حقول خضراء لكنها متفجرة
الحارث الحصني
تخفي بضع زهرات من شقائق النعمان، نمت وسط كم هائل من الأعشاب خضراء اللون، في منطقة الساكوت، ألغاما متفجرة زرعتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد احتلالها للضفة الغربية في العام 1967.
ولا يغرّ الناظر لتلك المناطق جمال الطبيعة فيها، والمسيج بأسلاك شائكة مهترئة والممتد بجانب نهر الأردن، الفاصل بين الأغوار الفلسطينية والأردنية.
الساكوت بلدة فلسطينية، كانت قائمة قبل النكسة (1967)، وعمل الاحتلال بعيد احتلاله لباقي فلسطين التاريخية، على تدميرها وطرد سكانها منها. وبعد ذلك، زرعت إسرائيل المنطقة الحدودية بآلاف الألغام، التي أتلفت لاحقا، جزءا منها.
لكن حتى الجزء المتبقي في حقول قريبة من أماكن تواجد الفلسطينيين، لم تسيجه دولة الاحتلال بأسلاك تمنع البشر والدواب من الدخول إليها.
وقبل أيام، دخلت إحدى الأبقار إلى واحد من الحقول المتبقية، فانفجر فيها لغم أدى إلى بتر ساقها، وأحدث تشوهات في جسمها.
وقال الناشط الحقوقي عارف دراغمة، "كان يوجد في الأغوار الفلسطينية العشرات من حقول الألغام المتفرقة التي زرعتها إسرائيل (..)، اليوم، بقيت خمسة حقول ألغام رئيسية".
وخلال ثمانينيات القرن الماضي، أزال الاحتلال المئات من الألغام في مساحات متفرقة، لكن حتى هذه الأيام ما زالت مساحات واسعة من الأراضي مزروعة بالألغام.
وفي منطقة الساكوت الحدودية، تسكن بعض العائلات الفلسطينية، التي تعتمد في حياتها على تربية الماشية، والزراعة المروية والبعلية.
وقال محمود فايز، وهو أحد مواطني المنطقة: "قبل أيام دخلت إحدى أبقاري من فتحة في السياج المحيط بحقل الألغام، فانفجر أحد الألغام فيها".
وأضاف "هذه البقرة الرابعة التي تنفجر بها الألغام خلال أقل من عام".
وفي عدة مناطق من الأغوار الشمالية، يلاحظ وجود لوحات معدنية، كتبت عليها عبارات تحذر من وجود ألغام في المنطقة.
وأضاف دراغمة أن الاحتلال يدعي أنه أزال هذه الألغام، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان ما يدّعيه صحيحا، فلماذا ما زالت الأسيجة واللوحات التحذيرية موجودة؟.
ويكرر التساؤل ذاته، مواطنون آخرون من عدة مناطق في الأغوار.
سؤال آخر يطرحه دراغمة ويفند ادعاءات الاحتلال بإزالته للألغام: لماذا بُترت ساق البقرة من أحد الألغام؟.
في مقابل ذلك، فإن الأراضي التي أزال الاحتلال الألغام منها خلال القرن الماضي، صارت منطقة زراعية للمستوطنين.
عند أقرب نقطة من السياج الفاصل بين أراضي الأغوار وأراضي 1948، يوجد شارع يمر بجانب أحد حقول الألغام. ومثل هذا الشارع يوجد آخر، لكنه يفصل بين حقلين ممتدين بمحاذاة الشريط الحدودي بين الضفتين.
وتلاحظ بالقرب من تلك الحقول، مساحات من الأراضي الفلسطينية مزروعة بمحاصيل مروية.
وقال فايز: "نحن لا نعرف مكان الألغام بالضبط غير التي في الحقول (...)، نخشى أن تكون في المنطقة ألغام أخرى".
ويؤكد ذلك دراغمة، وهو أحد الناشطين في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، بقوله "إن الناس هنا لا يعرفون كيفية التعامل مع الألغام، ولا يعرفون مكانها بالضبط".
زامل دراغمة، أحد المزارعين في منطقة الساكوت، قال: نتعامل مع الوضع القائم بحذر شديد (..)، عندما يزورنا أحد، فإننا نظل على أعصابنا خوفا من أن يقترب أحدهم من مكان فيه ألغام.
وفي هذه الأيام التي تعتدل فيها درجات الحرارة، ويقصد فيها الفلسطينيون مناطق الأغوار للتنزه، يُخشى عليهم من أن يصيبهم مكروه بسبب الألغام.
وأكد دراغمة "منذ سيطرة إسرائيل على الأغوار، استشهد أكثر من 15 فلسطينيا مدنيا، بسبب الألغام".