"أبو جهاد": تخطيط لاقتحام وزارة الدفاع الإسرائيلية
أسامة العيسة: نُشر على شبكة الانترنت، في بداية العام الجاري، فيديو نادر، يظهر الشهيد خليل الوزير (ابو جهاد)، يتحدث نحو ساعة مع مجموعة فدائية، قبل انطلاقها لتنفيذ عملية ضد وزارة الحرب الاسرائيلية في تل ابيب عام 1995م.
ولم يتطرق ابو جهاد، الذي اغتالته قوات الاحتلال، في منزله في تونس، بعد ذلك بثلاث سنوات، لتفاصيل العملية، كثيرا، ولكنه حرص على اعطاء توجيهات عامة، ورفع الروح المعنوية للمشاركين.
ولم تكن هذه المرة الاولى التي يجري فيها الحديث اعلاميا عن تلك العملية، ففي نيسان 1998م، نشرت صحيفة معاريف الاسرائيلية، تقريرا، عن اغتيال ابو جهاد، تطرق الى العملية، وأشار معد التحقيق عمير ريبروت إلى ما وصفها تفاصيل يتم الكشف عنها لأول مرة عن تلك العملية، التي أحبطتها إسرائيل في شهر أيار/ مايو 1985، وكانت السبب، على الأرجح الذي جعل إسرائيل تخطط لاغتيال أبو جهاد.
وتحدث تقرير معاريف آنذاك، عن ما وصفه خرق استخباري ادى الى احباط تلك العملية، ولأهمية هذا الموضوع، التقى مراسل (ألف) اللواء المتقاعد يوسف الشرقاوي، أحد الذين يظهرون في الفيديو، وشاركوا في الإعداد للعملية، التي لو نجحت، لشكلت اختراقًا فلسطينيًا هو الأكبر، في الصراع الطويل مع إسرائيل.
يقول الشرقاوي ان أبا جهاد كان يولي أهمية كبيرة لعمليات تنفذ داخل إسرائيل، من خلال البحر، مثلما فعل في عملية فندق سافوي في تل أبيب عام 1975، وعملية الشهيد كمال عدوان، المعروفة إعلاميا باسم عملية الشهيدة دلال المغربي عام 1978، والتي تمكن خلالها مجموعة من الفدائيين السيطرة على حافلة اسرائيلية بعد وصولهم الى تل ابيب عبر البحر الابيض المتوسط من لبنان.
ويشير إلى أن أبا جهاد، كان خبر شاطئ يافا في صغره، وخطط لإرسال مجموعات فدائية في منطقة كان يسبح فيها، على شاطئ يافا، يسهل التسلل منها إلى تل ابيب، وهو ما حققه من خلال عملية دلال المغربي. ويقول الشرقاوي، ان أبا جهاد كان رجلا هاجسه البحر، فهو الرجل الأول المسيطر على قوات البحرية الفلسطينية، وبعد استشهاده، يروي الشرقاوي بأنه زار منزله في تونس، ورأى على الحائط صورة تجمع بين أبو جهاد والمناضل الاممي جيفارا، وعندما استفسر علم، بان الاثنين اجتازا دورة ضباط بحري في كلية تشرشال في الجزائر، وكان ذلك قبل عام 1964.
وخلال حصار طرابلس عام 1983، فكر أبو جهاد بتنفيذ عملية في قلب تل أبيب، الهدف منها إرسال رسالة قوية إلى العالم والى اسرائيل وللشعب الفلسطيني ايضا، بأن منظمة التحرير التي تعرضت آنذاك للحصار، ما زالت موجودة وقوية ومستمرة في الكفاح.
ويقول الشرقاوي: " أثناء خروجنا من طرابلس بالسفن برعاية فرنسية، كانت الخطة بأن تجنح إحدى السفن عن الخط المرسوم لها، وتقصد شواطئ الأراضي المحتلة، وتنفذ عملية يكون لها صخب إعلامي، وتبث الروح المعنوية في شعبنا، الحزين لمرأى مقاتليه وهم يغادرون طرابلس. كان أبو جهاد متحمسًا لهذه الخطة، لان الشواطئ الفلسطينية لا تبعد عن طرابلس سوى 80 ميلاً، وهو ما يسهل العملية إلى حد كبير.
ويضيف الشرقاوي: "مسألة تنفيذ عملية ضد الاحتلال، في ظل ظروف صعبة، ليست جديدة على حركة المقاومة الفلسطينية، ومثلا خلال حصار الفدائيين، في أحراش جرش وعجلون في الاردن عام 1971، خطط القائد المحاصر أبو علي اياد لتنفيذ عملية في الأراضي المحتلة، وهو ما تم بقصف منطقة (بيتح تكفا) بصواريخ جراد من جبال طمون. ولكن خطة أبو جهاد لم تر النور، والسبب كما يقول الشرقاوي: "تمكن الإسرائيليون من اعتراض باخرة فلسطينية محملة بالدبابات والمدافع كانت متجهة إلى اليمن، والاستيلاء عليها، مما جعل أبو جهاد يغض النظر عن الخطة ويؤجلها إلى ظروف مواتية".
وصل المحاصرون الذين خرجوا من طرابلس، راكبين البحر، إلى الجزائر، وكانت خطة أبو جهاد ما زالت طازجة بالنسبة إليه على الرغم من إدراكه، أنها تشكل تجاوزًا للخطوط الحمراء، في الصراع مع اسرائيل. ومسار الخطة تقتضي الوصول الى الشاطئ الفلسطيني، ثم السيطرة على حافلة واقتحام مقر وزارة الدفاع الاسرائيلية، واخذ رهائن لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين وعرب يتم اطلاق سراحهم في الجزائر. وتم اختيار 28 شابًا فلسطينيًا، تتراوح أعمارهم بين 20-30 عامًا، وهم من أفراد النخبة المسماة الخدمة الخاصة، لينفذوا العملية التي خطط لها أبو جهاد، ويقول الشرقاوي: "كلفني أبو جهاد بمهمة تدريب الشبان، وهو التدريب الذي استمر 14 شهرًا".
ولكن على ماذا تدرب هؤلاء الشبان وأين؟
أجاب الشرقاوي: "أقمنا معسكرنا التدريبي على شاطئ البحر في وهران، وكان الهدف ان يتعود المتدربون على التعايش مع البحر. كانوا ينزلون إلى البحر خمس مرات في الأسبوع ويمكثون في وسطه لفترات طويلة". وكشف انه خلال التدريب توفى اثنان من المتدربين، عندما كان الجميع في البحر، وفجأة ساءت الأحوال الجوية، وارتفع الموج، وحاول الاثنان أن يمسكا بالزوارق دون جدوى، ونجا 26 من المتدربين بينما فقد الطاقم مناضلين: أبو فايز، وشحادة، وبعد ثلاثة أيام عثر على جثتيهما على بعد نحو 60 ميلا من مكان التدريب.
وحسب الشرقاوي، فإن وفاة اثنين من الطاقم ألقى بظلاله على المعسكر، خصوصًا أن احدهما وهو شحادة، كانت موكلة إليه مهمة أن يكون الدليل في تل أبيب، لأنه يعرف هذه المدينة جيدًا وكان سبق له أن عمل فيها. وإضافة إلى التدريب في البحر، فان الطاقم تلقى تدريبا يصفه الشرقاوي بالقاسي، وهو خاص باقتحام المدن. وعن ذلك يشرح الشرقاوي: "الإنزال البحري، تكون من ثلاثة مراحل، الأولى الإبحار، والثانية النزول من البواخر، والثالثة ركوب في الزوارق (الازوديك)، وهي نفس تلك التي كان يستخدمها الإسرائيليون، ولدى الاقتراب من الشاطئ، يأخذون بالتجديف، ولدى وصولهم كان عليهم تخريب الزوارق ودفنها حتى لا يتم كشفها، والاستعداد لخوض أي معركة محتملة في المدينة".
وفي شريط الفيديو الذي نشر على موقع اليوتيوب، يذكر ابو جهاد اكثر من مرة، حسين فياض، مفتخرا بجراته، وشجاعته، وطالبا من المشاركين في العملية الحذو حذوه. واعطى أبو جهاد، المجموعة الأوامر الأخيرة، وتدارس معهم كيفية اقتحام وزارة الدفاع الاسرائيلية، من خلال الشرح على مجسم لها تم إعداده، من خلال صور جوية، والطلب منهم العمل على اسر اكبر عدد من الضباط. يقول الشرقاوي: "كان أبو جهاد واثقا من نجاح العملية بنسبة 90%، وبالنسبة إلينا فإن أهم مسالة هي النزول إلى الشاطئ، والباقي تفاصيل، حتى لو اشتبكوا مع العدو بعد نزولهم".
وعين أبو جهاد للمجموعة الشيخ نبيل الهرش (30 عامًا) قائدًا لها، وحدد مكان النزول في جنوب يافا، في مكان كان يسبح فيه وهو صغير، كما اخبرهم، ويتميز بالهدوء، وهو المكان نفسه الذي تسللت منه مجموعة دلال. وكان أبو جهاد يريد استخلاص العبر من عملية دلال، فالمشاركون فيها، نزلوا من الباخرة على بعد 80 ميلاً عن الشاطئ الفلسطيني، ومكثوا في البحر ثلاثة أيام، قبل أن يصلوا إلى الشاطئ أخيرًا، وناموا من التعب لمدة سبع ساعات دون أن يكتشف أمرهم.
ويظهر ابو جهاد، في الفيديو، وهو يمازح الشيخ نبيل، ويقول له عن احد الامور، بان فيها "فتوى" اشارة الى تدين الشيخ تبيل.
وتحركت السفينة في منتصف شهر نيسان (أبريل) عام 1985، بقيادة القبطان واسمه الأول عبد الناصر وهو من القدس، ونادر شديد الذي يصفه الشرقاوي بـ "خيرة ضباط البحرية الفلسطينية"، وكانت الباخرة على اتصال قليل مع ابي جهاد فقط، وحسب تقديرات الشرقاوي واستخلاصاته فيما بعد، فإنها وصلت على بعد 30 ميلاً من الشواطئ الفلسطينية، عندما تنبه سلاح البحرية الإسرائيلية، وطلب التعريف بها وبطاقمها، فرد هؤلاء بإطلاق النار، فما كان من الإسرائيليين إلا إطلاق 42 قذيفة أدت إلى إغراقها، ونجاة خمسة وقعوا أسرى هم: أبو العبد عفانة الذي مات لاحقا في ظروف يصفها الشرقاوي بالغامضة في الأردن في حادث سير، وضرار، وحسام، وأبو حفيظ، وضياء.
في الفيديو، يظهر ابو جهاد مع افراد المجموعة، قبل ان تنطلق، محاولا الرد على أي من استفساراتهم، وكله ثقة بنجاح العملية، ومن خلال الحوار الذي دار بينهم، لم يتوقع احد ان تنتهي هذه المغامرة، التي قال ابو جهاد، اكثر من مرة انه يريد ان يجعلها يوما تاريخيا اسود في حياة مدينة تل ابيب، لا ينسى، بتراجيديا مجزرة سريعة، كادت ان تذهب في غياهب النسيان.
هذ وكنا قد نشرنا الفيديو في وقت سابق على الرابط التالي
http://www.fatehwatan.ps/page-16080-ar.html