمثل بالطبيعة اليمينية المتشددة لحكومة الاحتلال وسيطرة غلاة المتدينين والمستوطنين عليها، أو على الصعيد الخارجي وما تعتبره هذه الحكومة وقادة المستوطنين من نجاح لسياساتهم الاستيطانية والتهويدية، توج بإعلان ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبالأحقية التاريخية والدينية لهذا الكيان بالقدس، تمثل تربة خصبة للتوسع الاستيطاني وتنامي حملات التهويد وارتفاع وتيرتها وبشكل منظم.
واشار حنتش، الى أن دولة الاحتلال حددت ما يقارب 800 هدف ديني وتاريخي في فلسطين ستسعى في الفترة المقبلة لتهويدها وتغيير معالمها، وستكون مدينة الخليل بجانب القدس الهدف الرئيسي لهذه الحملات.
وتقود هذه الحملات في الخليل عدد من المنظمات اليهودية، أهمها ما يطلق عليها اسم منظمة "إعادة التراث اليهودي في الخليل".
ويضيف حنتش ان دولة الاحتلال تعتمد في تنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتهويدية في الخليل على مستويين من الاجراءات:
الاول: قلب الحقائق وتزوير التاريخ في محاولة لإلصاق تاريخ اسرائيلي مزور بالمواقع الأثرية والاماكن التاريخية والدينية، وفرض امر واقع من خلال سلسلة من الاجراءات العسكرية، تبدأ بالادعاء مرورا بالاستيلاء على الموقع، وانتهاء بمنع وحرمان غير المستوطنين من الوصول الى تلك الاماكن بهدف قطع التواصل بين هذه الاماكن واصحابها الحقيقيين من الفلسطينيين، والبدء بتسويقها على انها جزء من التاريخ والآثار الاسرائيلية المزعومة، لتصبح مع مرور الوقت امرا واقعا، مشيرا إلى ان عمليات التزوير تتضمن في بعض الاحيان اضافات حديثة لبعض الآثار والرسومات التي ينفذها نحاتون من اليهود لتدعم ادعاءاتهم بيهودية هذه الاماكن.
وتعتبر زاوية الاشرافية الواقعة بالبلدة القديمة في الخليل واحدا من الأمثلة الحية على ذلك، حيث قام المستوطنون بالدخول الى القبو الخاص بالزاوية ووضعوا معابد وادوات، سعيا وراء اقامة طقوس تلمودية في هذا الجزء من الزاوية والادعاء بانه مكان ديني خاص باليهود، مطالبين لجنة الاعمار والاوقاف في الخليل بالإسراع بعمل صيانة لهذا القبو؟
وبنفس الطريقة يتم في هذه الفترة محاولة تهويد موقع قصر المورق الاثري، وهو من الآثار الرومانية القديمة ويقع جنوب غرب مدينة دورا، حيث يتم اقتحامه من قبل جيش وسلطات الاحتلال التي تقوم بتتبع الانفاق والسراديب الموجودة تحت القصر، وقيامهم بتأدية صلوات تلمودية فيه.
المستوى الثاني: التدمير وطمس المعالم وذلك في حال فشل عملية تهويد وتزوير الحقائق، فبعض المواقع يتم العمل على تدميرها وطمس معالمها لكي لا تكون شاهدا على اصحابها كما هو الحال فيما يعرف بمقام الاربعين، وهو الموقع الاثري الذي يحتوي على بقايا آثار الخليل القديمة والتي يعود تاريخها الى 6500 عام، والذي حولته سلطات الاحتلال الى منطقة مغلقة تقوم وبشكل مستمر بالتجريف فيه بهدف التخريب، وهذا ما رصدته وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، حيث تنفذ اسرائيل عمليات حفرية في الشتاء والذي يعتبر خطأ علميا وفنيا كون التربة تكون مشبعة بالمياه، وأي عبث هو تدمير للآثار الموجودة فيها. وهذا ايضا ما تم في منطقة سوسيا في مدينة يطا حيث تم تدمير معالم وآثار اسلامية بالكامل، وكذلك اعمال التجريف المستمرة التي ينفذها المستوطنون وسلطات الاحتلال للآثار الموجودة قرب خربة لتواني في يطا.
هذا بالإضافة الى اطلاق سلطات الاحتلال لسلسلة من المشاريع الاستيطانية لإنشاء شبكة جديدة من الطرق والانفاق، الهدف المعلن منه ربط مستوطنة "كريات اربع" مع منطقة الحرم الابراهيمي وباقي البؤر الاستيطانية في الخليل، ولكن الهدف الحقيقي من ذلك هو تدمير الآثار وتغيير المعالم التاريخية للمدينة، حيث تم وضع مخططات هذه الطرق والانفاق لتأتي على انقاض ما لم يستطيعوا تهويده وتغيير حقيقته، فما لا نستطيع تهويده او يصعب علينا تزويره يجب محوه والقضاء عليه.
من جهة أخرى لا يقتصر المشروع الاستيطاني التهويدي الإسرائيلي على الأرض والأماكن الدينية والتاريخية، إنما يمتد ليشمل الآبار والينابيع الفلسطينية، ويشير حنتش الى أن هناك عملية تهويد ممنهجة يقوم بها المستوطنون لعدد من الينابيع الفلسطينية في محافظة الخليل، من خلال تنظيم سلسلة من المداهمات والزيارات برفقة جيش الاحتلال لهذه الينابيع، والادعاء بأن لها جذورا تاريخية يهودية ويمارسون حولها طقوسا وصلوات تلمودية، كما حدث في كل من عين فرعة وعين كنار في بلدة دورا، وكذلك الأمر في منطقة جالا الواقعة غرب بلدة بيت أمر. مدعين ان هذه المياه تعتبر "مطاهر" تستخدم للتعميد حيث يقوم المستوطنون بالتعمد عراة في مياه الينابيع الفلسطينية كأحد المظاهر التلمودية المستخدمة لديهم كإجراء لتهويد هذه الينابيع.