محمد أبو ماضي.. رخصة قيادة من زمن النقل الجميل
عُلا موقدي
عُرفت سلفيت، حديثة النشأة كمحافظة، قبل وجود الكراجات والكم الهائل من السيارات العمومية وتعدد مدارس تعليم السياقة، بشح وسائل نقل الركاب والبضاعة إلى باقي المدن، نظراً لقلة عدد سكانها، وضعف الإمكانات المادية لأهاليها، فهي لا تعتبر مدينة صناعية أو تجارية كبيرة كسواها من مدن الضفة وبالأخص نابلس والخليل، ولا وجهة سياسية كرام الله أو سياحية كبيت لحم أو دينية كالقدس. انما عرف أهلها بنشاطهم الزراعي، وخاصة زراعة الزيتون.
كان أهالي مدينة سلفيت والبالغ عددهم اليوم ما يقارب (11 ألف نسمة)، يجدون صعوبة في الحصول على رخص القيادة، وعلى خط نقل ثابت لقلة الكثافة السكانية فيها، وكانت طرق المدينة بدائية وغير مشهورة.
محمد حسن أبو ماضي (93 عاماً)، مِن أوائل مَن خضع للتدريب والاختبار وحصل على رخصة القيادة في العام 1944.
يقول أبو ماضي لـ"وفا": دخلت المدرسة من العام 1931 وحتى العام 1935، فقد كان الإنجليز يسمح لطلاب القرى الدراسة للصف الرابع فقط، وفي الصف الثاني ابتدائي حفظنا جدول الضرب غيباً، وما زلت لليوم أردد محفوظة حنان الأب والأم لولديهما، ثم انحدرت للعمل مع والدي، واتخذت قرارا بأن أتعلم السواقة، فقد كان كل من يحصل على الرخصة تغمره فرحة مثل من يحصل على شهادة الطب اليوم.
كانت طريقة الحصول على رخصة باص -على زمن الإنجليز-، تلزم المتدرب الحصول على رخصة "ترك" أولا لمدة ثلاث سنوات، ثم يستطيع الحصول على رخصة الباص.
ويذكر أبو ماضي، "عملت على "ترك" لوالدي مدة طويلة، كنا نحمل مشمش من سلفيت إلى يافا وتل أبيب، عن طريق نابلس طولكرم راس العين ملبس ويافا، وفي كثير من المرات يأخذني الوقت وأنام في فنادق مدن الـ48".
ويضيف: في العامين 1942-1943 عملت "كونترول" مع الشفير فوزي فاير فرحة وهو أول سائق باص في سلفيت، أجمع الأجرة من الركاب، ويعلمني على القيادة في ذات الوقت، حتى تمكنت بشكل جيد، وفي العام 1944 تقدمت لفحص السواقة في دائرة السير بنابلس، حصلت على رخصة قيادة "ترك"، كان رقم رخصتي هو 382.
يقول أبو ماضي: الأيام التي مضت ع البال بتعن، على زمن الانجليز لم يكن هناك فحص نظري "التؤوريا" مثل اليوم، لكن الفاحص بعد الانتهاء من الامتحان العملي يسأل الطالب سؤالين عن الإشارات شفهيا، واذكر سؤالا سألني إياه الفاحص الإنجليزي، وقال لي: أنت في نزلة حادة وهناك سيارة صاعدة والطريق ضيقة يتوجب على من الوقوف؟، فأجبته: أنا، وأكمل واذا لم يكن لديك فرامل بالسيارة، قلت له: اذا لم يكن معي "فرامل" لا اركب السيارة من الأساس.
ويذكر، "وفي عام 1947 حصلت على رخصة باص واشتغلت على باص من نوع "شفروليه"، يعمل خط سلفيت- نابلس وبالعكس، كنا نخرج من سلفيت الساعة السابعة صباحا، ونعود الساعة الواحدة ظهراً، وتنقطع بعدها المواصلات نهائياً، بتسعيرة 10 قروش أردني وعلى الأطفال 5 قروش، ويسمح لنا أن نركب 10 ركاب إضافي في الوسط بعد الكراسي، فقد كان سعر البنزين رخيص ويصرف لنا الإنجليز كوبونات من 150-200 جلن لكل سائق".
"كل أيام الجُمَع نذهب في رحلات المدارس، نذهب إلى البحر الميت وسبسطية والخليل، وفي موقف طريف اذكر انه ذات يوم حصل عطل في الفرامل وأنا بمدينة الخليل كانت رحلة مدرسة لبنات كفر قليل، ولأنه يوم جمعة بحثت عن ميكانيكي ليصلح العطل ولم أجد، وعدت من الخليل إلى كفر قليل بدون فرامل أمشي بهدوء تام"، يقول أبو ماضي.
ويكمل، وفي أيام الأفراح والأعراس، نذهب للعروس في الباص، وتركب خلف الشوفير، وتبدأ النساء بالغناء للشوفير الأغاني الجميلة مثل: "دوس وأنت الدايس يا محمل العرايس يا شوفير"، و"يا شوفير دوس دوس الله يبعثلك عروس".
في الخمسينيات استلم أبو ماضي رخصة أردنية، وافتتح مكتب تكسي "الشرق" في شارع الميناوي بنابلس، مرخص فيه 3 خطوط، نابلس-عمان، نابلس-اربد، نابلس-سوريا.
وينوّه أبو ماضي، "كنت أفطر في نابلس، واتغدى بالشام، وأسهر وأتعشى في بيروت، وفي أيام معرض دمشق الدولي أغلب ليالي المعرض أمضي وقتي في الشام، حيث كان يغلق المعرض الساعة 11 ليلاً، كنت أذهب إلى فنادق الشام ومرات أعود إلى سلفيت، وفي أيام الجمعة والأحد نذهب إلى مطار القدس".
بتاريخ 25-12-2017 جدد رخصته يسري مفعولها لعام واحد فقط، ويقود الآن سيارة من نوع هونداي 2006 خصوصي، يسوقها داخل سلفيت، ويذهب إلى نابلس مواصلات فهو يجد صعوبة في إيجاد موقف لسيارته بسبب وجود عدد كبير من السيارات في المدينة، بحسب قوله.
يذكر أن أبو ماضي عُين في العام 1958 مختاراً لمدينة سلفيت، وبقي لمدة 30 عاما، وشغل عضو بلدية سلفيت حتى العام 1996 وعضوا للجنة إصلاح المنطقة.