تونس: قانون القضاء على العنف ضد المرأة على محك الواقع
تنشر "وفا" تقريرا لوكالة "تونس افريقيا للأنباء" حول المرأة، ضمن التعاون المشترك مع اتحاد وكالات الأنباء العربية"فانا":
يدخل، في النصف الثاني من شهر شباط الحالي، القانون الأساسي المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة حيز النفاذ بعد أن صادق عليه مجلس نواب الشعب يوم 26 تموز 2017، وبعد ختمة، يوم 11 اب 2017، من قبل رئيس الجمهورية وصدوره بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
ويهدف هذا القانون، كما جاء في فصله الاول، إلى "وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل اشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الانسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم".
وجاء هذا القانون للتصدي إلى ظاهرة باتت تثير الانشغال في المجتمع التونسي وهي ظاهرة العنف المسلط على المرأة بأشكاله المتعددة وفي مناحي الحياة المختلفة ما دفع المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات والمنظمات المدافعة عن حقوق المرأة إلى إطلاق صيحة فزع ودق ناقوس الخطر، مستندة في ذلك إلى أرقام وإحصائيات أصدرتها جهات رسمية.
وبالفعل، فقد قام الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري، وهو منشأة عمومية ترجع بالنظر إلى وزارة الصحة، سنة 2010، بأول مسح وطني ، حول تفشي ظاهرة العنف المسلط على النساء في المجتمع التونسي شمل 4 آلاف عينة لنساء تتراوح أعمارهن بين 18 و 64 سنة، موزعة على كامل تراب البلاد.
وخلص هذا المسح إلى نتائج مفزعة شكلت صدمة للرأي العام وأثبتت أن هذه الظاهرة، المسكوت عنها غالبا، متفشية بالفعل في المجتمع إذ كشف المسح أن امرأتين من بين ثلاث نساء يتعرضن للعنف، وأن نصف النساء التونسيات تعرضن، على الاقل مرة في حياتهن، للعنف.
كما كشفت هذه الدراسة أن المحيط الأسري هو أكثر الأماكن التي تتعرض فيها المرأة للعنف بشتّى أنواعه، وأنّ العنف ضد المرأة هو من الاسباب الرئيسية للموت والعجز لدى النساء في الفئة العمرية من 16 إلى 44 سنة.
هذه الحقائق الصادمة أججت إصرار المجتمع المدني، وخاصة الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، على مزيد الضغط على وزارة المرأة والاسرة والطفولة للمسارعة بإعداد قانون في الغرض يضع كل الاليات الكفيلة بحماية المرأة ومساعدتها في صورة تعرضها لأي نوع من أنواع العنف الجسدي أو الجنسي أو الاقتصادي وغيرها.
وقد أثمر هذا الضغط مشروع قانون أعدته وزارة المرأة والاسرة والطفولة وأحالته يوم 28 تموز 2016، على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه، لتبدأ رحلة نقاش هذا المشروع صلب لجنة الحقوق والحريات التي استمعت إلى عديد الخبراء وإلى كل الاطراف ذات العلاقة، وجرت صلبها نقاشات، بين مختلف الكتل النيابية، كانت مطولة ومعمقة وساخنة في كثير من الاحيان.
هذا النقاش تواصل على امتداد حوالي السنة ليتم، بعد استيفاء النظر في كل الفصول، عرض مشروع القانون على الجلسة العامة للمصادقة عليه فصلا فصلا وعلى المشروع برمته، حيث احتد النقاش مرة أخرى، وتطلب الامر ثلاث جلسات عامة، تم رفع أشغالها في مناسبات عديدة لعقد لقاءات ومشاورات بين الكتل النيابية لايجاد توافقات حول عدد من الفصول الخلافية.
وفي آخر المطاف، وبعد شد وجذب ومشاحنات وملاسنات عديدة بين النواب، وبعد جلسات ماراطونية، تمت المصادقة على المشروع برمته بالاجماع ب 146 صوتا دون احتفاظ أو اعتراض من أي نائب وهي سابقة في تاريخ المؤسسة التشريعية منذ الثورة، لينضاف هذا القانون إلى المنظومة التشريعية التونسية الداعمة لمكاسب المرأة، إلى درجة وصفه من قبل منظمات وجمعيات بالثورة الثانية في مجال حماية المرأة بعد مجلة الاحوال الشخصية الصادرة سنة 1956 بدفع من الرئيس الحبيب بورقيبة.
فما هو الجديد في هذا القانون، وماهي نقاط قوته ونقائصه، وهل سياسهم، بعد دخوله حيز النفاد في القضاء على ظاهرة العنف المسلط على النساء، وهل تم وضع النصوص الترتيبية والاليات اللازمة لتطبيقه؟، وكيف سيتم التعاطي معه من قبل الجهات الرسمية المكلفة بإنفاذه والمواطنين المكلفين بالتقيد بمقتضياته؟.
القانون أداة ناجعة لمناهضة العنف ضد المرأة رغم نقائصه
الناشطة النسوية والحقوقية، يسرى فرواس، بدت متفائلة إذ اعتبرت أن هذا القانون يعد خطوة كبيرة في الاتجاه الصحيح نحو القضاء على التمييز بين الجنسين، وهو أداة ناجعة لمناهضة العنف ضد المرأة، هذا العنف الذي قالت إنه يشكل "العقبة الاكبر أمام المساواة وأمام تحقيق الكرامة الإنسانية للنساء".
هذه الحقوقية، وهي إحدى الخبيرات اللواتي اشتغلن على صياغة القانون، أكدت على الطابع الشمولي لهذا القانون باعتباره يكافح ويعالج كل أشكال العنف المسلطة على النساء وهي العنف المادي و الجسدي والنفسي والجنسي والاقتصادي والسياسي.
كما يحمل القانون مسؤولية مناهضة العنف لجل مؤسسات الدولة وللمجتمع المطالب بالاشعارعن حالات العنف مع ضمان الحماية القانونية، وهو يتوجه للنساء الضحايا في كافة مراحل العمر، ويوفر حماية مشددة وخاصة للفئات المستضعفة منهن، مثل المتقدمات أو الصغيرات في السن، والمصابات بأمراض خطيرة او الحاملات لإعاقة.
ومن أبرز نقاط القوة في القانون هو أنه أحدث آلية تمكن قاضي الأسرة من إصدار إذن الحماية بشكل استعجالي في حالة وقوع عنف، واتخاذ جملة من الإجراءات لانتشال الضحية من دائرة العنف، بصفة فورية، وذلك فضلا عن إحداث فضاءات للإنصات وللإرشاد وللإيواء لفائدة النساء ضحايا العنف .
الحقوقية يسرى فراوس أكدت على أن القانون ينص على عقوبات مشددة ضد المعتدي، كما يكرس عدم الإفلات من العقاب. وفي هذا الصدد، أشارت إلى إسقاط الفصل 227 مكرر من المجلة الجزائية الذي كان يخول للمغتصب الزواج بضحيته القاصر والتمتع بإلغاء كل التتبعات، كما تم التنصيص في القانون على عدم توقف التتبعات ضد المعتدي حتى في حال تنازل الضحية عن حقها في ذلك.
ورغم إيجابيات هذا القانون العديدة، إلا أنه لا يخلو من النقائص والهنات، بحسب المناضلة النسوية والحقوقية، والنائبة بمجلس نواب الشعب، بشرى بالحاج حميدة، التي أكدت أنها فشلت، رغم محاولاتها العديدة صلب لجنة الحقوق والحريات في إقناع زملائها بتعويض العقوبات الجزائية "المشددة " صلب هذا القانون بالعقوبات البديلة.
ومن العقوبات المشددة الواردة في في نص القانون، على سبيل المثال، أنه "يعاقب بالسجن مدة عشرين عاما مرتكب الضرب أو الجرح الواقع عمدا دون قصد القتل والذي نتج عنه الموت".
وتعتبر بشرى بالحاج حميدة أن العقوبات الجزائية في تونس أثبتت، على امتداد 60 سنة، فشلها، وهي ترى أن العقوبات البديلة تكون فائدتها أكبر على الدولة وعلى المعتدي، وتسهل عملية إصلاحه وإعادة تأهيله وإدماجه في المجتمع، ويكون القانون بذلك قد أخذ على عاتقه أيضا التعهد بالمعتدي وليس الضحية فقط.
من جانبها، ترى رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، منية بن جميع، أن قانون القضاء على العنف ضد المرأة، ورغم أهميته، إلا أنه لن يتمكن وحده من وضع حد لهذه الظاهرة إذا لم يتم بالتوازي مع ذلك القضاء على التمييز بين الجنسين من خلال تنقيح عدد من الفصول القانونية التي لاتزال تميز بوضوح بين الجنسين.
وترى بن جميع أن القانون التونسي عامة لازال يكبل ويحد من فاعلية المرأة في المجتمع لأنه يكرس العنف الاقتصادي عبر عدم إقراره بالمساواة في الإرث، ويشرع للعنف الجنسي، عبر تنصيصه بالسماح للزوج بإجبار زوجته على البناء إذا ما دفع لها المهر، وكذلك للعنف المعنوي بإقراره بأن الأب هو رئيس العائلة وأن الأم مجرد مرؤوسة.
نحو تفعيل آليات مناهضة العنف التي نص عليها القانون
هناك آليات نص عليها قانون القضاء على العنف ضد المرأة لا بد من تفعيلها حتى يتم تطبيق القانون على أفضل وجه، وحتى لا يبقى حبرا على ورق. ومن أهم الاليات التي اشترطها القانون لمتابعة التنفيذ المرصد الوطني لمناهضة العنف ضد المرأة، المطالب بالأساس بإعداد تقارير سنوية دقيقة عن حالات العنف في تونس.
المسؤول عن برنامج دعم المساواة بين الرجل والمرأة صلب وزارة المرأة والاسرة والطفولة، فيصل الصحراوي، أفاد بأنه تمت صياغة المشروع الاولي للنص الترتيبي الخاص بتنظيم هذا المرصد وهو حاليا بصدد المناقشة، ويضبط هذا النص التنظيم الإداري والمالي للمرصد. كما تم، منذ المصادقة على القانون، فتح ستة مراكز استقبال وإيواء للنساء ضحايا العنف في 6 ولايات وهي: جندوبة، وتونس، والقيروان، وصفاقس، وقفصة، ومدنين، وذلك بالاشتراك مع جمعيات محلية.
كما أحدثت وزارة المرأة خطا أخضر مجانيا 1899 مخصص لاستقبال وتوجيه المكالمات الخاصة بالعنف المسلط على النساء، وتخصيص وحدات أمنية لحماية الضحايا موزعة على كامل أنحاء البلاد، وتكليف فريق مختص يضم عناصر نسائية، صلب كل وحدة تدخل، للتعاطي مع هذه القضايا.
وتنكب وزارة العدل، من جانبها، على العمل على تخصيص فضاءات خاصة للتعاطي مع قضايا العنف المسلط على النساء وذلك بصفة مستقلة عن بقية القضايا، كما نص على ذلك القانون، إضافة إلى إخضاع عدد من المتدخلين في القطاع الصحي إلى دورات تدريبية تهدف إلى تعزيز قدراتهم في مجال التعهد بالمرأة المعنفة، وبرمجة عدة دورات تدريبية أخرى لفائدة بقية المتدخلين في المجالات الأخرى، فضلا عن برمجة عدة حملات توعوية متواصلة صلب المدارس والمعاهد والجامعات.
جهود المجتمع المدني ضرورية في مراقبة مدى التقدم في إنفاذ القانون
لا شك أن صدور قانون القضاء على العنف ضد المرأة كان ثمرة لجهود كبيرة بذلها نشطاء المجتمع المدني عموما والجمعيات النسوية المدافعة عن حقوق المرأة خصوصا. وقد تم لهذا الغرض تشكيل ائتلاف يضم 60 منظمة ناشطة في هذا المجال، ظل يدافع، باستماتة، كما قالت رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، منية بن جميع، من أجل ضمان أكبر قدر ممكن من الحقوق للمرأة التونسية، وظل يضغط من أجل مزيد تحسين القانون إلى حدود الدقائق الأخيرة قبل المصادقة عليه من قبل مجلس النواب.
وقد لعب المجتمع المدني، منذ تسعينات القرن الماضي، دورا جوهريا ومحوريا في الضغط على الحكومة، للالتزام قانونيا بمناهضة العنف ضد المرأة بجميع أشكاله، وهو ما مهد بامتياز لصدور قانون مناهضة العنف ضد المرأة الذي كان ثمرة عدة تراكمات بدأت ببعض التنقيحات الجزئية لعدد من فصول المجلة الجزائية.
وسيبقى للمجتمع المدني دور هام في مراقبة مدى التقدم في تطبيق القانون، وفي معاضدة أجهزة الدولة في سعيها إلى إنفاذه، وفي التنبيه إلى الاخلالات والتجاوزات التي قد تطرأ عند اصطدامه بأرض الواقع. كما أن الاعلام مدعو بدوره، وبنص القانون، إلى المساهمة في هذا الجهد.
وبالفعل فقد جاء في الفصل 11 من قانون القضاء على العنف ضد المرأة: " تتولى وسائل الاعلام العمومية والخاصة التوعية بمخاطر العنف ضد المرأة وأساليب مناهضته والوقاية منه وتحرص على تكوين العاملين في المجال الاعلامي على التعاطي مع العنف المسلط على النساء في ظل احترام اخلاقيات المهنة وحقوق الانسان والمساواة، ويمنع الاشهار وبث المواد الاعلامية التي تحتوي على صورة نمطية أو مشاهد أو أقوال أو أفعال مسيئة لصورة المرأة أو المكرسة للعنف المسلط عليها أو المقللة من خطورته، وذلك بكل الوسائل والوسائط الاعلامية".