جريمة برسم القانون
رشا حرزالله
لم تحمل مصادقة "اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع" على مشروع قانون يسمح للشرطة باحتجاز جثامين الشهداء، والذي من المحتمل عرضه على "الكنسيت"، لإقراره بالقراءة الأولى خلال الفترة المقبلة، أي مفاجئة لأهالي الشهداء، بل اعتبروه محاولة لتقنين الجريمة المستمرة، واستباقا لأي خطوات وملاحقات قانونية قد تتخذ بحق قادة الاحتلال، ممن يرتكبون مثل هذه الجرائم.
ويأتي هذا المشروع، الذي سيعزز من صلاحيات الشرطة بعدم تسليم جثامين الشهداء لحين ضمان التزام عائلاتهم بالشروط التي تفرضها أجهزة الاحتلال الأمنية، بعد مداولات بين حكومة الاحتلال، وما تسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية، التي أمهلت في 14 كانون الأول الماضي، الحكومة ستة أشهر، حتى تتمكن من إيجاد مسوغ قانوني "يجيز احتجاز جثامينهم"، وإن لم تجد خلال المدة المطروحة يتم تسليم الجثامين لذويهم، وسيطرح للتصويت في "الكنيست" من خلال إضافة بند إلى قانون "مكافحة الإرهاب".
لكن أزهار أبو سرور والدة الشهيد عبد الحميد من مخيم عايدة في محافظة بيت لحم، والذي استشهد بعد تنفيذه عملية استشهادية داخل القدس المحتلة في 20 نيسان/ابريل عام 2016، لا ترى في سن مثل هذه القوانين سوى محاولات للضغط على عائلات الشهداء وابتزازهم للقبول بشروطه، وهو "ما لم نقبل به سابقا ولن نقبل به مستقبلا"، كما قالت.
وتقول الأم التي احتجز الاحتلال جثمان ابنها، ودفنه في مقابر الأرقام في 13 أيلول/سبتمبر من العام الماضي إلى جانب ثلاثة شهداء أخرين، دون أن تتمكن من وداعه، إن هذا القرار فيما لو تم تنفيذه فإنه سيؤخر استرداد جثامين الشهداء، لكنه بالتأكيد لن يثني عائلاتهم عن استمرار المطالبة بجثامين أبنائهم لوداعهم ودفنهم بما يليق بكرامتهم.
"فقدان الأمل يعني الاستسلام، وهذا ما لم نعتد عليه، لدينا طاقم قوي من المحامين مشكل من عدة مؤسسات، وإن لزم الأمر فإننا سنقوم بتوكيل محامين خاصين، المهم أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه القرارات، وعلينا أن لا نتأمل الكثير من محاكم الاحتلال، لأنها لا تختلف كثيرا عن الجيش، جميعهم سواسية، المهم أن لا نضعف"، تؤكد أبو سرور.
ما فاجأ أم الشهيد أبو سرور وغيرها من ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم، هو أن هذا القانون لم يكن موجودا. وتساءلت: "لماذا صمتنا طيلة سنوات عن المطالبة بجثامين أبنائنا، ولم نفعّل القضية كما يجب على المستوى القانوني، لماذا انتظرنا حتى بدأوا محاولاتهم لتقنين هذه الجريمة".
ومما يشكل إحباطا لدى هذه الأم وغيرها من ذوي الشهداء المحتجزة جثامينهم، هو أن القضية لا تجد تفاعلا على المستويات الرسمية والشعبية كما يجب. وقالت: "القضية ذات بعد إنساني كبير، أهالي الشهداء يعيشون في قلق دائم، يريدون تشييع أبنائهم ودفنهم بما يليق بهم، يريدون الاطمئنان أن اسرائيل لم تسرق أعضاءهم.
منسقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء سلوى حماد، أشارت إلى أن القرار ليس بالجديد، حيث لوح "الكابينت الإسرائيلي" بطرحه وإقراره سابقا، وبدأ التحضير له منذ 17 كانون الأول الماضي، كرد على قرار المحكمة العليا الذي تحدث عن عدم شرعية احتجاز الجثامين لعدم وجود قانون يعطي صلاحية للحكومة الإسرائيلية باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين.
وبحسب حماد فإن تأثير هذا القرار سيكون سلبيا على جميع ملفات الشهداء المحتجزة جثامينهم، بما فيهم 16 شهيدا من الضفة الغربية وقطاع غزة، من المحتجزة جثامينهم في ثلاجات الاحتلال منذ عودته لاحتجاز الجثامين في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2015، وما يزيد عن 250 شهيدا محتجزة جثامينهم في مقابر الأرقام منذ عشرات السنين.
وقالت حماد إن اهالي الشهداء نظروا بقليل من الامل لقرار العليا الإسرائيلية، لكن سن القانون بدد كل هذه الآمال.
ويعلق الخبير في القانون الدولي حنا عيسى، إن هذا القانون يتناقض مع قرارت الشرعية الدولية، والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وجميع القرارات التي اعتبرت الأراضي الفلسطينية أراضي محتلة، إلى جانب العشرات من القرارات التي تحدثت عن الخروقات الخطيرة التي تقوم بها دولة الاحتلال، وإن احتجاز جثامين الشهداء غير قانوني خاصة الفلسطينيين، لأنهم محميين بموجب اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949م أحياء وأمواتا، كونها تنص على ضرورة حماية المدنيين في وقت النزاع المسلح.
ويؤكد أن مشروع القرار يمنح قائد كل منطقة صلاحية تأخير تسليم جثامين الشهداء واحتجازهم، ويعطي للشرطة الحق في تحديد أسماء وأعداد الأشخاص الذين سيشاركون في تشييع جثمان الشهيد، إلى جانب تحديد مكان الدفن وموعده، ما يعد حالة طوارئ تتناقض كليا والقانون الدولي.
ويذكر عيسى نصوصا قانونية نصت على عدم جواز احتجاز جثامين الشهداء من ضمنها المادة 17 من اتفاقية جنيف الأولى، والتي حددت معايير التعامل مع "جثامين الأعداء"، ومنها ضمان دفن وحفظ الجثث بصورة فردية بقدر ما تسمح به الظروف، على أن يسبقه إجراء تحقيق بواسطة فحص طبي للجثة بغية تأكيد الموت، والتعرف على الهوية وإصدار تقرير، وتكريم الموتى حسب تقاليدهم الدينية ما أمكن وأن تحترم قبورهم".
وبحسب عيسى فإن إسرائيل تنتهك مخالفات صريحة وواضحة للقانون الدولي في هذه القضية من خلال الدفن غير اللائق للشهداء، وبطريقة لا تحترم قدسية الإنسان حيث تدفنهم على عمق سطحي لا يتجاوز نصف متر، ما يجعل تلك الجثامين عرضة للجرف والنهش.
وعملت دولة الاحتلال على سن قوانين عنصرية تبيح قتل الفلسطينيين وتضييق حياتهم، ولعل أخطرها مشروع قانون "إعدام الأسرى"، الذي أقره "الكنيست" الإسرائيلي بالقراءة الأولى في الثالث من كانون ثاني/يناير الحالي، والذي تقدم به حزب “إسرائيل بيتنا” بزعامة وزير جيش الاحتلال أفيغدور ليبرمان.