النقيفة.. حنين الشارع لعاداته في المقاومة
يامن نوباني
يلتقط طفل بابا خشبيا متهالك أو لوحا من الصفيح "زينكو"، ليكون حصنا وسدّا من رصاصات جنود الاحتلال، يُخرج من جيبه الخلفي النقيفة (الشُعبة)، ويبدأ بتجهيز نفسه للمواجهة مع مركبات الاحتلال وجنوده.
لا يُعرف بالتحديد متى بدأ استخدام النقيفة كوسيلة مقاومة، لكن شهرتها بلغت ذروتها في سنوات الانتفاضة الأولى (1987- 1994)، إلى جانب المقلاع والزجاجات الحارقة.
مشهد بدا متكررا في أيام الجُمع الستة الأخيرة، في قرية اللبن الشرقية جنوبي نابلس، فمنذ الجمعة الأولى لإعلان ترمب بشأن القدس، والتي صادفت الثامن من كانون الأول 2017، يخرج نحو 200 طفل وشاب في مواجهة أسبوعية يشهدها مدخل القرية، تمتد من بعد صلاة الظهر وحتى المساء.
ينضم عشرات الفتية والشبان الذي يحملون النقيفة، إلى ساحة المواجهة، يخرجون الأقنعة والكرات الزجاجية "البنانير"، يشعلون الإطارات ، وتبدأ المواجهة. رصاصة مقابل الحجر، يسقط طفل جريح بعد أن أصابه عيار معدني في الفخذ، يحمله أقرانه إلى سيارة الإسعاف في الخلف، ثم يعاودون التقدم، يختنق الفتية من الغاز المسيل للدموع، يتراجعون إلى الخلف قليلا، لكنهم لا يعودون إلى منازلهم قبل حلول الظلام، حيث تنتهي المواجهة مساءً.
في الجمعة الأخيرة، 12 كانون الثاني الماضي، شهدت اللبن الشرقية تصاعدا ملحوظا في المواجهة، بعد انتشار نحو 200 مستوطن في جبالها وأراضيها الزراعية، حيث شاهد أطفال القرية عشرات المستوطنين يهبطون من الجبال المحيطة والقريبة من قرية عمورية المجاورة، في مسار طويل انتهى بوصولهم إلى سهل اللبن والشارع الرئيسي الرابط بين مدينتي نابلس ورام الله، وقبل أن تقلهم حافلات مخصصة إلى المستوطنات والبؤر الاستيطانية، خرج الأهالي لصدهم، رغم أن المستوطنين استغلوا وقت صلاة الجمعة ليقطعوا الطريق على مقربة من بيوت القرية، والتي تتعرض دائما لمضايقاتهم.
أحد المستوطنين أخرج سلاحه وصوّبه ناحية الأطفال الذين أخذوا يصرخون على الغرباء، قبل وصول عدد كبير من الشبان الذين انتهوا لتوهم من صلاة الجمعة، الأمر الذى دفع المستوطن لإطلاق عدد من الرصاصات على جموع الشبان على مرأى من عشرة جنود كانوا يوفرون الحماية والتغطية للمستوطنين، ما زاد من ارتفاع وتيرة المواجهة وانضمام معظم شبان القرية إلى صد الهجوم. وفي الطرف الآخر كانت مركبات عسكرية تحتشد على أطراف القرية ومداخل الطرق الزراعية لتأمين انسحاب المستوطنين.
انتهت المواجهة مع المستوطنين، لكنها لم تنتهِ مع جنود الاحتلال، الذين تواجدوا بكثافة على المدخل الرئيسي للقرية، حيث انتقل الشبان إلى هناك، استمرارا لما بدأوه قبل أسابيع، لتدور مواجهة من أعنف المواجهات التي شهدتها الضفة الغربية، أصيب خلالها 8 شبان بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والعشرات بحالات اختناق بالغاز.
لم يكتفِ جيش الاحتلال بحشد 8 آليات عسكرية من أجل مواجهة عشرات الفتية، الذين لا يملكون إلا الحجارة، إنما استقدم مركبة عسكرية مخصصة لإطلاق قنابل الغاز دفعة واحدة، حيث تطلق نحو 25 قنبلة غاز في أقل من نصف دقيقة، بواسطة قاذفة مثبتة في أعلى المركبة. وحين لم ينفع الغاز في تفريق الفتية، استقدم الاحتلال سيارة المياه العادمة لرشهم، وهي مركبة كبيرة الحجم، تحمل مياها عادمة مخلوطة بكيماويات، ويبقى تأثيرها لعدة أيام على جسد وملابس من يتعرض لها.
بلغ عدد المصابين في القرية منذ بدايات الاحتجاجات على إعلان ترمب، أكثر من 40 نقل بعضهم إلى مستشفى الشهيد ياسر عرفات الحكومي في مدينة سلفيت المجاورة، وأقام الاحتلال بوابة حديدية على المدخل الغربي (الرئيسي) للقرية، أعطبها الشبان بعد أربعة أيام من تركيبها، كما أغلق المدخل الجنوبي بالمكعبات الإسمنتية، وينشر جنودا مشاة منذ السادسة صباحا وحتى منتصف الليل، يراقبون كل داخل وخارج.