وادي المالح... الشريان المغلق
الحارث الحصني
فيما مضى، كان الفلسطينيون يضربون المثل بوادي المالح، أحد روافد نهر الأردن، باعتباره منطقة بيئية جميلة تجلب آلاف السياح سنويا.
ويرجع السبب في هذا الأمر إلى وجود المياه الدافئة والمعدنية، التي كان يستفيد منها الوافدون للمنطقة بالعلاج والاستجمام.
لكن كان ذلك فيما مضى.
فقد عملت إسرائيل وهي السلطة القائمة بالاحتلال، بعد استيلائها على مناطق الأغوار الشمالية، على قطع الشريان الرئيسي لوادي المالح التاريخي.
وبدأت بشكل تدريجي سلب مياه العيون التي تغذي الوادي حتى جف بشكل تام.
وعندما أقرت الأمم المتحدة في مؤتمرها المعني بالبيئة والتنمية الذي عقد في ريو دي جانيرو عام 1993، الثاني والعشرين من آذار يوما للمياه، كان وقتها ما زالت بقايا المياه تجري في ذلك الوادي التاريخي.
وبعد غد الخميس، يحيي العالم يوم المياه العالمي دون مياه تجري في ذلك الوادي.
وكان حجم تدفق المياه أكثر بكثير عما كان عليه قبل استيلاء إسرائيل على باقي فلسطين التاريخية، كنتيجة لنكسة عام 1967.
والتقت المياه المعدنية الدافئة بوادي المالح مع وجود أبنية قديمة كان يسميها الفلسطينيون "الحمامات"، والتي استخدموها للعلاج والتنزه، لكن اليوم، فقد جف الوادي الذي يشق طريقه إلى نهر الأردن الفاصل بين الضفتين الشرقية والغربية، بشكل تام، بعد أن سلبت إسرائيل المياه الجوفية والسطحية في منطقة الأغوار.
وتعتبر الأغوار واحدة من أكبر الأحواض المائية في فلسطين، وكان بعض الفلسطينيين في ثمانينيات القرن الماضي يزرعون عشرات الدونمات باعتمادهم على مياه الأعين المغذية للوادي.
وكانت في الأغوار عشرات عيون المياه التي كانت تغذي مجريات الوادي، لكن اليوم جف معظمها بعد أن أغلقتها سلطات الاحتلال .
وتشتهر الأغوار بالزراعتين المروية والبعلية تمتد على مساحات واسعة من أراضيها.
يقول نبيل أبو مطاوع، وهو أحد السكان الذين تنقلوا عبر الأغوار الشمالية منذ ثلاثين عاما "ظلت المياه في وادي المالح جارية حتى عام 2003، لكنها بدأت تقل شيئا فشيئا حتى جفت روافده اليوم نهائيا".
وتعتبر الحاجة إلى المياه في الأغوار الشمالية من أكثر المواضيع تعقيدا في المنطقة، وفي وقت يعاني فيه الفلسطينيون من نقص في المياه، تنعم التجمعات الاستيطانية بوفرة المياه فيها.
ويسوّق الاحتلال المياه الجوفية التي سيطر عليها عبر شركة "مكروت" الإسرائيلية التي أقامت عددا من الآبار الارتوازية لها في الأغوار.
وبحسب دراسة أجراها مركز عبد الله الحوراني بعنوان "الأغوار الشمالية بين مطرقة الاحتلال وسندان عصابات المستوطنين، تعطيش الأغوار.. جريمة ضد الإنسانية)، تشير الأرقام إلى أن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني.
في الماضي كان الأمر أفضل حالا مما عليه الآن عندما كان الفلسطينيون يستفيدون من مياه وادي المالح، قبل أن يتمدد الاحتلال بالاستيلاء على مياه الوادي.
يقول وجيه الدبك، وهو أحد الذين اعتادوا القدوم إلى وادي المالح للاستجمام، مستغلين المياه المعدنية الدافئة "كانت هذه المنطقة قبل النكسة منطقة سياحية (..)، كنا نأتي هنا نبيت أياما وليالي متتالية".
ويضيف، كانت منطقة حمامات المالح مكانا سياحيا مشهورا، وكانت السياحة فيه داخلية وخارجية، لوجود المباني التاريخية المبنية منذ فترة حكم العثمانيين للمنطقة، والذي انتهى بعد الحرب العالمية الأولى.
اليوم لم يبقَ غير مجرى الوادي، وبعض الأبنية التاريخية التي هُدم بعضها، واستفاد الفلسطينيون من الأخرى.
وبحسب تقارير سلطة المياه الفلسطينية فإنه يوجد في طوباس والأغوار الشمالية مخزون مائي كبير.
لكن الاحتلال بعد استيلائه على الأغوار، عمل بشكل منظم على سلب خيرات تلك المنطقة المدفونة، بوضع الإسمنت على فتحات العيون المائية.
ويشتكي الفلسطينيون في السنوات الأخيرة من قلة المياه التي تعتبر عنصرا أساسيا في بقاء الزراعة المروية قائمة في الأغوار الشمالية.
وكان الفلسطينيون يعتمدون بشكل كبير على المياه الجارية في وادي المالح بأفرعه كافة، لسقاية مواشيهم على مدار العام، لكن منذ أن جف الوادي صار الفلسطينيون يشترون المياه من شركة إسرائيلية بثمن مرتفع.
"فيما مضى كنا نجلب في اليوم أكثر من 10 أكواب مياه لري مواشينا، اليوم لا يمكن أن نجلب حتى كوبا واحدا، صرنا نشتريها من قرى بعيدة بأثمان مرتفعة". يقول نبيل لمراسل "وفا".