ماذا تبقّى من نيابوليس؟
شادي مقبول
ما أن تتجول في نابلس، حتى يُخيل إليك أنك تتنقل عبر آلة الزمن بين حضارة وأخرى.
فبينما تجد مظاهر المدينة الحديثة في الجزء الغربي، فإن الجزء الشرقي من نابلس وتحديداً في محيط تل بلاطة، ينقلك إلى المدينة الكنعانية (شَكيم) التي سكنها الكنعانيون زمناً طويلاً قبل الميلاد، وبقيت المدينة المركزية هناك قبل أن يقرر الامبراطور الروماني التاسع (فيسبِسيان) في عام 72 للميلاد إنشاء النسخة الحديثة من المدينة والتي سُمّيت نيابوليس، أي المدينة الجديدة، بعد أن هُدمت شكيم.
ورغم الإضافات التي قدمتها الحضارات المتلاحقة، إلا أن آثار الحضارة الرومانية ما زالت شاهدةً على البصمة التي تركتها في تاريخ نابلس.
في وسط المدينة، يقع ميدان سباق الخيل المسمى (الهبدروم)، ويمتد من منطقة مقام سفيان الثوري غرباً إلى دوار الشهداء بطول 410 أمتار، ويبلغ عرضه 91 متراً. وفي الطرف الشرقي لميدان السباق، وتحديداً مقابل مبنى المستشفى الوطني، يقع المسرح الروماني الذي يعود بناؤه إلى منتصف القرن الثالث الميلادي، وكانت تتم فيه عروض المصارعة. وما زالت أساسات مدرّج المسرح وبعض المقاعد الحجرية ماثلةً في المكان.
وإلى الجنوب، وتحديداً عند شارع "كشيكة" في حي رأس العين، يقع المدرّج الروماني، وهو الأكبر الذي تم اكتشافه في فلسطين، وكان يتسع لأكثر من عشرة آلاف متفرّج. ويبلغ القطر الخارجي للمدرّج 110 أمتار، وقطره الداخلي 64 متراً. ويعود تاريخ إنشائه إلى عهد الإمبراطور (هَدِريان) في الفترة بين عامي 117 إلى 138 للميلاد.
وتشكّل المقابر جزءاً من آثار نيابوليس، ومنها المقبرة الرومانية الشرقية عند مفترق شارعي عمّان وعسكر البلد، وتضمّ عشرة قبور يُعتقَد أنها تعود لإحدى العائلات الثرية في المدينة خلال القرون الثلاثة الأولى للتقويم الميلادي.
وكذلك المقبرة الرومانية الغربية غرب مدرسة الكِندي، وفيها مجموعة من الكهوف التي تحوي قبوراً حجرية، وتُعَدُّ مقبرةً عسكريةً رومانية، إضافةً لمقابر أخرى في جبل عيبال.
وما تزال قنوات مائية رومانية اكتُشف بعضها وظلّت أخرى ضمن أسرار المكان، شاهدةً على الحضارة التي عاشتها المدينة خلال تلك الحقبة من الزمن. ولأهمية المياه، فقد اختار الإمبراطور فسباسيان نبع القريون ليكون مركز المدينة الجديدة نيابوليس. وأنشأ الرومان بنية تحتية متكاملة لتوصيل مياه هذا النبع والينابيع الأخرى لسكان المدينة.
وحول آثار هذه الحضارة توضح المحاضِرة والباحثة في عِلم الآثار الدكتورة آمنة أبو حطب? أن مدينة نابلس زاخرةٌ بالآثار الرومانية? والتي تتميز بالفسيفساء الملونة والأعمدة التي تعلوها التيجان? إضافةً للأنفاق التي أُنشِئت لنقل المياه بطريقة هندسية مميزة? وما زال عدد منها موجود حتى الآن.
وطالبت أبو حطب، الاهتمام بالمعالم الأثرية في المدينة والتي تعاني إهمالاً واضحاً? وتكاتف الجهود لإعادة الاعتبار لهذه المعالم التي تؤكد إرثنا التاريخي.
نيابوليس... تلك المدينة الرومانية، ذات الأصل الكنعاني، أُضيفت فوقها طبقات من الحضارات المتعاقبة، حتى شكّلت صورة المدينة الحالية التي تحمل الاسم المشتق منها "نابلس."