بيت الضيافة.. ترميم الطريق أمام السياحة في عرابة
يامن نوباني
تسعى بلدة عرابة منذ عام 2005 إلى "لملمة" خيوط سياحتها، وإعادة نسج وإصلاح رقعتها الأثمن المتمثلة في قصور آل عبد الهادي الثلاثة عشر، والتي كان آخرها ترميم قصر رشدي عبد الهادي، وإعادته للحياة على شكل فندق سياحي، أطلق عليه "بيت الضيافة".
قبالة قصر رشدي عبد الهادي، أحد القصور الثلاثة عشر، الواقعة في الجهة الشرقية ووسط عرابة (13 كم جنوب غرب جنين)، يغلي الشاب خالد موسى في دكانه ومقهاه الصغير والمتواضع القهوة لأحد المارة.
يُطفئ موسى غاز الطهي ويركن غلاية القهوة جانبا، في انتظار خطوات أخرى تقود صاحبها إلى المكان، بعد ساعتين يلتقط طفل كيسا من"الشيبس" ثم يضع ثمنه في يد موسى ويمضي. بعد العصر يبدأ كبار السن بالتوافد على المكان للعب الشدة والدومينا.
موسى الذي انتقل من عمله في تحميل وتنزيل العلف، أعاد افتتاح المكان المغلق منذ 50 عاما، بعد أن كان دكان أقمشة لشافع عساف، في الوقت الذي رأى فيه مهتمون من أبناء عرابة، ترميم عدد من القصور، وخاصة قصر رشدي عبد الهادي وتحويله إلى بيت للضيافة، بالخطوة الجدية نحو تفعيل السياحة الداخلية في البلدة، وإعادتها إلى عصرها الذهبي، حين كان سوق السيباط الذي يتوسط القصور، يعج بالمرتادين والمتجولين والدكاكين.
غابت عائلة عبد الهادي، آخذةً معها المظاهر الوجاهية والدفاعية والقتالية عن عرابة، وغاب سوق السيباط المزدهر، حيث انتهت آخر دكاكينه في العام 2000، وأغلق باب فرن "أبو العجايز" سنة 1985.
القصور والبلدة القديمة اليوم شبه مهجورة، سوى من بضع عائلات تسكن أطرافها، ومسجد قديم، ودكان عند المدخل الجنوبي، ومقهى عند المدخل الشمالي، ودكان ومقهى خالد في وسطها.
13 قصراً في المنطقة الشرقية من البلدة، مساحة أصغرها 500 دونم، وأكبرها 1500 دونم، ومن أبرز أمثلتها: قصر صالح عبدالهادي، وهو أول قصر جرى بناؤه، حيث قام صالح عبدالهادي والد الشيخ حسين ببنائه عام 1808، وقصر عبد القادر اليوسف عبد الهادي، بُني عام 1812، وقصر الشيخ حسين عبدالهادي بني عام 1820.
أثناء الحروب على الحكم، انتقل جزء من آل عبد الهادي إلى نابلس، حيث بنوا هناك أيضا قصورا ونافسوا على الحكم فيها.
في بدايات سبعينيات القرن الماضي، هجر آل عبد الهادي قصورهم الـ13 في عرابة، أربعة منها جرى ترمميها وتحويلها إلى منافع عامة (اجتماعية وثقافية) وأخرى تنتظر الدعم للبدء في الترميم، وأخرى مدمرة ولا تصلح للترميم، كما يظهر على أطراف البلدة القديمة بقايا الأسوار والقلاع والأبراج العسكرية التي بنيت لحماية المنطقة، وهي مؤلفة من طبقتين إلى ثلاث طبقات، وهناك ستة مداخل للبلدة القديمة، تعمل بلدية عرابة على إعادة اصلاحها وخاصة تبليط الأرضيات.
وبحسب سعيد حجة، أمين عام مكتبة بلدية عرابة ودليل سياحي: فعائلة عبد الهادي "كرسي من كراسي الدولة العثمانية"، وكانت تحكم حسين باشا من خليج عكا وحتى خليج العقبة، حتى انهيار الحكم العثماني. أثناء الاستعمار البريطاني تفتت العائلة، وكان آخرهم فخري بيك. بعد ذلك هُجرت قصور، وبيعت أخرى، وهدم بعضها نتيجة الحروب. وفي نابلس أنشأ آل عبد الهادي صبّانات وبنوا قصرا مشهورا.
ويضيف حجة: كان حسين عبد الهادي شخصية سياسية محنكة ولامعة في تلك المرحلة وله علاقات قوية مع الاتراك، وكان نفوذه من خليج عكا الى خليج العقبة حتى صور وصيدا، وله قناة ماء ومسجد في عكا، وبنى جسر الشيخ حسين بين بيسان والأردن لنقل الحجاج.
عرابة كممر سياحي
يرى حجة، أن الاهتمام بتاريخ عرابة وإعادته للواجهة يأتي ارتباطا بمسار ابراهيم الخليل وهو طريق ثقافيٌّ طويلُ المسافة. يبلغ طول المسار 330 كيلومترا ويمتد من قرية رمانة شمال غرب جنين إلى بيت مرسم جنوب غرب الحرم الإبراهيمي في الخليل. يمرُّ الدّرب عبر 53 مدينة وقرية حيث يمكن للمتجوّلين والمشاة والمسافرين تجربة الضيافة الفلسطينية الأصيلة، فهو يُعد وسيلةً للالتقاء وخلق علاقات مع الفلسطينيين والمتجولين من جميع أنحاء العالم.
يقول حجة: أصبحت عرابة مركزا رئيسيا لمسار ابراهيم الخليل، ومحط انتظار للوفود المحلية والخارجية، وباتت الوفود بحاجة لمكان راحة ومنام، رغم أن عرابة توفر في بيوت المواطنين بيوت ضيافة، إلا أن الحاجة لفندق على شكل بيت ضيافة، باتت مُلحّة.
ويضيف: بيت الضيافة مكون من طابقين، الطابق العلوي يحوي 6 غرف للمبيت، والطابق الأول فيه قاعة استقبال وقاعة طعام وقاعة كبيرة لعدة استخدامات. ويعود بناء القصر إلى بدايات العام 1900، وهو آخر قصر بناه آل عبد الهادي في عرابة، ويُعرف بقصر رشدي عبد الهادي.
ويوضح: هناك معلومات شبه أكيدة بوجود مخططات القصور في متحف فرنسي، لا أحد يعلم بناء تلك القصور، لكن التخمينات بأنهم فلسطينيون وسوريون. فالقصور بنيت على النظام الاسلامي الدمشقي وتشبه تلك القصور الموجودة في اسطنبول وسوريا.
وبحسب مقال نشر في "الحياة الجديدة" 2014، تعتبر عرّابة، واحدة من قرى الكراسي، التي شكلت مراكز للعائلات الاقطاعية. تقول الدكتورة سعادة العامري التي أعدت كتابا عن قرى الكراسي في فلسطين: "شكلت الناحية، وتدعى أيضا المشيخة، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وحدة ادارية ضريبية مستقلة، وتمتع المشايخ، حتى منتصف القرن التاسع عشر، بقوة سياسية عالية ونفوذ وثروات وفيرة نسبيا، وذلك من خلال النظام الضرائبي المعروف باسم الالتزام".
وحسب العامري: "كان لكل مشيخة مركز اداري يدعى قرية الناحية، أو قرية الكرسي، وهي عادة مقر ادارة لشيخ الناحية، ومكان سكنه". مشيخة عبد الهادي انحصرت فيما يعرف بمنطقة الشعراوية الشرقية، الواقعة غرب الطريق الواصل بين نابلس وجنين ومركزها بالطبع عرّابة، وعددها 14 قرية.
وفيما يتعلق بعرابة وعائلة عبد الهادي تذكر العامري: "ارتبط اسم وشهرة عرّابة، وآل عبد الهادي من بعدها باسم الشيخ المحنك والمناور سياسيا حسين عبد الهادي، ففي عام 1834 كان الشيخ حسين عبد الهادي، من أهم وأقوى الشخصيات السياسية في المنطقة على الإطلاق، ليس فقط في جبل نابلس، بل في بلاد الشام، وبذلك تقدمت مكانة آل عبد الهادي في عرّابة على جميع العائلات الاقطاعية في المنطقة.
ويعيش اليوم 13 ألف نسمة في عرابة، ويُقدر عدد أهالي البلدة القاطنين خارجها بنحو 60 ألف بحسب تقديرات البلدية، فيما تبلغ مساحتها 37 ألف دونم.
_