الاحتلال يشدد من إجراءاته العسكرية شمال القدس    تحقيق لـ"هآرتس": ربع الأسرى أصيبوا بمرض الجرب مؤخرا    الاحتلال يشدد إجراءاته العسكرية على حاجز تياسير شرق طوباس    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال لمنزل في رفح جنوب قطاع غزة    الاحتلال يواصل اقتحام المغير شرق رام الله لليوم الثاني    جلسة لمجلس الأمن اليوم حول القضية الفلسطينية    شهيدان أحدهما طفل برصاص الاحتلال في بلدة يعبد    مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم  

"فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم

الآن

أم سامر العيساوي.. لحظات الفرح مسروقة

 لورين زيداني

لن تنسى عيد الأضحى ذاك، الوقت الذي عادت فيه الروح إلى بيتها الكبير، الوقت الذي تعالت فيه أصوات العائلة التي اجتمعت بعد أن عاد الأبناء من خلف القضبان، الأم والأب وابنتاهما وأبناؤهما الخمسة، حتى رائحة المعمول وطعمه، غاب زمنا وعاد بيدي سامر يصفّ حباته في صواني الفرن، تتمسك أم سامر العيساوي بكل تفاصيل فرح، تأمل بعودته بلا انقطاع في مستقبل قريب.

"صادف عيد الأضحى ذلك، الإفراج عن سامر ومدحت وشيرين، فاجتمعت عائلتي كاملة لأول مرة منذ وقت طويل. كانوا إلى جانبي وأدخلوا الفرح إلى قلبي، وتفاجأت من مهارة سامر، الذي كان يصنع الحلويات ويطهو الطعام لرفاق الأسر"، تقول أم سامر.

وجع البُعد وقلق الغياب تعيشه ليلى العيساوي (70 عاما) منذ العام 1987 كما تقول، فقد بدأت رحلة أبنائها مع الاعتقال منذ أن كانوا في سن الثالثة عشرة، وطالت الأبناء الستة: الشهيد فادي، وسامر، ومدحت، ورأفت، وشادي، وفراس، وحتى الابنة شيرين. حبسوا جميعا بين أربعة جدران في فترات متقطعة، رحلة لم تستطع أم سامر خلالها مواكبة أولادها في مراحل حياتهم التي خطفها السجن.

في رمضان، الجلوس إلى مائدة الإفطار الخالية من أفراد العائلة إلا أم سامر وزوجها، الفترة الأصعب التي مرت عليها. تقول أم سامر "في إحدى المرات، كان أبنائي الخمسة في الأسر، كان البيت الكبير خاليا، وصور أولادي معلقة على الجدران من حولنا، كنت أحسّ أنهم ينظرون إليّ ويقولون أنتِ تتناولين الطعام ونحن جوعى".

والبعد أثره ممتد للحظات الفرح، فوقت زواج ابنتها رشا، انتظرت العائلة الوقت الذي يجتمع إخوتها إلى جانبها ويسلمونها إلى عريسها كما تقتضي العادات والتقاليد، إلا أن الانتظار طال فتم الفرح بصورة الحزن، تستذكر أم سامر زفاف ابنتها فتقول، "كلما تلاقت نظراتنا أنا ورشا نتبادل الدموع، على بقائنا وحدنا دون إخوتها من حولنا".

ولوقت زيارة الأبناء في السجن طقوسه لدى عائلة العيساوي، فتعمدت سلطات الاحتلال -كما تروي أم سامر- تفرقة أبنائها كل في سجن مختلف، ويأتي وقت زيارة اثنين منهم في نفس اليوم أو زيارة أحدهم وموعد محكمة الآخر، فتتوجه هي وزوجها كل منهما لزيارة ابن، فبدلا من حق الزيارة مرتين شهريا تتحول إلى مرة واحدة، خاصة أن إخوتهم ممنوعون من زيارتهم، لأنهم اعتقلوا في سجون الاحتلال سابقا.

"في كل فترة إضراب سامر عن الطعام، لم أطبخ مرة واحدة، حتى ولو أرسل الأقارب الطعام يبقى كما هو، ورغم إصابتي بمرض السكري، فقد أضربتُ عن الطعام إلى جانب سامر لبعض الوقت، كدعم له وتمنيا لبقائه على قيد الحياة، اعتشت على القليل من الحساء".

وتتابع أم سامر تذكّر فترة إضراب ابنها سامر عن الطعام، الذي دام 271 يوما، اعتراضا على إعادة اعتقاله إداريا بعد الإفراج عنه في صفقة تبادل في العام 2012، وتعتبرها الأقسى في حياتها. كانت تخاف من مجيء الطبيب والمحامي إليها بعد كل زيارة لسامر، كانت تخاف من فقدانه بعد أن انخفضت دقات قلبه إلى 24 في آخر مرحلة.

"عندما كنت أراه في المحكمة على كرسي متحرك، جسمه منهار ولا يتحرك فيه إلا عيناه، وكأنه يودعني، مدّ يده إليّ، وكأنه همّ بجريمة حوّلت جو المحكمة إلى زلزال، ضربوه وضربونا وكسروا اثنين من أضلاعه وأحد أصابعه، كان يستنجد بي وأنا أمعن النظر فيه وشعر رأسه يسقط بين يديه، كان وضعي صعبا وأنا أشهد على وجع ابني".

المحامية شيرين، أخت الأسرى كانت تحلم بدراسة الهندسة في صغرها، لكن بعد استشهاد أخيها فادي في سن السابعة عشرة، إثر مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، تحوّلت لدراسة الحقوق لتدافع عن إخوتها وكل أسير حجز الاحتلال حريته خلف القضبان، فدفعت الثمن إيقافها عن العمل، وقضائها عاما كاملا في السجن، و4 أعوام في مرة لاحقة، وأفرج عنها حديثا.

وترى أم سامر أن تجربتها في اعتقال شيرين مختلفة كونها فتاة، وتقول "تجربة البنت الأسيرة أصعب من الابن الأسير، الشاب يبقى قويا، أما البنت ناعمة وحساسة، عندما يضربونها ولا تتحمل، في أكثر المرات كنت أعود من زيارة شيرين إلى المستشفى بسبب ارتفاع مستوى السكري لديّ، بعد أن أرى وجعها وتعبها، وفي إحدى الزيارات انتبهت إلى وجهها ويديها وآثار الضرب عليها، ورغم أنها أظهرت الآثار للقاضي، لكن دون فائدة".

أما ليلى الصغيرة (5 سنوات) حفيدة ليلى الكبيرة، لابنها مدحت، الذي قضى 19 عاما في الأسر بشكل متقطع، فتخفف عن جدتها ثقل فراق أبيها، فتقضيان وقتا طويلا سويا، تسأل الصغيرة عن أبيها الذي لم تعش معه، وتجيب الجدة بقدر المستطاع.

"رغم أن لديّ أحفادا من أولادي الآخرين، إلا أن حب ليلى مختلف، أحاول تعويضها حنان والدها الذي حرمت منه، خاصة أنها ممنوعة أمنيا كما يدعي الاحتلال، من احتضان والدها وتقبيله وقت الزيارة، ويزيد الوضع صعوبة عندما ترى الصغيرات من حولها يمارسن ما حرمت منه، فتلتقي بوالدها عبر الزجاج السميك فقط وتسمع صوته عبر السماعة، منعٌ بدأ بعمر الثانية ويستمر حتى الخامسة".

وتتابع أم سامر "مرّة لامتني ليلى على وجود والدها في السجن، قالت لي لم تربه بشكل جيد، فذهب وضرب الحجارة على الجنود ودخل السجن، إنه عقل طفلة".

تحاول أم سامر العيساوي دائما أن تستجمع قواها، لأن الأم الفلسطينية كما ترى، يجب أن تقف صامدة خلف نضال أولادها وتضحياتهم، لكنها تعيش على أمل الاجتماع بهم يسندون شيخوختها ومرضها، وتعوض وإياهم أياما حبسها المحتل خلف جدرانه العالية، أمل سيتحقق بتنفس سامر ومدحت نسائم الحرية.

ــ

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024