توراة صباح كل يوم
جميل ضبابات
تصل رفقة عاطف السامري الى المدرسة الحكومية التي تديرها عند الساعة السابعة صباحا؛ تتفقد البريد الالكتروني والمراسلات الادارية لليوم السابق، وتنتظر الطابور الصباحي وهو النشاط الذي يقوم به تلاميذ المدارس في فلسطين قبيل دخولهم إلى صفوفهم التعليمية.
يصل التلاميذ والتلميذات إلى ساحة صغيرة تباعا، وما أن يضعوا حقائبهم المدرسية في الصفوف حتى يعودوا للانتظام في صفوف قصيرة جدا في الساحة الخارجية.
من بين 2992 مدرسة و 1.245.876 طالبا و 68.897 معلما ومعلمة، في فلسطين تقوم المدرسة التي تديرها رفقة ويعلم فيها ست معلمات ومعلم واحد، ويتلقى التعليم 55 طالبا من بعض أحياء نابلس بنشاط مختلف.
يتقدم واحد من التلاميذ لتعليق العلم الفلسطيني على السارية، ويلقي طالب آخر كلمة الصباح، والتي عادة ما تتحدث عن مناسبة وطنية أو الحث على سلوك ايجابي.. ثم تتلى فاتحة القرآن.
وما أن ينتهي التلاميذ والتلميذات من تلاوتها حتى تسمع تلاوة بلغة أخرى قديمة: "كي أفشم شيما، اكرا وابو جادال، ليلوينو، أصور، طامِم فائيلو، كيكل ديريكو مشفط، إل آمونا وين أول، صادق وياشر أو، باروك ليلوينو لولام وباروك شيمو لولام".
" هذه فاتحة التوراة" يقول اسحق السامري نائب مدير التربية والتعليم في نابلس.
ويختلط الأمر على الزوار، فيما إذا كان التلاميذ الذين تلو الفاتحتين من جبل الطور، حيث تسكن طائفة دينية صغيرة يدعى أتباعها بالسامريين الذين يعتقدون أنهم العبرانيون الحقيقيون، أو كانوا طلابا من أحياء نابلس.
وتقول رفقة "الكل يقرأ الفاتحتين من القران والتوراة". وهذه المدرسة الحكومية الوحيدة في جبل جرزيم.
ودأب الطلاب الذين يلتحقون بهذه المدرسة على تلاوة الفاتحتين منـذ انضم طلاب مسلمين إلى صفوف التعليم هنا.
وقالت رفقة وهي تلاحظ التلاميذ ينسحبون من الساحة التي غطاها ضباب كثيف إلى داخل الصفوف "لا يوجد مدرسة في كل فلسطين مثل هذه المدرسة".، فيما يردد المسؤول التربوي المعنى ذاته.
يقع جبل جرزيم على كتف نابلس الجنوبي، وهو الحي الذي يتحدث ساكنوه بلغات عديدة.
فالسامريون بطبيعة الحال يتحدثون العربية في حياتهم اليومية، والعبرية عند الاتصال بأشقائهم في حولون، والعبرية القديمة في المناسبات الدينية والاجتماعية، وفي أحيان كثيرة أمكن سماع فتيات يتحدثن إحدى لغات السلافية الشرقية، إذ قدمن في السنوات الماضية من دول الاتحاد السوفيتي السابق وتزوجن سامريين بسبب نقص الفتيات وهي المشكلة التي عانى منها السامريون في العصر الحديث.
ويعيش نحو 400 من اتباع هـذه الطائفة في قمة ثاني أعلي جبال نابلس الذي يعتبرونه قبلتهم ويقدمون القرابين عليه، إلا أن بعض العائلات المسلمة تقطن على مقربة من هذا الحي. وتقول رفقة إن المدرسة التي تقرر افتتاحها في العام 1992 تخدم جزءا من الطلاب المسلمين.
وأمكن مشاهدة عدد من الطلاب السامريين يخرجون من منازل لا تبعد أمتارا عن المدرسة التي هي جزء من مركز ثقافي للأنشطة.. ويمكن ايضا، مشاهدة أمهات يتابعن الطابور الصباحي من شرفات منازلهن التي تطل على المدرسة.
ويتعلم السامريون اللغة القديمة قبل دخولهم المدارس الحكومية النظامية في مدارس دينية خاصة، لكن الطلاب المسلمين يتعلمون قراءة الفاتحة بتلك اللغة القديمة بالتكرار.
قالت رفقة" لا يستغرق ذلك اكثر من أسبوع".
ويقول السامريون الذي يستمعون لتلاوة الطلاب المسلمين لفاتحة التوراة، إن التلاميذ المسلمين ينطقونها بشكل سليم. "لا يمكن التفريق بينهم" قال اسحق.
في مطلع التسعينات تقرر افتتاح هذه المدرسة، لكنها أغلقت بعد خمس سنوات بسبب تراجع عدد الطلاب، ومع اجتياح مدينة نابلس في عملية "السور الواقي" الإسرائيلية أصبح التنقل بين الجبل والمدينة صعبا للغاية، فأعيد افتتاح المدرسة لاستيعاب التلاميذ السامريين.
ويتألف طاقم التدريس من سبع معلمات ومعلم واحد.
في ساعات المساء تتحول المدرسة من نظامية الى دينية، وفيها يتلقى التلاميذ السامريون دروس اللغة القديمة التي كتبت فيها توراتهم.
وتتكون هذه اللغة من 22 حرفا، وتختلف عن العربية بأنها لا تحتوي على أحرف: الذال والضاد والظاء والثاء والعين والحاء.
ويمكن مطالعة اللغة القديمة التي تستخدمها هذه الأقلية الدينية والعرقية بشكل مكتوب على نطاق محدود في نابلس عبر دعوات سنوية توجه لبعض المسؤولين لحضور عيد الفسح، أو من خلال صحيفة أليف بيت التي تصدر في حولون جنوب تل ابيب منذ نصف قرن وتوزع في أنحاء العالم، وتتناول أحوال السامريين بأربع لغات، هي إضافة إلى العبرية والعربية، العبرية القديمة والبرتغالية البرازيلية.
على مقربة من المدرسة يقع واحد من كنيسين في الحي، وعلى سور جانبي محيط بواحد منهما يمكن مطالعة اللغة القديمة التي تشير إلى أسماء الأسباط أبناء النبي يعقوب الاثني عشر.
لكن سماعها يندر بعيدا عن الصلوات أو حفلات الختان والزواج والموالد الموسوية.
ـــــــــــ