"السرايا".. عندما يصبح بيت الحاكم مركزا مجتمعيا
لورين زيداني
عند وصولك مدخل سوق العطارين في البلدة القديمة بالقدس، وبتوجهك يسارا تصل إلى أزقة عقبة السرايا التي أخذت اسمها من المبنى العريق الذي تحتضنه "بيت السرايا" الذي بناه واتخذه متصرف القدس محمد باشا العثماني، بيتا له في العام 1865 م، وبقي مسكنا للحكام الأتراك في القدس من بعده، حتى زمن الحاكم رشيد باشا.
والسرايا عبارة عن مبنيين توأمين، امتلكت عائلة القواس القسم الغربي منه في العام 1922 وحتى العام 1988، أما بالنسبة للقسم الشرقي فقد امتلكته ثلاث عائلات: محمد صالح الجنيني، ومحمد أديب الصليبي، وعائلة ثالثة يهودية الأصل في العام 1936، لتستولي عليه جمعية "عطيرات كوهنيم" عام 1980، وأضافت بناء مفتوحا على سطحه باتجاه المسجد الأقصى للقيام بطقوس دينية.
بالعودة إلى القسم الغربي فقد استأجرته جمعية الرعاية العربية بالقدس بمساعدة أهل الخير من عائلة القواس في العام 1988، وامتلكته رسميا في العام 1989، ورممته على مدار عامين، لتفتتح مركز السرايا لخدمة المجتمع في 14/1/1991م.
عند الدخول إلى القسم الغربي، أي مركز السرايا لخدمة المجتمع، تستقبلك أربع درجات تفضي الى ساحة توزعت فيها ثلاث غرف، وإلى يمينك درج يأخذك إلى الطابق الثاني الذي يضم غرفتين، إضافة إلى مرافق المنزل، وعلى يمينك مرة أخرى يأخذك الدرج إلى الغرفة الأخيرة التي تتربع في صدر الطابق الثالث من السرايا.
البيت ما زال محافظا على الأقواس وزخرفات الجدران القديمة، ممتزجة بفنون الأطفال الذين يستقبلهم مركز السرايا لخدمة المجتمع ويقدم لهم خدماته.
وتحدثت مديرة المركز هيام عليان، لـ"وفا"، عن البرامج التي يشملها المركز والتي تستهدف الطفل والمرأة.. فللطفل برنامجان أحدهما يختص بالمهارات الحياتية التي تدعم صمود المقدسيين، والثاني برنامج للتعليم، وبرنامج ثالث للتمكين النسوي.
تقول عليان عن برنامج المهارات المخصص للأطفال: "المهارات الحياتية تعني مهارات التفكير العليا، التي تدفع للتقييم والتحليل والتفكير الايجابي في حل المشاكل، وأن يكون لدى الطفل نظرة للمستقبل، وتعزيز الثقة بالنفس، والعمل على الهوية الذاتية والهوية الوطنية، وفي هذا البرنامج نستعين بوسائل الفن، الرسم والدراما والموسيقى والدبكة، خاصة القصة التي توصل رسالة للطفل، التي تعطيه معلومات ومفردات وتجارب يستفيد منها في حياته".
وتؤكد أن هذا البرنامج لا يمكن تنفيذه دون امتلاك الأطفال قدرات القراءة والكتابة، خاصة مع وصول نسبة التسرب من المدارس في القدس حسب وزارة المعارف الإسرائيلية إلى ما يربو على 40%، فكان برنامج التعليم الذي يعمل فيه مركز السرايا مع الصفوف من الأول وحتى الخامس الأساسي، من خلال امتحانات فحص قدرات الطلاب في مواد اللغة العربية والانجليزية والرياضيات، ويتم العمل معهم من خلال اللعب، على تعزيز مهارات الكتابة والقراءة والفهم والتحليل ومسائل الرياضيات، من خلال فعاليات غير تقليدية ومشوقة في مجموعات صغيرة كل 5 أطفال مع متطوع تم تأهيله من قبل المركز، الذي عمل في العام الفائت مع 25 مدرسة و5 آلاف طالب.
"الأطفال الوافدون إلى المركز معظمهم من المتسربين من المدارس، ويعانون من مشاكل أسرية واجتماعية وظروف صعبة، يأتون بإرادتهم ويشاركون بكل الفعاليات المقدمة، بحيث تكون استراتيجية السرايا على المدى البعيد أن يكون الطفل مستقبلا قادرا على تغيير ظروفه ونقلها لآخرين من حوله، فيدرك أهمية التعليم وتطوير ذاته واكتشاف مهاراته بعيدا عن العنف والمخدرات"، تقول هيام عليان.
أما برنامج التمكين النسوي فيتضمن توعية وتمكين شخصي واقتصادي وتعليمي، فمن الناحية الاقتصادية يقدم المركز دورات في التجميل وصناعة المجوهرات وإعادة التصنيع بهدف تقوية المرأة ماديا، علاوة على دروس محو الأمية، والحصول على شهادتي الصفين السادس والتاسع الأساسيين.
التمكين الاقتصادي وتطوير الشخصية برأي هيام عليان، تقوي المرأة لمواجهة الصعوبات "برامجنا تعمل على الثقة بالنفس، وتحديد الهدف ونقاط القوة ونقاط الضعف، أو المواضيع التي تطلبها النساء مثل كيفية التعامل مع زوجها وأبنائها، كاللواتي يتعرض أبناؤهن للضرب والاعتقال في طريق المدرسة من قبل الاحتلال ومستوطنيه، بحيث نقدم التوعية ونعمل على تقوية النساء للتعامل مع ابنها من خلال الحوار وإبداء النصيحة، خاصة أن مجتمعنا غير معتاد أو مهيأ لهذا الحوار".
أيضا هناك معيقات مجتمعية تواجه المرأة ونعمل عليها، فمثلا أبوية الأسرة وانعدام صوت المرأة في تحديد مستقبل أولادها، أو ضيق مكان السكن وتشاركه مع آخرين، خاصة مع ظروف البلدة القديمة المضغوطة بكثافة السكان دون مساحة للتوسع، يجعلها مضطرة للتعايش مع ظروف صعبة".
المستوطنون الذين امتلكوا القسم الشرقي لم يكتفوا، بل حاولوا الوصول إلى القسم المخصص لمركز السرايا في العام 2007 من خلال الحفر تحت الأرض بحجة ترميم مطبخهم، ليتفاجأ أهل المركز في اليوم التالي بالمستوطنين يتجولون في الساحة الصغيرة التي تفصل بين المبنيين، وتعود ملكيتها للمركز، وقد فتحوا بابا كبيرا عليها.
تقول هيام عليان، "لم نسكت على دخولهم إلى جهتنا، بل أبعدناهم بمساعدة أهل البلدة القديمة، وأغلقنا الباب الذي فتحوه بجدار، وقد حاولوا مرارا الدخول إلى المركز ومنعناهم، وعندما يحدث توتر في البلدة القديمة نبقي الأطفال داخل المركز ونغلق الأبواب، خوفا من استفزاز المستوطنين، ونوصلهم إلى منازلهم بأمان، إلا أننا نعمل عادة على تجنب المستوطنين ولا نحتك بهم".
وجود مركز السرايا لخدمة المجتمع في قلب البلدة القديمة جزء من إثبات المقدسيين لوجودهم وحقهم في أرضهم، خاصة مع تحكم مؤسسات الإسرائيلية في مجرى الحياة في القدس، إلا أن صمود المدينة وأهلها ومركز السرايا لخدمة المجتمع بشكل خاص لا يستمر الا بالدعم المادي، للاستمرار بالمشاريع وإيفاء التزامات المركز تجاه موظفيه، في ظل أعباء الضرائب المفروضة من قبل حكومة الاحتلال.
ـــ