نقوش التي لا يرقى اليها الشك في نابلس
بدوية السامري
داخل الجامع الصلاحي الكبير شرق البلدة القديمة لمدنية نابلس، يقف خبير الآثار عبد الله كلبونة أمام نقش يعتبره وحسب رأيه الأهم في المدينة.
"النقش كان مخفيا حتى عام 1996" يقول كلبونة.
فخلال هذا العام "1996" قام كلبونة مع لجنة من مديريتي الآثار والأوقاف في المدينة، للبحث عن نقوش المدينة المخفية، فقاموا بإيجادها".
"أستطيع أن أقول ان نقوش نابلس تتعدى الخمسين نقشا" يقول كلبونة.. "هي الوثائق التي لا يرقى اليها الشك". فهي مهمة جدا لمعرفة تاريخ بعض الأبنية والى أي حقبة زمنية تعود.
"خمسون نقشا تؤرخ وتضيف الكثير من المعلومات عن التاريخ وما عاصرته المدينة".
ويشير بيديه للنقش ويقول، "إن الجامع يحوي نقشين يتعلقان بالمراسيم السلطانية لإعلام الجمهور سياسيا واقتصاديا واجتماعيا".
الأول من الفترة المملوكية ويعود لعام 713 للميلاد، وهو مرسوم سلطاني من والي الشام الى نابلس، وينص على بعض الأمور الاقتصادية، وأمور طائفية، حيث أوصى بعدم التعرض لليهود في تلك الفترة، وكتب بخط النسخي المملوكي، وعلقت بالجامع لأنه كان يعتبر المكان الأول لإعلام الجمهور، ويعتبره الأهم في المدينة.
أما النقش الآخر فيتعلق بالضرائب، وهو أيضا كان في بداية القرن السابع الهجري.
وينفرد الجامع الكبير في نابلس بأن لديه بقايا نقش كوفي، وهو الوحيد الذي ما زالت تحويه المدينة بذلك النوع من الخط كما يقول كلبونة.
ويعبر النقش عن مرحلة تاريخية مهمة للجامع، فقبل أن يكون كنيسة في الفترة الصليبية كان جامعا، وليس كما يعتقد الكثيرين بأنه بني على أساس كنيسة.
ويشير كلبونة الى أن نقوش الجامع الكبير ونقوشا في جامع الساطون هي النقوش الأهم في المدينة، لأنها شاهدة على حقبة تاريخية مهمة، لأول جامع انشئ في المدينة ويعود لسنة 686 هجري، ولتاريخ الجامع الكبير.
وتعتبر النقوش تخليدا لحياة أمة، وتزداد أهميتها اذا ارتبطت هذه الكتابات بتاريخ وحضارة الأمة الاسلامية حيث تعتبر ثروة كبيرة.
والنقوش الحجرية هي عبارة عن ازالة سطح الصخرة لتسجيل هدف انساني حضاري، وعرفت منذ العصر الحجري الحديث قبل 7 آلاف عام، رسومات على الصخور وأماكن مختلفة، كانت شاهدة على حضارات مختلفة، وعندما اخترع الخط أصبح يستخدم للكتابة على الصخور.
وشهد التاريخ الاسلامي كما يقول كلبونة، نوعين من الخطوط: الخط الكوفي وميزته أنه مستقيم وله زوايا حادة، وانتهى استخدامه في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وكان متلازم الخط النسخي، الذي طغى على الاستخدام لأن شكله دائري وأكثر ليونة بالكتابة.
في عام 1925 حضر مستشرق فرنسي الى مدينة نابلس، وقام بنشر 28 نقشا تحويه المدينة.
لكن كلبونة لم يقتنع بالعدد الذي أشار اليه المستشرق وبحث أكثر ليجد وبعد البحث والتنقيب أن المدينة تحوي أكثر من خمسين نقشا، أغلبها داخل البلدة القديمة ومحيطها.
فنابلس ليست مدينة الحلوى والصابون فقط كما اشتهرت، بل ربما هي مدينة النقوش أيضا.
وأغلب النقوش في محافظة نابلس للخط النسخي، وتحوي المدينة بعض النقوش المكتوبة باللغة غير العربية، فيحوي الجامع الحنبلي نقشا باليونانية، وجامع الخضر نقشا بالسريانية. لكن وبعد انشار الاسلام أصبحت اللغة العربية هي السائدة.
وفي دراسة حول نقوش محافظة نابلس للأستاذ شامخ علاونة المحاضر في جامعة القدس المفتوحة، قال إن لها أهمية تاريخية بأنها مصدر من مصادر التاريخ الاسلامي، في الفترة المملوكية والعثمانية، فمن خلالها تستطيع التعرف على مجرى الأحداث التاريخية، والسياسية، والمعمارية، والادارية في محافظة نابلس خلال الفترتين.
ونابلس المدينة مرت بالكثير من الحضارات، والآثار التي تحويها شاهدة على ذلك.
وحول القيمة الفنية لها، يشير علاونة الى أن القيمة الفنية للنقوش في نابلس تتجلى في تنوع أساليب الخطوط وزخرفتها، وتميز الخط العربي بطابع الأصالة الفنية والجمالية بعيدا عن المؤثرات الخارجية.
فلهذه الخطوط قيمة فنية، اذ من خلالها استطعنا التعرف على الطرز الرئيسية للخط التي كانت سائدة في محافظة نابلس في الفترة المملوكية والعثمانية.
وتنوعت أشكال الزخارف للنقوش في المدينة التي ما زالت تظهر حاليا كنقش المستشفى الوطني، فهو يحوي زخرفة نباتية. وهي عبارة عن شريط زخرفي نباتي تتدلى منه أطباق نجمية ثمانية تمثل نياشين أو أوسمة كان قد تقلدها السلطان العثماني محمد رشاد الخامس.
ويعلو الشريط الزخرفي النباتي وبشكل متناسق كافة أنواع الأسلحة المستخدمة في الدولة العثمانية .
وهي تمثل وحدة زخرفية نباتية وهندسية وعسكرية وكتابية متناسقة فيما بين أجزائها. وتشكل مع بعضها البعض شكل النسر ذا الأجنحة المفتوحة.
ويؤكد كلبونة أن على الجميع المحافظة على هذه النقوش من أي عابث، لأنها تميز العديد من الأبنية، وهي مصدر مهم في التأريخ والحفاظ على الموروث الثقافي.