ذكريات الأرض المسلوبة
معن الريماوي
توقفت بنا السيارة بالقرب من أحد منازل قرية جيبيا، هناك كان أهالي القرية يحتجون على مصادرة قوات الاحتلال لأكثر من 4000 دونم من القرية اضافة الى قريتي أم صفا وبرهام. في المكان تجمع عدد كبير من أهالي القرى الثلاث، ينتظرون تجمع فوج آخر للذهاب الى المكان، حيث الأراضي التي تم الاستيلاء عليها.
يطلب أحد المواطنين منا الانطلاق، بدأنا بالسير، مشينا ما يقارب الساعة في طريق وعرة ومليئة بالوحل. قطعنا نصف الطريق التي شقها الاحتلال لأهدافه الاستيطانية، حتى بتنا أسفل مستوطنة "حلموشة" المقامة على أراضي قريتي النبي صالح وأم صفا.
بين زحمة الصحفيين والمواطنين المتواجدين في المكان، يجلس عبد القادر أبو زياد على حافة الطريق ليأخذ قسطا من الراحة بعد ما انهكته الطريق الطويلة التي قطعها ليصل إلى المكان، الذي لم يعد كما كان في السابق.
يشير بيديه نحو أرضه. يخبر المتواجدين بما آلت اليه الأوضاع، "من هنا تبدأ أرضي لغاية تلك التلة البعيدة، أربعون دونمًا، اليوم لم تعد موجودة، كلها سرقت".
يسبق الحاضرين ويخطو أمامهم بخطوات سريعة ومتلاحقة وهو يقول أن أرضه صودرت من قبل سلطات الاحتلال، التي شرعت قبل أيام قليلة بشق طريق استيطاني يمتد من أمام مستوطنة "حلميش" المقامة على أراضٍ محتلة لمواطنين في قرى شمال رام الله، نحو أراضي قرى أم صفا وجيبيا وبرهام، لتستولي بهذا الطريق على أكثر من 4000 دونم.
"هذه الطريق أخذت جزءا كبيرا من أرضي، وما تبقى سيتم الاستيلاء عليه" قال أبو زياد.
لم يكن الستيني أبو زياد من قرية جيبيا شمال رام الله، يتوقع بأن الأرض التي ورثها من أبيه الحاج أبو حسن ستتم مصادرتها.
"كل حياتي كانت هنا. أتذكر اللحظات التي كان يرسلني أبي لفلاحة هذه الأرض والاعتناء بها وزراعتها، واللحظة التي كنت أهرع بها أنا وأغنامي لنسبق رعاة الأغنام من أم صفا وبرهام"، قال أبو زياد.
ثم أشار الى شجرة البلوط الواقعة في الجهة المقابلة "هنا كنت أنام كلما شعرت بالتعب، واحيانا كنت اتأخر في العودة للمنزل، فالجلوس أسفل هذه الشجرة يشعر الشخص بالطمأنينة والهدوء".
يؤكد أن هذا المخطط الاسرائيلي يهدف لفصل القرى عن بعضها البعض واقامة بؤر استيطانية جديدة، "لن نرى بعد اليوم رعاة أغنام هذه القرى الثلاثة تقطع الجبال والطرق حتى تصل لتطلق العنان لأغنامها لترعى كيفما تشاء"، قال ابو زياد.
ما زالت ذاكرته تضج بالتفاصيل الجميلة التي قضاها برفقه عائلته على مدى ستة عقود مضت، يتحدث عنها بكل حب وانتماء لها، "فالطفولة عشتها في الأرض، أحرسها وأنام فيها".
يتوقف قليلا، ثم يقول "حالي كحال باقي أهالي القرية والقرى المجاورة".
رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف قال لـ"وفا": هذا المخطط يؤكد على انفلات عقال الأمور من قبل حكومة الاحتلال في خطوات عدوانية لم يسبق لها مثيل، في محاولة السيطرة على أراضي الفلسطينيين ومصادرتها وتوسيع مشروعها الاستيطاني لاستكمال تشكيل ما يسمى بالكتل الاستيطانية الكبرى، التي تستطيع فصل أراضي الفلسطينيين الى كنتونات ومعازل، وعزل السكان أنفسهم لمنع اقامة أية تواصل بين هذه التجمعات، لمنع اقامة دولة فلسطينية مستقبلية.
وأشار الى أن هذا المشروع يستهدف الاستيلاء على أكثر من 4000 دونم، بهدف ربط مستوطنة "حلميش" مع مستوطنة "عطارت" من جهة و"نحلئيل" من جهة أخرى، وإعلانها اراضي دولة، ثم ربطها مع المستوطنات الواقعة في المنطقة الغربية ومع الخط الاخضر، ومع طريق 443 الواصلة الى القدس، لتشكيل رأس استيطاني يصل الى منطقة عطارة بالقرب من رام الله وبير زيت ليفصل المدينة عن تجمعاتها الريفية بالكامل.
"هذا العمل الذي تقوم به حكومة الاحتلال غير قانوني وغير شرعي وكله اعتداء على اراضينا وممتلكاتنا الخاصة، يجب أن نواجهه على عدة مستويات، حيث سيتم الاعتراض على هذه الاجراءات غير القانونية، وسيتم الاعتراض على المساس بالأراضي وتثبيتها للمواطنين. واستكمال فتح طريق تربط هذه الأراضي مع قرية جيبيا وبرهام لتمكين أصحاب الأراضي من الوصول لها. فضلا عن البدء باستصلاح الأراضي كاملة وتنظيفها بالتعاون مع المجالس المحلية والسكان في هذا المكان". قال عساف.
ــــــــــــــــــــــ