قصر أبو حجلة.. فندق سياحي في دير استيا القديمة
عُلا موقدي
على بعد خطوات قليلة من وسط بلدة دير استيا العريقة في محافظة سلفيت، توجد بقايا حضارة ومعالم أثرية بنيت في زمن المماليك، وامتزجت فيما بعد بالطراز العثماني، حيث استقر فيها السلاطين والحكام العثمانيون، وتعرف اليوم بالبلدة القديمة، يزورها السياح من كل حدب وصوب.
تُعد البلدة القديمة أعلى نقطة عن سطح البحر في بلدة دير استيا (453 م)، تتربع على مساحة تزيد عن الستين دونما، تتميز بنسيج عمراني متماسك وكثيف، وممرات ملتوية وضيقة ذات بلاط مزخرف، تدخلها من أربع بوابات حجرية بتقويس متناسق، وعلى كل بوابة مضافة صممت لاستقبال الضيوف والمارة، مجهزه بالبنية التحتية الكاملة، ويسكنها اليوم 16 عائلة.
يتوسط قصر عبد الرحيم أبو حجلة البلدة القديمة، الذي بني قبل 400 عام، وأحضرت حجارته من جماعين، وبنيت باستخدام زيت الزيتون والشيد، وصمم بعلو ثلاثة طوابق، لتكون البلدة وسكانها تحت رقابة سكان القصر، حيث كان مقر للحاكم العثماني وضباطه، كما احتوى على سجن ومشنقة، وفي فترة الحروب العثمانية سكنه آل قاسم، وهي عائلة موالية للعثمانيين في ذلك الوقت، ثم اشترته عائلة أبو حجلة قبل 110 أعوام.
وبحسب موسوعة بلادنا فلسطين لمصطفى الدباغ، فإن عائلة آل أبو حجلة منتشرة في دير استيا وسنيرية وبديا، ويقولون إن أصلهم من عرب الصبيحيين، نزلوا أولا في كفر الديك المجاورة، ثم نزحوا إلى دير استيا.
رئيس بلدية دير استيا سعيد زيدان أوضح لـ"وفا"، في العام 2016 تعاقدت البلدية مع آل ابو حجلة للحصول على القصر لمدة 20 عاما مقابل ترميمه والحفاظ عليه، وانطلقت البلدية بالعمل على أن يكون القصر المقوم السياحي الأول في البلدة القديمة، وأكبر مشروع استثماري للبلدية، من خلال تحويله لفندق سياحي "بيت للضيافة" للسائحين الزائرين لفلسطين بشكل عام ولدير استيا بشكل خاص.
وأضاف زيدان، فاقت تكلفة ترميم القصر مليون شيقل، حيث يتكون من ست غرف فندقية مجهزة بأسرة وخزائن خشبية على الطراز القديم، وأربع غرف للإدارة والمخازن وغيرها، كما يحتوي على مطعم يقدم الأكلات الشعبية الفلسطينية كالمسخن والمفتول.
من جانبه ذكر الباحث والكاتب خالــد أبــو علــي، قبل عدة سنوات قام برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وبالتعاون مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية MOTA، وبمشاركة بلدية دير استيا بأعمال إعادة التأهيل للبلدة القديمة، حيث اشتمل المشروع على إعادة تأهيل بعض الطرق الداخلية وترميم المضافات وبعض المراكز المجتمعية، إضافة إلى تهيئة الساحة القديمة وإنارتها، ووضع مقاعد خشبية فيها وتنسيقها وزراعتها بنباتات الزينة، لتكون اكثر جاذبية وحيوية لاستيعاب النشاط السياحي، لقد شكل مشروع تأهيل وترميم البلدة القديمة لأغراض ثقافية وسياحية وتعليمية ومجتمعية نقطة تحول هامة للبلدة، وأصبحت موقعا هاما على خارطة التراث الثقافي الفلسطيني.
وفي دراسة أعدها عمر موقدي تحت عنوان: "إحياء وتطوير مركز دير استيا التاريخي"، كحالة دراسية لقرى الكراسي في فلسطين، بين أن منطقة القصور فصلت عن القرية بسور ضخم وذلك لزيادة الأمن في وقت كانت تشهد فيه البلاد صراعات ونزاعات وحروبا أهلية، وأحيطت بالأسوار وأبراج المراقبة وسبل الحماية لتشكل وظيفة حكم وإدارة وسكن في نفس الوقت، ما أدى إلى انعكاس هذا الأمر في طبيعة البناء حيث الرهبة والضخامة والغموض.
وبينت الدراسة، تمتلك المدن العربية نموذجا متميزا من التراث العمراني ذي القيمة على مستوى العالم، فتعددت بذلك الرغبة في الحفاظ عليه من قبل الهيئات الحكومية والمنظمات غير الرسمية، وبالجملة فإن هذه المناطق ستكون محطات لتشجيع السياحة فضلا عن الحفاظ على التراث، كما تعتبر تنمية وتطوير المراكز التاريخية في الريف الفلسطيني من التحديات الأساسية من الناحيتين الثقافية والسياسية، وتشكل العمارة التراثية جزءا من تلك التحديات التي تحتاج إلى التحليل والدراسة والتوثيق، وإبراز المضمون الإبداعي لدعم وتقوية الارتباط القومي والتراثي والحفاظ على الهوية الفلسطينية، ويتجسد بذلك أبعادا معنوية تتمثل في الحفاظ على المشاهد التاريخية التي لا يمكن استبدالها، وأبعادا بيئية تساعد في تحسين البيئة المادية للمناطق والمباني القديمة.
تبعد قرية دير استيا 7 كم شمال غرب سلفيت، وتبلغ مساحتها الكلية 36 ألف دونم، وغالبية أراضيها مزروعة بأشجار الزيتون والحمضيات، وتعتبر ثالث بلدة من حيث إنتاج زيت الزيتون في الوطن، واختيرت من بين أجمل عشر قرى فلسطينية، تمهيدا للمشاركة في مسابقة أجمل عشر قرى في حوض المتوسط، وتحيط بها أراضي قرى زيتا، وكفل حارس، وحارس، وقراوة بني حسان، وإماتين، وجينصافوت، وتعتبر من أكبر بلدات الضفة الغربية من ناحية المساحة الجغرافية، وتحتل الرقم الخامس في المراكز التاريخية الفلسطينية.
كما تتميز القرية بالعديد من الخرب مثل خربتي طفسة، وشحادة، والوديان مثل واد قانا، والآثار التاريخية، وبذلك يكون لدى الزائر برنامج سياحي كامل مع مبيت مؤمن، وستنفذ البلدية مشاريع مستقبلية كبناء مكتبة عامة، ومتحف متميز، بالإضافة إلى افتتاح البازارات، وإحياء الأمسيات الشعرية والمعارض الفنية.