أيها المتآمرون.. إنكم تنطحون صخـرة !!
كتب سلطان الحطاب
كانت المنظمة قد أقيمت ليس حبا في العيون الفلسطينية، ولكن محاولة احتواء موقف الشعب الفلسطيني، وبدء مخاضاته من أجل امتصاص الغليان من صدور الفلسطينيين ..
وانطلق الشقيري ..وسمح له أن يتحرك قبيل هزيمة عام 1967 وتشكل خطابه بمصالح دول عربية على حساب آخرى .. وسدد فواتير عربية ورحبت به مصر وقاومته سوريا .. وبدأ العمل وأقام مؤسسات فلسطينية ودخل الجامعة العربية وشعر لأول مرة كما يقول "أنه ممثل للشعب الفلسطيني وليس موظفاً معنياً من قبل الجامعة العربية".
قامت فتح وشعارها "لا وصاية ولا احتواء" ولذلك كانت حذرة من الشقيري بداية لأنها كانت ترى أن شرعيته في مهب الريح، وأنها مازالت وفي القبضة العربية..
الشقيري أحس بالحصار وأستاء من الوصاية العربية والصيغ الهزيلة .. ولكنه رضى وصبر؛ لأنه كان يريد أن يضع قدميه على الطريق وأن يبرز الكيان الفلسطيني.
وحين كان يشرح قضيته وخاصة للسوريين كان يجد فتوراً وحين جاء إلى قمة الخرطوم ليشهد اللاءات العربية الثلاثة الشهيرة لم يعبروه، ولم يحترموه، بل أنكروا دوره، وحجموه، فلم يعودوا بحاجة إليه .
برزت فتح .. وعملت ولكن لا صدى في الجامعة العربية لها بداية وبدأت أطراف عربية ضدها وتحاربها كالعادة فالتمثيل الفلسطيني خطير ولا يجوز أن يفلت من يد العرب حتى وان تقاسموه بين مصر والشام ومن رغب !!
وتركت فتح وبدأت تعمل وبدأت مطاردتها وسجن ياسر عرفات في سوريا ورفاقه أيضاً ثم أستطاع أن يفلت وفي هذه المرحلة يقول محمود عباس آنذاك "أفلتنا من قبضتهم وأيقنوا أنهم يتعاملون مع أناس مراسهم صعب ونابهم أزرق ولذا لم يستطيعوا أن يستعملوا معنا القوة التي تعودوا أن يستعملوها ضد شعبهم وضد بعضهم وإن فعلوا ذلك فيما بعد".
لقد استغلوا ديكتاتورية الجغرافيا، واستعملوها ضدنا إلى حد استعمال العنف والإبادة الشخصية والمعنوية. كل دولة عربية مع استثناءات تريد من الفلسطينيين على أرضها أشخاصاً ومؤسسات أن يكونوا تابعين لها مباشرة أو جزء من سياساتها العربية والعالمية.
وعندما استقال الشقيري تحت الضغط قال محمد حسين هيكل في مصر "لقد انتظرناها منذ زمن بعيد. كان لا بد أن يذهب الشقيري".
عزل الشقيري في قمة الخرطوم وحاصروه واستقال وجرى حصار عرفات وعقدت القمة في بيروت ولم يستطع النظام العربي بكل دوله أن يخرجوا الرجل ولو لحضور القمة التي قدمت أهم مبادرة باسم القضية الفلسطينية مبادرة السلام العربية عام 2002 .
لم تأته الفزعة العربية .. تركوه في الحصار الإسرائيلي كما تركوا بيروت كلها من قبل في قبضة شارون 82 يوماً ولم يأت العرب رغم أن إسرائيل جاءتهم محتلة !!..
وصمد عرفات وقاتل في لبنان في وجه شارون، وتوسط العرب لإخراجه، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وعرض على اليونان استئجار جزيرة لنقل مقاتليه، بعد أن حذرته روسيا من البقاء في لبنان، وفجأة فتحت له أبواب تونس التي أجارته، وبقي بعيداً عن فلسطين، ولكنه أوصل لها الانتفاضة الأولى العظيمة بقيادة أبو جهاد .. وتساقط القادة الفلسطينيون غير محمين في عواصم عربية عديدة والتي لم تحاسب القتلة الذين انتهكوا سيادة تلك الدول في بيروت .. حيث استشهد القادة الثلاثة وفي لبنان في عملية فردان و استشهد أبو جهاد .. ثم أبو إياد .. وأبو الهول في تونس.. كلهم لم ينتقم العرب لاستشهادهم رغم أن الأرض العربية كانت تجيرهم ويحتمون بها !!..
وبقي عرفات في تونس وأدرك بعد ذلك وحين صنع أوسلو أن الاحتلال على قسوته ربما يكون أفضل من المطاردة العربية والمعتقلات والسجون، واستباحة الأوطان ولذا "استجار من النار بالرمضاء" عله يصنع وطناً.
ودخل عرفات الوطن وبدأ يزرع الحلم ويقاوم الاحتواء بعد أن تراجعت الوصاية العربية التي استكانت قليلاً، واستأنست أن إسرائيل لن تحاسبها طالما عادت القيادة الفلسطينية الى الداخل، وليس في عواصم عربية.
ذهب الشقيري الذي قال ساعة غضب وهم يفرضون عليه الوصاية "إن فعلت فهذا يعني أنني مضطر لاستخراج رأي عشرين ملكاً ورئيساً" .. وهذا يعني أنني لن أتمكن من فعل شيء وسأترك لهؤلاء أن يتدخلوا في شؤوننا وأعمالنا".. نعم ذهب الشقيري ودخلوا إلى المنظمة.. وكان الشقيري قبل استقالته قد قال أيضاً "إن مشكلتي ليست مع الجماهير العربية إنها مع الملوك والرؤساء أنا لا يمكنني أن أعمل معهم ولا يمكنني العمل بدونهم" هذه هي المشكلة".
وذهب الشقيري .. وجاء عرفات وصنع القرار الفلسطيني المستقل وقاتل على جبهة القرار والاحتواء والوصاية .. وقاتل من أجر التحرير وشق طريقاً واصلها من جاء من بعده .. كان عرفات يدرك أن اللعبة مع الشقيري يجب أن لا تتكرر وكان يدرك أنه ليس للشقيري قواعد تدافع عنه فقد غرسوه كنباتات الشرفات في حين زرع عرفات بذرة المقاومة والانطلاقة وهي التي حمته في العواصم العربية وفي جبهات القتال قبل أن يعود إلى الوطن وقد حملته الانتفاضة الباسلة إليه.
ومع أن عرفات يملك شرعية الثورة وشرعية قيادة شعبه فقد عملوا على عزله وتحدثوا بدون اسم شعبه .. يقول كارتر في كتابه "دم إبراهيم" سأل الأسد عما إذا كان عرفات يمكن أن يتحدث باسم الشعب الفلسطيني؟ فأجاب الأسد: لا إنه بحاجة إلى مساعدتنا يجب أن نعمل نحن.. وبعد ست سنوات من هذا القول عمل الأسد وتجاوز قيادة عرفات وشق فتح عام 1983 فأضاف كارتر في مذكراته في ذلك الصيف "قدم الأسد إقتراحاً يتجاوب مع المطالب الإسرائيلية بأن يتحدث القادة العرب الآخرون باسم منظمة التحرير الفلسطينية". وأضاف كارتر: " ان كل الزعماء العرب لم يكونوا يحدثوه لا تصريحاً ولا تلميحاً عن دولة فلسطينية".
وبعد حصار بيروت قال أحد الوزراء العرب يخاطب عرفات "نتمنى أن تنشق الأرض وتبلعكم .. أنتم سبب البلاء لنا".
ورغم أن المنظمة قامت عام 1964 فإن العرب لم يعترفوا بها ممثلاً للشعب الفلسطيني إلا بعد عشر سنوات أي في عام 1974.
كان الرئيس عرفات دائما يريد مفاوضين من المنظمة وحين لم يستطع وفرض عليه أن يكونوا من الداخل من تحت الاحتلال وافق لأنه يثق بهم .. مخاوف القيادة الفلسطينية كانت دائماً أنها تسمع من الأميركيين عن طريق العرب وغير العرب كلاماً قد يكون مزوراً ناقصاً أو زائداً وكانت القيادة ترغب أن تحصل على الحقيقة .. ولذا كان مؤتمر مدريد قد طرح كيف يمثل الفلسطينيون .. بوفد مستقل أم عربي موحد أو أردني مشترك .. العرب رفضوا فكرة الوفد العربي الموحد ولا أحد دعم فكرة وفد فلسطيني مستقل فذهب الفلسطينيون والأردنيون معاً إلى أن انفصلوا بعد محادثات الكوريدور في واشنطن .. وفي المفاوضات المتعددة ضغط الفلسطينيون أن يكون مستقلين وأن يفاوضوا بأنفسهم ونجحوا في ذلك .. كانت مخاوف القيادة الفلسطينية دائماً أن يقبل العرب التطبيع وأن يقدموا أشياء دون موافقتهم وفي حال غيابهم.
ومرت السنوات.. ولم تتوقف محاولات إلغاء التمثيل الفلسطيني أو تجاوزه .. أو ثني الفلسطينيين عن اهدافهم .. ولذا جرت مزاحمة عرفات في أوسلو.. وغضب من العرب من غضب.. وحرد من حرد وشنت حملات على الرئيس عرفات.. كان عرفات يتسلح بالانتفاضة، وينتزع شرعيته النضاليه منها.. ومنها خرجت كل المبادرات وهي أي الانتفاضة حملته إلى العالم وأكدت تمثيل قيادته .. وحين أعياهم إنتزاع تمثيله أو الحد من دوره في كفاح شعبه ضاق به الإسرائيليون فضاق به العرب ولم يساعدوه وتركوه في حصار المقاطعة وعقدوا قمة بيروت عام 2002 بدونه وصدرت المبادرة العربية للسلام والمتعلقة بقضيته في غيابه وبقي سجيناً إلى أن نقل إلى المستشفى ليموت ..
وسار أبو مازن على نهجه واستطاع أن يحقق الأهداف التي لم يحققها عرفات .. فعمق فهم العالم برغبة الفلسطينيين في السلام وقدم خطاباً فلسطينياً معتدلاً يقبله العالم ويدعو لقبوله وفي زمنه جاء الموقف الأميركي بالدعوة لإقامة دولة فلسطينية في زمن بوش الأبن.. وزادت السفارات والممثليات الفلسطينية وأصبحت فلسطين دولة مراقب في الأمم المتحدة وعضو في اليونسكو وفي العديد من المنظمات الدولية وحقق مكاسب سياسية على المستوى العالمي باتساع الزيارات من فلسطين وإليها وعقدت عدة مؤتمرات في فلسطين بما فيها المؤتمر السابع لفتح الذي صان الجسم الفلسطيني من الانقسام.
وحين رأوا أبو مازن يصعد بالقضية ويسجل أهدافاً جديدة ويفوّت على اليمين الإسرائيلي إضعاف القيادة الفلسطينية أو النجاح في إحباط هجومها باتجاه السلام الذي بدأ يحرج إسرائيل دبرت إسرائيل وبمعاونة أطراف إقليمية وطلاب سلطة وتيار معارض انقلاب غزة الذي كان من أسبابه نهج دحلان وسلوكه المريب وكان الانقلاب ضربة للوحدة الفلسطينية ومؤامرة على التمثيل ووحدة الهدف ..
وأستطاع الرئيس أبو مازن وعبر عشر سنوات من سعيه من اجل ردم الانقسام وتحقيق المصالحة أن يحتوي إلى حد كبير أعراض الانقسام المرعبة وأن يواصل السعي بالقضية الفلسطينية عبر المحافل الدولية لمزيد من الانتصار، وأن يقطع العديد من الذرائع حين وصلت الإستغلاقات حد الخيارات الصعبة بدون مصالحة "أنت لست شريكاً فمن مع نتحدث؟" مع غزة أو الضفة؟ وبالمصالحة أنت تتحالف مع الإرهاب وهذا لم يكن الموقف الإسرائيلي فقد بل والأميركي الذي عبر عنه أوباما.
إذن شق القيادة الفلسطينية وإضعاف التمثيل والبحث المستمر عن بدائل مستجية كان دائماً ما تراهن عليه إسرائيل وما تريده وتسعى إليه ".
ونتاج سياسات الإضعاف والمحورة في العالم العربي وفي دول عديدة لها علاقة بالقضية الفلسطينية واستجابة لضغوط ومصالح بدأ الضغط على القيادة الفلسطينية .. لإدخال عناصر إليها لها تبعيات مريبة مع دول في الإقليم، وخارجه، وعادت نفس الصورة حين كانت سوريا قد ضغطت لإدخال أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مع بدايات فتح وهم من البعثيين كثمن على فقدان القرار المستقل .. ولكن الفلسطينيين دفعوا ثمن كل ذلك واختاروا أن تكون قيادتهم في وطنهم تواجه عسف الاحتلال وضغوطه على أن تكون خارج الاحتلال وتدين "بالوصاية والتبعية" .. ولذلك اضطربت العلاقات مع مصر لأسباب لا علاقة لفلسطين فيها .. كما اضطربت مع أطراف عربية استقبلت المنشق الدحلان الذي كانت له طموحات غير مشروعة وعلاقات مشبوهة استهدفت القيادة الفلسطينية.. ودفعت أموال طائلة من أجل ذلك وتشكلت الرباعية العربية باسم المصالحة بين حماس وفتح والسلطة ولكنها في الواقع كانت تريد إعادة الدحلان وصمدت القيادة الفلسطينية وردت وافشلت الكثير من هذه الخطط المستهترة التي تورطت فيها أطراف عربية ودعمتها إسرائيل وتفهمتها الولايات المتحدة وهي تمرر مشاريعها العدوانية في القدس بنقل سفارة الولايات المتحدة إليها من تل أبيب والاعتراف بها عاصمة لإسرائيل، مما حدا بالقيادة الفلسطينية أن تستعمل رصيدها الدولي وأن تسعى مع عرب ومسلمين في قمة إسطنبول الناجحة في ديسمبر عام 2017وعبر محافل دولية عديدة في الإمساك بالحقوق الفلسطينية وإبرازها .
وصمدت القيادة الفلسطينية واشتبكت مع الولايات المتحدة حول إغلاق مكتب المنظمة في واشنطن وحول الموقف الأميركي من استعمال الفيتو لصالح إسرائيل في القدس وحول إجراءات ترمب بخصوص القدس ورفضت القيادة الفلسطينية استقبال المبعوثين الأميركيين بل وصرحت علناً أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطاً في عملية السلام ولا تصلح بانحيازها لإسرائيل أن تكون وسيطاً ..
وأثبتت القيادة الفلسطينية قدرتها على ان تجعل شعبها يلتف حولها وقطعت شوطاً كبيراً باتجاه المصالحة التي لم ترض إسرائيل أو الولايات المتحدة ورأت إسرائيل فيها خطراً عليها يتشكل من عودة الوحدة الفلسطينية وزاد الأمر تعقيداً أن السلطة الفلسطينية استطاعت في الامم المتحدة أن تعزل إسرائيل والولايات المتحدة التي استشاطت غضباً وهددت القيادة الفلسطينية وطالبت بوقف مساعدتها وعادت تصف منظمة التحرير الفلسطينية بالإرهاب وعندها تجددت بعض المواقف العربية والإقليمية التي تترجم الرغبة الأميركية وبدأت هذه الاطراف تشوش على القيادة الفلسطينية وتنتقدها وتطرح بدائل لها وتعمل على التدخل في شؤونها ..
وحين رأي عباس أن خياراته هي خيارات شعبه وبدأ بتحريك الشارع الفلسطيني الذي بدأ بدوره يحرك الشارع العربي والعالمي وبدأت هذه الدوائر تضيق به وبدأت تنفس المؤرقين في شوارعها ليشتموا القيادة الفلسطينية والشعب الفلسطيني ويميزون أنفسهم عن فلسطين والانتماء لها والابتعاد عن منزلة القدس وأهميتها.
كانت المواقف في اللجنة الرباعية العربية واضحة الأهداف ومع ذلك استطاعت القيادة الفلسطينية أن تحتوي وأن تحسن العلاقة مع مصر وأن تحافظ على علاقات متوازنة مع كل الأطراف العربية وأن تنأى بالنفس عن الصراعات العربية وعن سياسة المحاور التي تكاثرت في عالمنا العربي وكان الموقف الفلسطيني واضحاً ومميزاً وبعيداً عن الاستقطاب لم يستجب للضغوط ومضى يحمل القضية الفلسطينية وينتصر لها .. فحضر الرئيس أبو مازن مؤتمر القمة الإسلامية في اسطنبول وكان فاعلاً كما كانت القيادة الفلسطينية حاضرة بقوة في الامم المتحدة وفي مجلس وزراء جامعة الدول العربية وفي منظمات دولية عديدة انضمت فلسطين إلى معظمها، وعددها (22) منظمة دولية، أبرزها محكمة الجنايات الدولية، التي جاهرت القيادة الفلسطينية بالانضمام إليها.
لقد واجهت قيادة أبو مازن كثيراً من سوء الفهم ومواقف عربية وإقليمية سلبية ولكنها ظلت تتعامل معها بحذر ووعي واحتواء وحوار وهي تدرك أهداف تلك المخططات ومراميها مستفيدة من خبراتها التاريخية في هذا المجال ويظل السؤال لماذا تفكر أطراف عربية في الضغط على القيادة الفلسطينية والتدخل في شؤونها؟ ودعم محمد دحلان لإعادته إلى القيادة الفلسطينية؟ هل تريد هذه الأطراف تطعيم القيادة بمناضلين ومقاتلين وراديكالين يرفضون الاحتلال؟ .. فإن أرادوا ذلك فدحلان ليس الخيار .. وهل يريدون شخصية على يسار أبو مازن أو أكثر تشدداً في وجه الاحتلال فإن أرادوا فدحلان ليس هو الخيار .. إذن لماذا يريدونه ويريدون دعمه .. هل يعطل أبو مازن المصالحة والدحلان يعجلها ..؟ وهو من كان من أسباب الانقسام والانقلاب في غزة .. إذن لماذا يريدونه ويعملوا من أجله ويمكنوه بالمال ؟؟؟ ( غدا نكمل)