في القدس .. السائح في الاتجاه المعاكس
لورين زيداني
في منطقة باب الجديد في الركن الشمالي الغربي من سور البلدة القديمة لمدينة القدس، يبيع ألفريد رعد التحف الشرقية وهدايا السياح، في دكانه المتواجد في المكان منذ قرابة 50 عاما، مهنة بدأت مع جده أحد أوائل الأدلاء السياحيين في المدينة منذ العام 1910 حيث كان يتقن ثماني لغات، إلى والد ألفريد الذي استمر في قطاع السياحة من خلال دكان بيع التحف منذ العام 1960، ليستمر ألفريد رعد في مهنة العائلة صامدا رغم الظروف التي تحيط بقطاع السياحة في مدينة القدس.
ألفريد رعد واحد من أصحاب 450 محلا مختصا ببيع التحف الشرقية أو ما يسمى "السنتوارية"، تشمل الثياب التقليدية ومنحوتات خشب الزيتون ومصنوعات السيراميك والخزف والصدف السياحي المعبر عن تاريخ المدينة وتراثها، سوق تمتد من باب الخليل غربا إلى سوق البزار فالدباغة وحارة النصارى وشوارع باب السلسلة ومنطقة باب الواد وطريق الآلام بشكل خاص، وتوزعها في باقي حارات البلدة القديمة بشكل عام.
ألفريد وزملاؤه من تجار التحف يعانون الأمرين في تجارة تتراجع يوما بعد يوم، نتيجة ضغط الاحتلال، ويقول "هناك خطة اقتصادية إسرائيلية تستهدف القطاع العربي من القدس خاصة البلدة القديمة، للقضاء عليه وكسره ليتم استبداله بأسواق إسرائيلية ضمن خطة تهويد المدينة، هذه الخطة تضر 90% من تجار البلدة القديمة، خاصة أننا تجار صغار نعاني تدهورا اقتصاديا وعلى مدى السنتين القادمتين ستكون نهاية معظمنا كتجار".
ويتابع "الشركة السياحية الإسرائيلية والدليل والحافلة يعملون على توجيه السائح إلى المحلات الكبيرة، التي يتواصلون معها مقابل عمولة مادية، وبالتالي ابعاد السائح عنا نحن تجار المحلات الصغيرة، علاوة على الضرائب العالية التي تقضي على الدخل المتواضع أصلا، الذي نحصله. استنزفنا مدخراتنا وارتبطنا بالقروض، وخرجنا من معنى التاجر الرابح أو صاحب المردود إلى تاجر بالاسم، كان الدخل اليومي يصل بين 500-1000 دولار، الآن يصل إلى 200 شيقل في أفضل حال".
تراجعت حركة البيع والشراء لدى تجار القطاع السياحي إلى 90% منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، واستمرت بالتراجع في السنوات الأخيرة، بفعل محاربة الاحتلال حتى وصل إلى إغلاق 80 محلا منها، كما يقول رئيس جمعية التحف الشرقية في القدس جواد أبو عمر.
ويؤكد أبو عمر الحملة الشرسة التي يشنها الأدلاء السياحيون الإسرائيليون على التاجر الفلسطيني وصاحب الفندق بالدعاية المشوهة، فيتهمونهم بالسرقة من السياح والتعرض لهم بالاعتداء وسوء المعاملة، حالة الترهيب التي يعيشها السائح تبعده عن البلدة القديمة، فتراجعت الحركة التجارية وأصبحت المحال تغلق أبوابها في الخامسة مساء.
ويقول، "بعض المحال تصل إلى توقف البيع تماما لمدة 3 الى 4 أيام، وبلدية الاحتلال لا تتركنا وتخالفنا دائما كل مرة بعذر جديد، مثلا لم تضع لافتة تمنع التدخين، ومرة ممنوع أن تعلق بضاعتك أمام المحل، حتى طريقة عرض البضاعة أمام المحل والتجاوز لمسافة 5 سم عن المفروض يعني مخالفة، وأيضا لافتة المحل مكانها وحجمها وما كتب عليها، يعرض التاجر للمخالفة".
تفاقم التراجع في الحركة الشرائية في القدس بشكل واضح بعد إقامة جدار الفصل العنصري عام 2006، فحرمت القدس من أسواقها المحلية، والتي في أساسها سياحية حتى لو كانت تجارية، فالوصول إلى حوض البلدة القديمة والتجول في أسواقها والمبيت في فنادقها وزيارة مطاعمها واستعمال قاعاتها للأفراح والاجتماعات جزء من جو المدينة السياحي، وعندما حرمت القدس من روادها من مدن رام الله وبيت لحم وضواحيهما وغيرهما من المدن، حرمت من كونها مركزا لخدمات الفلسطينيين، كأنها حارة صغيرة ألحقت بالقدس الغربية، فتصبح شرقي القدس بدلا من القدس الشرقية، ضمن مخطط التهويد "القدس الكبرى 2020".
وهذا التراجع ألقى بظلاله بوضوح على الفنادق، التي كان عددها 40 في العام 1967 لتتراجع إلى 23 حاليا، حيث أغلق النصف منها تدريجيا منذ العام 2000.
فندق الزهراء أحد الفنادق الباقية والصامدة بصعوبة، يقع بالقرب من باب الساهرة في الركن الشمالي من سور البلدة القديمة، الفندق القائم منذ 100 عام، بني كمنزل مطلع العشرينيات من القرن الماضي ثم تحول الى مدرسة خاصة، ليتحول إلى فندق رسميا في العام 1948، كأول فندق في القدس على مسافة مشي مدة 10 دقائق من باب العامود، شهد في بداياته مكانة عالية فكان مقصد العائلة الملكية الأردنية في زياراتها للقدس.
الفندق الذي يحتوي على 15 غرفة يتميز بجوه الدافئ وقرب تصميمه البسيط من وحي منازل القدس، تعرض للإغلاق لفترة قصيرة بعد حرب العام 1967.
لكن ضغوطات الاحتلال شملته وغيره من فنادق المدينة، فيقول جيمس شماس مالك ومدير فندق الزهراء "بالنسبة لفندق الزهراء انخفضت نسبة الاشغال مع الأحداث في سنة 2017 إلى النصف لتصل إلى 15%، التي لا تغطي المصاريف المعتادة، خاصة مع حجم الضرائب العالية التي تفرض علينا، نحن مثلا لدينا 22 موظفا لا نستطيع إعطاءهم رواتبهم".
ويتابع، "قلة الخدمات المقدمة للفنادق أكبر العوائق في وجهنا، كتحسين المداخل المؤدية للقدس، والاضاءة وإشارات الوصول إلى الفندق التي توفر للفنادق الاسرائيلية، لكنها غير موجودة في منطقة الفنادق العربية، أو حتى في دليل المواقع، وهناك شروط مكان وحجم وطريقة عرض اللافتة الدالة على الفندق، وعدم وجود مواقف لحافلات نقل السياح أو مركبات نقل البضائع".
وعندما يعلم الباص السياحي التابع للجانب الإسرائيلي أصلا أن الوجهة إلى القدس الشرقية، يخلق أعذارا حتى لا يصل، رغم أن الاتفاق مع وزارة السياحة الإسرائيلية ملزم بإيصال السائح إلى باب الفندق بحجة خطر الوصول، ما يخلق انطباعا سيئا لدى الزبون، والدليل السياحي الإسرائيلي يعمل على تشويه صورة الفنادق المقدسية، في مستوى الخدمة والتعامل على أساس ترجيح تميز الفنادق الإسرائيلية".
من جانبه، يشرح رئيس التجمع السياحي المقدسي رائد سعادة زمرة المعيقات التي تواجه أصحاب الفنادق في القدس "إسرائيل تسيطر على جميع الحدود مع الدول المجاورة، فتتحكم بحركة السياح كأن تمنع وفودا تقصد المناطق الفلسطينية من الوصول، إضافة إلى أن معظم وكلاء السياحة والأدلاء السياحيين الفلسطينيين لا يستطيعون استقبال وفودهم في المطار كالإسرائيلي، والزبون القادم لا يجد وسيلة نقل فلسطينية لإيصاله ووسيلة النقل الإسرائيلية ترفض إيصاله إلى القدس الشرقية".
وعزل المدينة عن سوقها المحلي أدى الى انقطاعها عن سوق العمل الفلسطيني، العاجز عن الوصول إليها فالفندق سابقا عندما كان يحتاج طاهيا واحدا يجد 20 متقدما للعمل، أما الآن فهناك نقص في الأيدي العاملة".
لكن السياحة الدينية الإسلامية التي نشطت في المدينة في السنوات الأخيرة، حركت القطاع السياحي بشكل أو بآخر، وسندت الفنادق والمرافق الاخرى كما يرى رائد سعادة.
من جهته، أكدت وزارة السياحة على لسان ناطقها الاعلامي جريس قمصية في حديث له مع "وفا"، أنها تتعامل مع القدس بخصوصية كونها مركز الثقل السياحي بالنسبة للفلسطينيين رغم صعوبة الوصول والتواصل، بسبب سريان القوانين الإسرائيلية وذلك من خلال التعامل مع عدد من المؤسسات السياحية التي تعتبر مظلة القطاع هناك، كجمعية الفنادق العربية في القدس، ووكلاء الأراضي المقدسة للسياحة الوافدة، ونقابة أدلاء السياحة العرب، من خلال ورش عمل ودورات تدريبية وبرامج عمل مشتركة من أجل دعم القطاع في الإمكانيات المتاحة.
ويقول، "عملنا في الفترات السابقة على المشاركة في معارض السياحة العالمية، من أجل التواصل مع وكالات السياحة الدولية دون التحكم الإسرائيلي، خصوصا أن الحجز للوفود أصبح ممكنا بشكل كبير عن طريق الإنترنت".
ويضيف أنه من خلال حملة ترويجية للسياحة، فلسطين كمقصد سياحي مستقل لديه مواقع ثقافية ودينية وتاريخية، شملت المشاركة في معارض سياحية وجولات ترويجية ولقاءات وورش عمل مع القطاع السياحي في دول مختلفة، شملت زيارات تعريفية استضفنا من خلالها وفود من وكلاء السفر، لتعريفهم بالواقع وزيارات وفود إعلامية من عدة دول، لتعريفهم بالمواقع، وإنتاج مواد إعلامية تعريفية ترويجية في أكثر من 10 لغات، منها نشرات تعريفية وكتيبات وخرائط وبرامج وملصقات وأفلام ترويجية وحملات إعلانية في عدد من الدول.
ويتابع "هذه الحملة شملت القطاع السياحي الفلسطيني في كل المناطق، خاصة القدس قلب البرنامج السياحي الفلسطيني، ولا يمكن لأي برنامج سواء برنامج سياحة دينية أو سياحة المسارات أو برنامج سياحة ثقافية إلا أن يشمل زيارة القدس، لتكون المقصد السياحي الأول لدى زيارة فلسطين".
التاجر ومالك الفندق والمطعم وأي مرفق سياحي في المدينة يحتاج دعما ماديا بالدرجة الأولى، ليعزز صموده ويكفى قوت يومه ويخفف عبء الضرائب التي تثقله، ليضمن البقاء فاعلا غير مفكر في إغلاق أو هجرة.
فالسياحة في مدينة القدس ليست لاعبا وحيدا بل ترتبط بشكل تسلسلي مع الحياة التجارية والاجتماعية والثقافية، خاصة أنها حجر الأساس في صورة المدينة عامة، وتتميز بالأماكن الدينية والأثرية، ولديها إمكانيات التطور في حال وجود خطط ترويجية، تستهدف تعزيز الهوية الفلسطينية خاصة المقدسية وحسن ضيافتها.
ــــــ