الاحتلال يهدم منشأة تجارية ومنزلين ويجرف اشجار زيتون في حزما وبيت حنينا    "التربية": 12,820 طالبا استُشهدوا و20,702 أصيبوا منذ بداية العدوان    الاحتلال يجبر الجرحى والمرضى على إخلاء المستشفى الاندونيسي شمال قطاع غزة    إصابة 3 مواطنين واعتقال رابع إثر اقتحام قوات الاحتلال مدينة نابلس ومخيم بلاطة    الأمم المتحدة تطلب رأي "العدل الدولية" في التزامات إسرائيل في فلسطين    عدوان اسرائيلي على مخيم طولكرم: شهيد وتدمير كبير في البنية التحتية وممتلكات المواطنين    الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة    "استغلال الأطفال"... ظاهرة دخيلة على القيم الوطنية وجريمة يحاسب عليها القانون    "التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان  

"التربية": 12.799 طالبا استُشهدوا و490 مدرسة وجامعة تعرضت للقصف والتخريب منذ بداية العدوان

الآن

عريقات الإنسان.. جهاز أكسجين وكرسي متحرك ونضال مهني

القدس عاصمة فلسطين/ رام الله 8-1-2018 - ضحى رضوان

"أنا بشر ولا داعي للقوى الخارقة"، كلمات نطق بها والدمعة غير المترددة مختبئة خلف نظارته الطبية، متسائلاً: "إذا ما شعرت باليأس والقلق، هل سيتحسن وضعي الصحي؟ فكانت الإجابة لا، وكّلت أمري إلى الخالق وقررت أن أجير كل ما منحني الله من قوة ذاتية داخلية للصبر، واتخذت قراراً بممارسة حياتي بالشكل الطبيعي.

كرسي متحرك وجهاز أكسجين وعمل لم ينقطع

اعتدنا على متابعة مسيرتهم المهنية وخطواتهم السياسية، وقد يحصر البعض الحكم على إنسانيتهم من خلال عواطفه المكونة حولهم، دون الفصل بين الرجل السياسي والرجل الإنسان.

 صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، والأب لخمسة أبناء، يروي رحلة علاجه من مرض "التليف الرئوي" لبرنامج "زراعة الأعضاء" عبر شاشة تلفزيون فلسطين، بتفاصيل ترسم قصة ألم، وانتظار وصمود وتحد للمرض.

خطوات مثقلة وانتزاع للراحة من قلب الألم، ومراقبة دائمة لجهاز قياس نسبة الأكسجين، أبرز معالم رحلة التحدي، لازمه أنبوب الأكسجين والكرسي المتحرك ولم يلتزم بشعارات المرض المرتبطة باليأس والاستسلام، ليصف قسوة ما أصابه تارة، ويمدنا بعزيمة نادرة تارة أخرى، فقال: كان يجب عليّ أن أتوقف لاستمد القليل من الراحة بعد كل خمس خطوات، ووصلت إلى مرحلة لم أستطع مواصلة الحركة، إلا على كرسي متحرك.

في الثالث والعشرين من نيسان عام 2013، أصيب عريقات بمرض "التليف الرئوي"، وتناول أدوية تجريبية كانت ألمانيا تخضعها للاختبار، ورغم ذلك لم يتوقف عن العمل يوماً واحداً، فأصدر آخر بيان صحفي خلال مرضه، يوم إجراء العملية، رحب خلاله بالمصالحة الوطنية.

في السابع عشر من آذار عام 2017، بدأت معالم المرض تبدو أكثر وضوحاً، والبقية ترسمها كلماته المثقلة بالدموع المختلطة ما بين حزن وفرح.

وقال: قمت بممارسة رياضة الجري على الآلة الكهربائية في المنزل، ما بين الساعة السادسة وحتى الساعة السابعة والربع مساءً، وفي اليوم التالي لم أقوَ على إكمال أي نشاط طبيعي كنت أقوم به، أصابني انهيار تام لقدرتي على التنفس ذاتياً.

 ما مررت به أوصلني إلى مناطق وأركان لم أكن أعلم بوجودها، فأصبح الصبر يحمل معاني أخرى في داخلي، ولم أكن أعلم بوجودها في الحياة، هذه التجربة نقلتني من تكرار الشعارات والأمثال الخاصة بالحديث مع الذات حول الصبر، إلى ممارسته فعلياً، وشتّان ما بين الاثنين، أضاف عريقات.

وتابع: لم أكن في يوم من الأيام منذ طفولتي إلا جندياً لفلسطين، وأشعر بالفخر أن الله تعالى كرّمني بأن أكون مولوداً لأب وأم فلسطينيين.

عن أقسى لحظات المرض وأكثرها صعوبة وقت تلقي الخبر، قال عريقات: جلس الطبيب وأخبرني بحاجتي إلى زراعة رئة، ولم يكتفِ بذلك، بل رافق حديثه تفسير يؤكد أنها من أصعب العمليات التي يتم إجراؤها، وهذه العملية الجراحية لها ما قبلها وما بعدها، يسبقها احتياجات وضرورات ويتبعها ملازمة الأدوية للمريض مدى الحياة، مع احتمالات مجهولة المصير، أبرزها الرفض الشديد أو النزيف الحاد أو الالتهابات الحادة وجميعها قد تؤدي إلى الوفاة.

ثلاثون ثانية من الانتظار للانتقال من درجة إلى أخرى في سلّم الصعود والنزول داخل المنزل، الذي امتلأ بأسرة دافئة شكّلت أبرز مصادر الدعم لعريقات خلال فترة مرضه.

 أثناء رحلته العلاجية أثقلته هموم لا تتعلق بإمكانية شفائه، وإنما بكيفية انتشال أسرته من حالة الحزن والخوف على مصيره، كأن أبرزها فقدان زوجته "أم علي" القدرة على النظر، مخفية مشاعرها وحزنها.

كطفل صغير نقي، نطقها بعفوية وإنسانية خالصة أمام الكاميرات "أنا بحبهم كتير"، وتوجه إلى الله يرجوه عدم فقدان أحدهم، مردداً دعاءً خالصا مفعماً بالإنسانية والعاطفة، التي قد يراها البعض بعيدة عن الشخصية السياسية الصارمة المتزنة، وقال: "أدعو الله خالقي، بأن يقوم أبنائي بدفني وليس العكس".

وعن دور الأب الرئيس محمود عباس، قال عريقات: إنه رجل عظيم، فإنسانيته التي غمرني بها لم أكن أتوقع وجودها لدى أي إنسان على وجه الأرض، فقد كان الرئيس يدعو الله عز وجل لشفائي بصوت عال عبر الهاتف، ويقضي الليل يصلي ويدعو لشفائي، ولم يبخل يوماً بسؤاله ودعمه، فكان نعم الأخ والقائد والصديق والأب.

انتظار المتبرع كان محور كل الحياة

"انتظار المتبرع كان محور كل الحياة"، عبارة لخصت كل تفاصيل ما مر به عريقات من لحظات انتظار المتبرع القادم غير الآتي، في عالم يجهل فيه إمكانية ووقت توفر من قد يساهم في إنقاذ حياته.

وبعد أن كانت الأخبار السيئة قد تكون جيدة، كما أخبره الطبيب، فنسبة التحجر وسوء حالته الصحية جعلته المريض الأول على لائحة انتظار المتبرعين، تبع هذا الخبر إجابات كانت تقتله من قبل الأطباء حول توفر المتبرع "بأنه قد يأتي خلال ساعة أو يوم أو شهور، ومن الممكن ألا يأتي".

أخبرتها أنه يوم السعد عند لقاء وجه ربي، لكنني عدت لأحيا وأغني

في الثاني عشر من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2017 يوم إجراء العملية في فرجينيا، وأثناء تحضيره لها، قال عريقات: "شاهدت زوجتي مصابة بانهيار، فطلبت أن أتحدث إليها، وقلت لها: "نحن متزوجون منذ ستة وثلاثين عاماً، وما أنا مقبل عليه ليس سهلاً، فبعد هذه الأعوام سيكون "يوم السعد" عند لقاء وجه المولى عز وجل، فلا تحزني".

وأكد أن أشد ما كان يؤلمه، الخوف من مفارقة الحياة خارج الوطن، فكانت أمنيته أن يدفن في الأرض التي تعلق بها وناضل من أجلها.

بعد انتظار أشبه بساعات الموت البطيء من أسرته وكل من أحبه، خرج عريقات من بين الأجهزة الطبية والمحاولات المعلقة بين السماء والأرض، ليغني لمن انتظره وللحظات التردد والأمل والصبر والانتظار "إنني عدت من الموت لأحيا وأغني".

في ختام خمسة وأربعين دقيقة لخصت رحلة علاجه، قال عريقات: نحن أمام مرحلة جديدة وعهد جديد، ومن يستطيع أن يعطي فليعطي، وأنا أعلن رسمياً وبالاتفاق مع أسرتي: "إذا كان أي جزء في جسدي يصلح لإنقاذ حياة أي إنسان آخر فأنا أتبرع به"، وهذه وصية أسرتي التي ستكتب بأنه في حال وفاتنا أو موتنا الدماغي، فأي جزء من جسدنا صالح، وهناك إنسان بحاجته، فنحن متبرعون به دون أي تردد".

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024