القدس: خنق الاقتصاد في خدمة خطط التهويد
-مكانة روحية وضرورة اقتصادية
القدس عاصمة فلسطين/ رام الله 20-1-2018 - لورين زيداني
مجددا، القدس في واجهة الاحداث، ومجددا تواجه خطط العزل والتهويد الاسرائيلية، اقتصاد يتضاءل، وسكان ينهكون عاما بعد عام.
في الذاكرة الجمعية للعرب والمسلمين، وحتى الغالبية العظمى من مسيحيي العالم، للقدس مكانة روحية ودينية فريدة، وهي مكانة اودعتها ايضا في قلوب الفلسطينيين، لكنها ايضا في عقولهم ضرورة اقتصادية لا حظ لدولتهم العتيدة في الحياة من دونها.
في العقدين الاخيرين، تسارعت الاجراءات الاسرائيلية لخنق المقدسيين اقتصاديا بشتى انواع الضرائب، ومنع إصدار تراخيص البناء في القدس الشرقية، وتحويل الاراضي فيها الى مناطق خضراء ولاستخدامات عامة تمهيدا لإحالتها الى المستوطنين، اضافة الى عزلها عن محيطها من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، والنتيجة: اسواق راكدة، وبطالة تزيد عن 15%، ونسبة فقر تتجاوز 80%.
"القدس هي عماد التناغم الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي والتاريخي لكل مفاصل دولة فلسطين وامتداداتها"، قال محمد اشتية رئيس المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والإعمار "بكدار".
وأضاف في حديث لـ"وفا": القدس كانت تشكل مجموعة روافد للاقتصاد الفلسطيني، الاول هو السياحة، وهي ليست سياحة دينية فقط، بل تاريخية وتعليمية وترفيهية، خاصة أن للقدس بنية تحتية للفنادق والمناخ المناسب، وتشكل البيت الصيفي إلى جانب رام الله، والقيمة الاقتصادية أيضا تتمثل في القطاع التجاري والقطاع الثقافي.
وقال: القدس على مدار التاريخ كانت أيضا عاصمة التعليم، بوجود عدد كبير من المدارس ومؤسسات التعليم على مستوى رفيع، سواء أكانت حكومية ام خاصة ام تلك التابعة لجمعيات غير ربحية، وبعض المدارس الأقدم موجودة في المدينة منها: تراسنطا منذ العام 1846 امتدادا لفرع بيت لحم، ومدرسة شميدت للبنات، والفرير، والمدارس التي أقيمت أيام الدولة العثمانية.
إسرائيل، ومنذ احتلالها للمدينة عام 1967، ادركت القيمة الاقتصادية للقدس بالنسبة للفلسطينيين، فبدأت منذ اليوم الاول تنفيذ خطط لعزل المدينة عن باقي الاراضي الفلسطينية، لكن الهجمة أصبحت أكثر وحشية وشراسة في السنوات الخمس الأخيرة.
القطاع السياحي الذي يشكل 40% من الناتج المحلي المقدسي، هو الأكثر تعرضا لإجراءات الاحتلال من خلال التحكم بالحركة السياحية، وهذا ما أوضحه مدير عام الغرفة التجارية الصناعية العربية في القدس فادي الهدمي بقوله، "كانت القدس تحوي 40 فندقا قبل العام 67، الان هناك 20 فندقا فقط، ولم يتم إنشاء إلا فندقين بعد العام 67 بسعة 130 غرفة، في المقابل فإن الخطة الاسرائيلية وماكنتها الاقتصادية أنشأت فنادق على مقربة من الفنادق الفلسطينية، وفي قلب القدس الشرقية والبلدة القديمة وقرب المقدسات، لضرب تنافسية الفنادق الفلسطينية".
وتابع، "جزء من سياسة الهيمنة على السياحة بمنظومتها الكاملة، عمل المرشد السياحي الاسرائيلي ومكاتب السياحة التي تهيمن بشكل كامل على المفاصل السياحية في المدينة، فتمنع السياح الأجانب من الوصول للمناطق العربية أو اسواقها".
وقال اشتية: "هناك تحريض اسرائيلي كبير على المنشآت السياحية في القدس الشرقية، ولذلك يأتي السائح يزور القدس العربية والبلدة القديمة لكنه ينام في القدس الغربية، ضمن برنامج تحريض الأدلاء السياحيين الاسرائيليين وتخويفهم للسياح من المقدسيين، ودفعهم للمبيت في الفنادق الإسرائيلية، وبالتالي فإن المردود المالي للسياحة يكون لصالح اسرائيل، بدءا بتذاكر السفر، مرورا بالمبيت والمطاعم وكل المتعلقات".
يواجه التجار المقدسيون في أسواق البلدة القديمة عددا لا حصر له من المصاعب، تتمثل في ضعف القوة الشرائية لدى البائع والمشتري، المثقل كاهلهم بالضرائب والمخالفات، إذ إن 250 محلا تجاريا مغلقا من أصل 1300 في أسواق البلدة القديمة.
خارج أسوار البلدة القديمة، هناك 550 محلا تجاريا تتوزع في شوارع: صلاح الدين، والزهراء، والمسعودي، والاصفهاني، والرشيد، وابن سينا، وابو عبيدة، ليست بحال أفضل.
وقال اشتية: شارع صلاح الدين الذي كان يسمى "شانزلزيه القدس"، والقلب النابض للسوق للمدينة، يتحول إلى شارع فارغ من الناس وحركة البيع والشراء بحدود السادسة مساء".
حتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، كانت أسواق القدس تعج بالمتسوقين من باقي انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع بداية التسعينيات، بدأت إسرائيل بحصار متدحرج للمدينة، حتى باتت معزولة ومحاصرة بالكامل بالحواجز والبوابات وجدار الفصل، ولم يعد بمقدور الفلسطينيين من باقي انحاء الأراضي الفلسطينية دخولها الا بتصاريح وهي قليلة جدا ومحصورة بأنشطة معينة كالعلاج، فتعثرت الحركة التجارية في المدينة وضاقت على سكانها ما دفع 112 ألف مقدسي إلى العيش والعمل خارج المدينة.
في أواخر تشرين الاول الماضي، بدأت دوائر القرار في اسرائيل مناقشة ما يسمى بـ"قانون القدس الكبرى"، وهو اطار قانوني لخطط اسرائيل المتواصلة بشأن القدس، تحت مسميات مختلفة كـ"القدس 2020" و"وجه القدس"، واستخدامها لفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها وشمالها، إضافة الى دفع اكبر عدد من الفلسطينيين الى خارج المدينة، وفي جميعها استخدمت الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة التضييق الاقتصادي سلاحا.
في التفاصيل، تهدف هذه الخطط لتخفيض الفلسطينيين كنسبة الى اجمالي سكان المدينة الى 10%-12%، وتهجير المواطنين المسلمين والمسيحيين، وتوسيع مساحة القدس إلى أكثر من 10% من مساحة الضفة الغربية المحتلة، أو ما يعادل 600 كم2 تقريبا، لتمتد من اللطرون غربا حتى البحر الميت شرقا.
وتمضي الخطة قدما من خلال مضاعفة البناء الاستيطاني في القدس وما حولها، وانشاء الطرق الالتفافية والجسور لربط المستوطنات بالمدينة، والسعي لإسكان مليون يهودي فيها مع مرور الوقت، اضافة الى عزل الاحياء العربية، وحصرها بنحو 9.5 كيلومتر مربع فقط.
وقال الهدمي، "خطة القدس 2020 تعمل على تحويل المدينة العربية الى غيتو داخل القدس الغربية، والتي تحولت ملامحها وتفاصيلها الى مركز مدينة يشبه مراكز المدن العالمية في لندن ونيويورك وغيرهما، لتصبح قلب العاصمة بدلا من القدس العربية، التي يقيد معمارها بعدم الارتفاع لأعلى من 4 طوابق، مع اهمال متعمد لبنيتها التحتية".
بدوره، قال اشتية ان هناك خططا وبرامج لدعم وتعزيز صمود المقدسيين، بتوفير مشاريع انشاء مساكن ومدارس وفنادق تعوض النقص لدى أهل المدينة، وتوفر الدعم للمدارس والمستشفيات لكن الامكانيات متواضعة.
ويقول "طالبنا الدول العربية والاوروبية بتخصيص جزء من موازناتها لدعم القدس، وقدمنا الخطط وتقديرات المشاريع المطلوبة، لكن دون تجاوب أو أقل من المطلوب".
بتقديري اذا استطعنا توفير 100 مليون دولار سنويا وهو اقل التقدير سيكون مناسبا لدعم صمود المقدسيين".
عربيا، اقرت قمة بيروت في العام 2002 تقديم دعم سنوي للقدس بقيمة 150 مليون دولار، وفي العام 2010 اسست الجامعة العربية صندوقا لدعم القدس بـ500 مليون دولار، تبعه صندوق اخر في 2013 بمليار دولار، لكن واقع الحال يقول ان ما وصل القدس من هذه المبالغ لا يتجاوز 30%.