سعود في المثل الفلسطيني
هدى حبايب
ولّت مربعانية الشتاء، وهي أول أربعين يوما من الفصل البارد، منذ يومين، لتبدأ بعدها "السعودات"، التي عرفها الفلسطينيون منذ سنين.
ويقسم الفلاحون السعودات التي تلحق المربعانية إلى أربعة، ويستمر كل واحد منها 12 يوما ونصف، وتبدأ بسعد الذابح، ثم سعد السعود، فسعد بلَع، لتنتهي بسعد الخبايا.
ولا تزال هذه المدة تربة خصبة للفلاحين لقول الأمثال الشعبية فيها، وقد ولدت في التاريخ الفلسطيني أمثال شعبية، ما زال الأجداد والآباء والأبناء يتداولونها جيلا بعد جيل، رغم تغير البيئة والمناخات الكونية.
وارتبطت هذه السعودات بالأمثال الشعبية، وهي أقوال يطلقها الفلاحون على حوادث جاءت تعبيرا عن تجربة محددة، وشاع استخدامها بمناسبة وقوع تجارب أو مواقف مماثلة للتجربة الأصلية، وهي تعد ركنا من أركان التراث الشعبي الفلسطيني.
يقول علي حبايب، وهو أحد سكان مدينة طولكرم، عن سعد الذابح، إنه أول سعود يتبع المربعانية مباشرة: "سعد الذابح مثل المربعانية، إنه شديد البرودة". قديما قال الفلاحون الفلسطينيون عن سعد الذابح، "سعد ذبح لا باب انفتح ولا كلب نبح".
وتشي نهاية المربعانية المعروفة أيامها بأنها الأكثر برودة في فصل الشتاء، بتحسن في درجات الحرارة بشكل عام، حتى وإن كانت في بعض الأوقات باردة، خاصة في ساعات المساء والصباح الباكر.
لكن ذلك لا يشمل سعد الذابح، فالبرودة فيه تذبح الشخص، كما جاء بالأمثال الشعبية القديمة.
ويقول حبايب الذي تجاوز السبعين من عمره، "سعد الذابح يخلّي الكلاب تنابح"، كناية عن شدة البرد التي تتميز بها هذه الفترة، ولا ينجو منها إنسان أو حيوان، وإن كان برده الآن أقل حدة من السنوات التي سبقت، ويضيف "حتى القطط كانت تختبئ تحت كانون النار من أجل على الدفء".
ويحل "سعد بلع" بعد الذابح، وتكون برودته أقل وطأة من سابقه، وكما يقول الفلاحون "بـسعد بلع بتنزل النقطــة وبتنبلــع"، أي مهما هطلت أمطار سواء قوية أو ضعيفة، فإن الأرض تبتلعها، وكأن شيئا لم يحدث.
ويضيف حبايب: إن أمطار "سعد بلع" كانت تعني لهم كفلاحين، تهيئة الأرض للزراعة الصيفية كالبامية والسمسم وغيرها.
وظلت أغلب الأراضي الزراعية البعلية دون زراعة، بعد أن تأخر الموسم المطري لهذا العام.
وفي نهاية سعد بلع، يبدأ التحول الملموس على درجات الحرارة، وتسمى هذه الفترة بـ "سعد السعود"، ويصفه حبايب بمثل تداوله أجداده، "سعد السعود بتدور المي في العود"، يعني قلّم كل شجرك وازرع.
وفعليا يبدأ الفلاحون كل عام، بتقليم الأشجار في تلك الفترة، مثل العنب.
وما بين سعد السعود وسعد الخبايا الذي يليه، تأتي فترة "المستقرضات" ومدتها سبعة أيام، وهي آخر أربعة أيام من شهر شباط وأول ثلاثة أيام من شهر آذار.
وتعرف هذه الأيام باسم "أيام العجوز"، لأنها تقع في عجز الشتاء أي في آخره، وقال فيها الأقدمون "شباط بيقول آذار يا ابن عمي ثلاثة منك وأربعة مني".
ويقول حبايب إن لهذه الأيام قصة مفادها أن عجوزا كانت ترعى أغنامها في وادٍ، في هذه الفترة، وهي تعتقد أن المطر قد انتهى، فغافلها شباط بالمطر الغزير والفيضانات بمـ "حملة المي"، فأخذ العجوز وأغنامها.
ويأتي "سعد الخبايا" رابع السعودات وهو يتميز بدفئه، فتخرج الأفاعي وغيرها من الزواحف والحشرات من مخبئها تحت الأرض، حيث قال فيه كبار السن "في سعد الخبايا بتطلع الحيايا وتتمشى الصبايا".
وبعد هذه الفترة، يكون الشتاء في آخر أيامه.
وينظر مدير عام زراعة طولكرم باسم حماد، إلى فترة المربعانية التي سبقت السعودات، بأنها بشكل عام جيدة ولكنها ليست بالمطلوب للزراعة، بسبب انحباس المطر في بداية الموسم، وقلة البرد المطلوب في هذه الفترة بالذات، لتمكن البراعم الخضرية من التحول إلى زهرية، خاصة في أشجار الزيتون والمحاصيل الحقلية والبستنة.
وأعرب عن أمله بأن تكون الخمسينية التي تضم السعودات بأشهرها شباط وآذار ونيسان، مبشرة بهطول مطري جيد للزراعات الصيفية ولمزارعي القمح والشعير والزيتون.
وأعلنت مديرية زراعة طولكرم، أن كمية الأمطار لهذا الموسم بلغت حتى الآن 390 ملم، أي ما نسبته 65% من المعدل العام، وسجلت منطقة عتيل شمال طولكرم خلال المنخفض الأخير، أعلى كمية أمطار حيث وصلت إلى 135 ملم.