الانتظار الصعب
زهران معالي
منذ قرابة 15 ساعة، تلازم عائلات خمسة شبان مدخل العناية المكثفة في مستشفى رفيديا الحكومي في مدينة نابلس، وسط ترقب لتحسن حالتهم الصحية بعد إصابتهم بجروح خطرة أثناء مواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي في منطقة الجبل الشمالي الليلة الماضية.
داخل غرفة العناية المكثفة، يسارع الأطباء لمواجهة أي تغيير يطرأ على حالة الشبان الخمسة كلما تعالت أصوات الأجهزة الطبية الموصولة بأنابيب غرزت بأجساد المصابين من أخمص القدم حتى الرأس، فيما اختفت الستائر بينهم، ففاقد للوعي يتنفس عبر الأجهزة يجاور من لا يقوى سوى على فتح جفونه وآخر لا يستطيع تحريك ظهره.
ووفق مصادر طبية وأمنية فإن 70 مواطنا، أصيبوا مساء أمس الثلاثاء، واعتقل خمسة آخرين خلال مواجهات مع قوات الاحتلال الاسرائيلي التي اقتحمت منطقة الجبل الشمالي في المدينة.
في يمين غرفة العناية، يحاول الطبيب فتح جفون الطفل سليمان إبراهيم قطناني (15 عاما) الذي تورم وجهه وازرقت جفونه، يتمسك بأمل النجاة عبر أجهزة طبية، بعد إصابته برصاصة في منطقة الصدر، فيما تملؤ الأنابيب جسده ويده التي خط عليها "أحمد نصر جرار".
على السرير الثالث بالجهة المقابلة، يرقد حربي مجدي عاشور (18 عاما) بعد أن أجريت له عملية جراحية إثر إصابته برصاص حي في القدم اليسرى، أدت لتهك الشريان والوريد ونزيف حاد في جسمه، يحاول تذكر اللحظات الأخيرة التي كان فيها بين زملائه في ميدان المواجهة.
عاشور الذي يعمل في أحد مطاعم المدينة، خرج للسهر برفقة أصدقائه، إلا أنه تفاجئ باقتحام جيش الاحتلال للمدينة بساعات مبكرة من مساء أمس لم تشهدها المدينة منذ سنوات، هب برفقة الشبان لمواجهتهم، إلا أن الاحتلال فتح النار عليهم بشكل جنوني، وفق قوله.
ويضيف عاشور لـ"وفا"، "الاحتلال تعمد إطلاق الرصاص الحي في مناطق قاتلة بالصدر والقدم، خمسة أمتار فقط كانت المسافة بيني وبين جنود الاحتلال إلا أنهم أرادوا قتلي".
ويتابع: عادة لا يدخل الاحتلال المدينة بهذا الوقت، والاحتلال تعمد اصابتنا بغرض القتل.
على مدخل غرفة العناية، تقف أم حربي بأعصاب مشدودة ووجه شاحب تظهر عليه علامات التعب، تنتظر أن يسمح لها الأطباء بالدخول لرؤية فلذة كبدها.
أم حربي التي حاولت التواصل مع ولدها ليلة أمس تفاجأت بأن أحد المسعفين يجيب على هاتفه ويخبرها بأنه أصيب بجروح خطرة ويرقد بمستشفى رفيديا.
خرجت الأم المكلومة مسرعة برفقة عائلتها للمستشفى، لكنها بقيت رهينة "ساعات الانتظار الأصعب في حياتها" أمام غرفة العمليات طوال أربع ساعات.
"كان ينزف بغرفة العمليات، اربع ساعات بقي فيها، منذ أمس لم اغادر المستشفى حالته صعبة". تؤكد أم حربي.
وتتابع: الاحتلال يتعمد استهداف الشباب يصطادهم خلال المواجهات، لكن شبابنا يتمتعون بالقوة، حربي عمه شهيد وابن عمه شهيد ووالده اسير محرر، عندما يشاهد جرائم الاحتلال يثور دمه باستمرار.
ويوضح رئيس قسم التمريض بالمستشفى ضياء شنابلة أن أربعة من الشبان الخمسة الذي أجريت لهم عمليات مستعجلة ويرقدون بالعناية المكثفة أصيبوا بالرصاص الحي في الصدر فيما أصيب الخامس بمنطقة القدم.
ويضيف شنابلة أن اثنين منهم مازالت إصابتهما خطرة، حيث يرقدان على جهاز التنفس الاصطناعي وهما سلميان قطناني (15 عاما) وأشرف محمد فاعور (19 عاما)، وكلاهما أصيبا بالصدر، فيما وصفت جروح الثلاثة الآخرين بالمتوسطة وهم: مهدي أحمد أبو خليل (18 عاما)، وحربي مجدي عاشور (18 عاما)، وأيمن سامر نصار (26 عاما).
وأعادت مواجهات الليلة الماضية للطواقم الطبية بمستشفى رفيديا مشاهد انتفاضة الأقصى عام 2000، فخلال ساعة واحدة استقبلت الكوادر الطبية 53 إصابة غالبيتها بالرصاص الحي، وفق مدير عام المستشفى د.قاسم دغلس.
ونوه دغلس إلى أن الإصابات وصلت خلال ساعات واحدة للمستشفى، حيث كان إطلاق النار عشوائي وهمجي، إلا الطواقم الطبية تعاملت مع جميع الحالات بسرعة ومهنية، حيث حضرت كافة الطواقم للمستشفى.
وأشار إلى أن الإصابات تنوعت بين الأجزاء العلوية من الجسم في منطقة الصدر حيث أدخل 5 حالات لغرف العمليات، وأخرى متوسطة في منطقة الأطراف والخاصرة وإصابات أخرى تعرضت للدهس من جيبات الاحتلال.
وأضاف دغلس أنه بقي في المستشفى حتى اللحظة 23 جريحا، وجرى تقديم العلاجات اللازمة لبقية المصابين ومغادرتهم المستشفى.
ـــــ