سحر السوسن يحل على فقوعة
جميل ضبابات
في أقصى شمال شرقي الضفة الغربية، ينشغل سكان قرية فلسطينية بصناعة جزء من تاريخهم الحديث… في وسط النهار يتطوع شباب ورجال بمتابعة نمو زهرة غامقة اللون، ومنهم من أجل ذلك استخدم أداة قياس الأطوال.
فقوعة المرتفعة عن سطح البحر نحو 450 مترا عرفت عبر التاريخ الحديث بشهرتها بشجر الصبر، وعلى مد النظر تحيط بالقرية سلاسل خضراء من هذه الأشجار الشوكية التي تثمر في الصيف، لكن القرية التي تقع في النقطة الأقصى من شمال شرقي الضفة الغربية، تنشغل الآن بزهرة هشة وتنسى الصبر حتى الصيف.
"حل سحر على هذه القرية. الزهرة تسحرنا"، قال مفيد جلغوم وهو مدرس واختير مؤخرا منسقا لمنتدى محلي يسمى سوسنة فقوعة مهمته الحفاظ على أماكن تواجدها، ويسري شعور عميق بين السكان بأن قريتهم تحمل ميزة جمالية استثنائية.
قبل أن تبدي منظمة الأمم المتحدة اهتماما بهذه الزهرة عبر برنامجها الإنمائي، خطت المنظومة الرسمية الفلسطينية قبل سنة خطوة، عندما أعلنت هذه الزهرة، زهرة فلسطين الوطنية، فقوعة قرية تأخذ الألباب في ذروة الأزهار.
لكن شبان متطوعين يعملون في وسط الكتلة الخراسانية التي تشكل مباني القرية على انجاز حديقة إضافية لهذه الزهرة. ويحيط عدد من سكان القرية بأرض مسورة زرعت فيها مؤخرا أبصال السوسن. ويستطلع صبية من خلال فتحات شبك السور النبات وقد أزهر جزء منه.
يقول المدير التنفيذي لجمعية الحياة البرية الفلسطينية عماد الأطرش، التي مقرها بيت ساحور "سوسنة فقوعة ساحرة. ليس هناك مكان في العالم مثل هذا المكان"، وإضافة إلى فقوعة تنبت الزهرة في أماكن متفرقة قد تمتد إلى سفوح القدس.
في القرية التي تحيط بها سلسلة من الجبال ويمتد من ناحية الشمال مرج ابن عامر الشهير بخصوبته، تزهر مئات الأصناف من الأزهار في مثل هذا الوقت من العالم.
إلا أن نائب رئيس مجلس القرية منير صلاح يقول "في السنوات الأخيرة بدأ السكان بالاهتمام بهذه الزهرة، رغم أنها موجودة هنا قبل تاريخ القرية ذاتها".
ويندر سؤال احد شبان القرية المتواجدين بالقرب من أطراف القرية عن مكان تواجدها دون أن يقول" في السفوح القريبة".
وأعلن مؤخرا عن مشروع اخذ بعدا دوليا لحماية هذه الزهرة. وقال الأطرش "مرفق البيئة العالمي- برنامج الأمم المتحدة وسلطة جودة البيئية يساعدون في ذلك".
ويقول مسؤولون في مجلس القرية المحلي "بدأنا فعلا في ذلك. جهزنا أول حديقة لحماية وإكثار الزهرة".
تمتاز فقوعة بكتل صغيرة متناسقة من هذه الزهرة بلونها البنفسجي القاتم. في فلسطين ليس اقل من 12 نوع من السوسن، لكن في فقوعة كما يصفها جلغوم "ملكة كل تلك السوسنات".
بدأ العشب بالاستطالة واكتسبت التلال لونها الأخضر الفاقع، لكن نمو ساق الزهرة لطول يصل إلى 80 سم جعلها أكثر ظهورا وتميزا بين الحقول الجبلية.
قال جلغوم بعد أن اخرج قصاصات أوراق من محفظته "انظر حتى الزهرة اصبحت طابعا بريديا".
وكان البريد الفلسطيني أعلن في وقت سابق من العام المنصرم، أنه اصدر طابعا بريديا يحمل صورة الزهرة.
تكررت خلال العام الفائت وهذا العام الزيارات للقرية للاحتفال بأزهار السوسن. على بعد أيام قليلة ستعاود هذه الزيارات التي يقوم بها رسميون فلسطينيون ومنظمات شعبية وسياحية، لذلك تشهد القرية نشاطا واضحا للتحضير لذلك.
ويعجز رجل كان يتابع تسلسل تفاصيل الحياة في القرية من أعلى نقطة فيها وهي مكان مرتفع لخزان مياه يزيد من ارتفاع القرية الطبيعي خمسين مترا إضافية عن وصف هذا الاهتمام بقريته.
"من هنا يمكن معرفة لماذا هذه القرية محظوظة(...) إنها محظوظة بالسوسن" قال جلغوم. وتظهر ابتسامات شبان القرية عند سؤالهم عن شهرة قريتهم التي انتقلت من الصبر الجاف إلى السوسن الناعم.
ويردد المعنى ذاته آخرون ينظرون إلى ثلاث كيانات جغرافية مختلفة: عجلون في الأردن، وحيفا والناصرة داخل أراضي عام 1948 وجنين وبعض قراها في شمال الضفة الغربية.
في السنوات الأخيرة وصل عدد من المرشدين السياحيين وعاملي المنظمات البيئية إلى هذه القرية، لكن السكان يتأملون أن تصبح قريتهم الصغيرة التي خاضت حربا شرسة في العام 1948 لطرد العصابات الصهيونية منها بعد أن احتلتها، إلى وجهة سياحية.
قال الأطرش: "يجري العمل على ذلك بمساعدة المنظمة الدولية وسلطة جودة البيئة". يردد المعنى ذاته مسؤول في المؤسسة الرسمية.
واخبر عيسى موسى وهو مدير عام المصادر الطبيعية في سلطة البيئة الفلسطينية مراسل "وفا" إن "هذه هي نقطة البداية. نريد حفظ هذه الزهرة في أماكن تواجدها(..) سيجري تحديد مسارات سياحية للوصول إلى هذه الزهرة".
كانت دولة فلسطين انضمت قبل عامين للاتفاقية للتنوع الحيوي. وبموجب تلك الاتفاقية عليها الحفاظ على التنوع الحيوي.
وتحفل فقوعة بببساط فسيفسائي من مئات ألوان الأزهار. ويتحتم على الزائرين في المستقبل أن يمشوا مستقبلا في مسارات سياحية سيتم وضعها بطول 18 كيلو متر، كما يقول الأطرش.
صعودا وهبوطا عبر تلال متوسطة الارتفاع يمكن بالعين المجردة استطلاع أجيال متقاربة من الزهرة. بعضها تفتحت زهورها وبعضها انطفأت وبعضها مازال في مراحل النمو الأولى.
تحفل القرية بإطلاق اسم السوسنة على أملاك خاصة مثل قاعات أفراح. في جوانب أخرى يطلق الاسم على صفحات في فيس بوك وعلى فعاليات رياضية. وأمكن مشاهدة احمد السعدي وهو احد سكان القرية يحمل لوحة تحمل وسما لهاشتاغ باللغة الانجليزية Iriss-Faqquaيحمل اسم الزهرة سيطلق في مواقع التواصل الشهير فيس بوك .
وقال السعدي " سنحكي عنها للعالم".
يخضع اقتران اسم الزهرة بالقرية الى نقاش ضيق في المجتمع العلمي الفلسطيني، فثمة من يقول أن الاسم أطلق في العام 1850، فيما يقول آخرون انه أطلق في ثلاثينات القرن الماضي.
لكن ذلك التاريخ لا يبدو مهما بين أوساط سكان القرية، بقدر ما هو مهم إكثار إعداد هذه النبتة عبر إعادة زرع بصيلاتها في أماكن متفرقة.
في السنتين الماضيتين عندما أخد الاهتمام المحلي والعالمي بهذه الزهرة يزداد اتخذ مجلس القرية المحلي قرارا بجلب الأبصال من المنحدرات التي يقوم السكان بالبناء فيها وزراعتها في حدائق خاصة فقط بالسوسن.
وهذا العام أزهرت الحديقة الأولى لأول مرة.
وقال نائب رئيس المجلس صلاح: "سنزرع في حديقتين يتم التخطيط لإقامتهما". في إحدى الحدائق ظهر لون آخر للزهرة، هذا اللون الأبيض طفرة. سنحاول مع الجامعات الفلسطينية معرفة فيما إذا كانت طفرة لمرة واحدة أو ستستمر في أجيال قادمة".
بلونه المعروف عبر التاريخ ينبت السوسن في مكان طلق تحت أشعة الشمس أو في ظل السلاسل الحجرية، لكن أمكن كتلة واحدة نمت ندرة بين أسراب الصبر.. والمجلس المحلي يتجه خلال الفترة القريبة تغيير رمزه التاريخي الذي حمل نبتة الصبر، الى صبر وسوسن. " أجرينا مسابقة لاختبار افضل رمز جديد يحمل الصبر والسوسن" قال صلاح.
ــــــــــــ