الجنود اللصوص
حمزة الحطاب
كخفافيش الظلام ينطلق جنود الاحتلال الإسرائيلي صوب منازل الموطنين، يقتحمونها يروّعون سكانها، ويحطمون محتوياتها، الأمر لا ينتهي إلى هذا الحد، فالاحتلال وجنوده لم يكتفوا بهذا القدر، بل ذهبوا لأبعد من ذلك بسرقة الأموال، والممتلكات الشخصية.
محمد شاهر حجة من سكان مدينة دورا في محافظة الخليل، اقتحمت قوات الاحتلال منزله، ومنزل والده في الأول من شهر تشرين الثاني للعام الماضي، لاعتقال شقيقه، فاعتقلوه، وسرقوا كامل مصاغ زوجته.
يروي حجة كيف قام جنود الاحتلال بمداهمة منزله الساعة الثانية صباحا، وطلبوا منه اخراج زوجته وطفله من المنزل، والمكوث ببيت والده في غرفة ضمت كافة أفراد الأسرتين لفترة تزيد عن الساعتين ونصف.
ويضيف، "وبعد انتهاء الفترة قدم ضابط وامرنا بعدم مغادرة الغرفة الا بعد ربع ساعة من انسحابهم، بعد انقضاء الفترة عدت برفقة زوجتي للمنزل من اجل تفقده، فاكتشفنا سرقة مصاغها الذهبي الذي يزيد وزنه على 350 غراما من الذهب".
قصة حجة ليست الوحيدة او الاخيرة، فهناك مئات الحالات التي جرى تسجيلها وتوثيقها لقيام جنود الاحتلال بارتكاب سرقات بحق المواطنين.
عبد الله الأطرش من سكان حارة أبو سنينة في الخليل، هو الآخر ضحية لسرقات جنود الاحتلال، فقد سرقوا من منزله عشرة آلاف شيقل، أثناء قيامهم بمداهمة منزله في الثالث من كانون الثاني من العام الماضي.
ويوضح الأطرش أنه طلب من الجنود قبل دخولهم لمنزله أن يقوم بإخراج النقود والمصوغات الذهبية التي تمتلكها زوجته، الا انهم رفضوا معللين ذلك بأنهم لن يتعرضوا لها.
ويتابع الأطرش، "كنت قد ابتعت مركبتي وحصلت على مبلغ مالي، وبعض الشيكات من ثمنها، فوجدها الجنود، وسألوني عنها، فأخبرتهم انها ثمن المركبة، وقاموا بتصوير النقود والشيكات وأعادوها لمكانها، وبعد انصرافهم تفقدت المبلغ ووجدته ناقصا عشرة آلاف شيقل، ظننت بداية الامر انهم سقطوا داخل المنزل، ولكن بعد قيامنا بإعادة ترتيبه لم نجدها".
مئات الالاف جرى سرقتها من منازل الفلسطينيين أثناء قيام قوات الاحتلال باقتحامها، خلال السنوات السابقة دون توفر احصائية دقيقة لدى الجهات الرسمية الفلسطينية، أو المؤسسات الحقوقية التي تهتم بالتوثيق لتحديد عدد هذه الحالات.
وهذا ما يؤكده الباحث الميداني في المركز الاسرائيلي لحقوق الانسان في الاراضي الفلسطينية "بيتسيلم"، موسى أبو هشهش الذي يبين أن هذه الظاهرة ليست جديدة، وأنها مرتبطة بوجود الاحتلال، فمن خلال عملهم وثقوا مئات الحالات من السرقات التي كانت تتم من قبل بعض الجنود دون علم الضباط، وبشكل مخفي.
ويبين أبو هشهش أن حالات السرقة التي حدثت داخل منازل الموطنين سرقت خلالها مبالغ كبيرة، سواء كنقود، أو كمصاغات ذهبية، أو هواتف نقالة، وغيرها الكثير، ما كان يقع بين أيدي الجنود، أثناء تفتيشهم لمنازل المواطنين، موضحا أن المسروقات تتنوع وتتضمن أي شيء ذا قيمة، ومن الممكن ان يستفيد منه الجنود الإسرائيليون، أو من الممكن أن تتقاسمه مجموعة فيما بينهم، وقد يسرق الجنود 50 شيقلا.
ليست المنازل كمائن الجنود وحدها لسرقة المواطنين، فقد شكلت الحواجز العسكرية واقتحامات المحال التجارية بيئة اضافية لتلصص الجنود، واشباع رغباتهم بارتكاب الجرائم.
وبالعودة لأرشيف المؤسسات المهتمة بتوثيق سرقات الجنود، فقد وثق سرقة الجنود لصناديق من السجائر أثناء اقتحامهم المحال التجارية في فترة سابقة، فقد تعرض 13 محلا تجاريا بشارع بئر السبع في الخليل للسرقة بعد اقتحامها، جرى خلالها سرقة صناديق من السجائر، نجحت فيها المؤسسات برفع دعوى ضد الجنود، وربحتها، وهي من المرات القليلة التي نجح فيها الموثقون بمحاكمة جنود، واستعادة مسروقات.
ويروي ابو هشهش رحلته في توثيق السرقات ومتابعتها، ويبين أنهم في فترة سابقة رافقوا جنديا من منظمة "كسر الصمت"، اعترف بسرقة 50 ألف شيقل من أحد منازل الخليل.
"بيتسيلم" الذي يعمل فيه ابو هشهش، كان قد أعلن في نيسان من العام 2016 التوقف عن الملاحقات القضائية، ضد جرائم الجنود، والاكتفاء بالتوثيق، كون الاحتلال يستخدمها أكثر كأداة لتبرئة الجنود.
ويتابع: "الحكومة الإسرائيلية كانت في فترة معنية بكشف موضوع السرقات، وذلك ليس لسواد عيون الضحايا بقدر الحرص على الاساءة لسمعة الجيش، ودائما يقومون بفتح تحقيق في المواضيع العامة، ويستدعون شهودا، ولكن النتائج دائما صفر، أو شبه صفر، فالمؤسسة الاسرائيلية منحازة وتحقق مع نفسها، ولا تقوم بإنصاف الضحايا بمسائل السرقات، وغيرها من المسائل، لأجل ذلك أوقفت بيتسيلم رفع الدعاوى، واكتفت بالتوثيق".
وسجلت الحواجز العسكرية المنتشرة على مداخل المدن، والبلدات، والقرى، والمخيمات بيئة خصبة للجنود من أجل سرقة المواطنين، وكان سائقو المركبات العمومية أكثر الضحايا، فأثناء قيام الجنود بالتفتيش يسرقون النقود، كما حصل مع أحد السائقين من بلدة بيت عوا جنوب غرب الخليل، فقد سرقوا من مركبته بعد تفتيشها 60 شيقلا.
حسب الموثقين فليس كل المواطنين يبلغون عن السرقات، لعدم ثقتهم بعودة مسروقاتهم، إلا أن البعض الآخر يمتلك القرار والجرأة، ويتابع رفع الشكاوى والتبليغ.
موسى ابو هشهش موثق الانتهاكات والسرقات لم يسلم هو الآخر من سرقات الجنود، فقد تعرض لسرقة 50 شيقلا أثناء عبوره احد الحواجز العسكرية، فبعدما طلب منه الجنود تفتيش صندوق مركبته لم يتابعهم، نتيجة للبرد، وبعد وصوله المنزل اكتشف سرقة 50 شيقلا من حقيبته التي كانت بالصندوق الخلفي للمركبة.
حكومة الاحتلال لم تلق بالا لمئات السرقات التي قام بها جنودها من قبل، والتي وثقتها مؤسسات حقوقية، إلا أن مشهدا موثقا عبر كاميرا الهاتف النقال لسرقة جنود الاحتلال لحبات فاكهة من إحدى البسطات في مدينة الخليل قبل شهر ونصف الشهر تقريبا؛ دفع ساسة الاحتلال للاعتذار، واتخاذ اجراءات بحق الجنود- حسب الادعاء.