اعتصام يفتقد للأمهات
هدى حبايب
اعتاد ذوو الأسرى من طولكرم، الاعتصام أمام مكتب الصليب الأحمر، يوم الثلاثاء، من كل أسبوع، تضامنا مع أبنائهم.
وجرت العادة أن تشهد هذه الاعتصامات مشاركة أمهات الأسرى.
لكن بات الأمر مختلفا في الفترة الأخيرة، عندما قلت مشاركة الأم لأسباب مختلفة.
ففي المكان الذي يضج بعشرات الأمهات، كان في جعبة كل واحدة منهن قصة تشابه تفاصيل أحداث هذه المناسبة، قبل اعتقال فلذات أكبادهن.
اليوم، لم يعد المشهد ذاته، خلا المكان من الأمهات، وغابت حكايات الألم والأمل التي كانت ترويها كل أم أسير خلال هذا الاعتصام، الذي بات نهجا أسبوعيا تميزت به طولكرم، منذ أكثر من 16 عاما.
نادية الزعبي، والدة الأسير حاتم الجيوسي الذي يقضي حكما بالسجن ستة مؤبدات و55 عاما، واحدة من الأمهات اللاتي كن في مقدمة المشاركات في الاعتصام الأسبوعي.
منعها المرض الذي ألمّ بها منذ عام تقريبا، من الاستمرار في المشاركة في وقفات التضامن مع الأسرى، إلا أنه كانت لها مشاركة في فعاليات التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام في العام الماضي، الذي استمر إضرابهم مدة أشهر، رغم الوعكة الصحية الشديدة، فأبت إلا أن تغادر فراش المرض في المستشفى للمشاركة.
وأعربت الزعبي عن ألمها لعدم قدرتها على الاستمرار في المشاركة في فعاليات التضامن مع الأسرى بسبب المرض، وقالت "منذ 15 سنة وأنا أساند أسرانا داخل السجون، ويعز علي اليوم ألا أشارك في ظل معاناتهم المتواصلة مع المحتل".
الأمراض المزمنة شقت طريقها لأجساد عدد كبير من أمهات الأسرى اللواتي تجاوزت أعمارهن الـ60 عاما، كالسكري والضغط وآلام المفاصل والقلب والعيون، فكانت لهن بالمرصاد، فوقفت عائقا أمام تواجدهن الدائم في الوقفة الأسبوعية، فصرن أمهات على جبهة الانتظار.
هناك والدة الأسير رائد حمدان عتيق المحكوم 26 عاما، ووالدة الأسير شادي مطر المحكوم 24 عاما، ووالدة الأسير يوسف مهداوي المحكوم مدى الحياة، ووالدة الأسير معتصم رداد المحكوم 20 عاما، ووالدة الأسير أحمد عبد الفتاح عواد المحكوم 40 عاما... والقائمة تطول.
"تعبنا كثيرا من الفراق والبكاء على أبنائنا الأسرى، حتى أصابتنا الأمراض" قالت الزعبي.
مسؤولة نادي الأسير الفلسطيني في طولكرم سابقا الأسيرة المحررة حليمة ارميلات، وهي الآن عضو في النادي، كانت دائمة المشاركة في الاعتصام التضامني مع الأسرى، إلى أن تعرضت لوعكة صحية جعلتها طريحة الفراش.
كانت تردد دائما أنه لا بد لمعاناة أمهات الأسرى أن تنتهي، فلا يعقل أن ترحل الواحدة تلو الأخرى وقلبها ينفطر شوقا لمعانقة فلذة كبدها الأسير، دون أية مبالاة من الاحتلال، الذي هو السبب الرئيسي لكل ما يحدث من آلام ومعاناة للأمهات الفلسطينيات.
وغيب الموت عددا من أمهات الأسرى، فرحلن دون رجعة، وقلوبهن كانت تتفطر شوقا لمعانقة فلذات أكبادهن، وتركن مقاعد الاعتصام فارغة.
في عام 2009، توفيت أم العبد عرايس والدة الأسير المحرر أيمن عرايس بعد صراع مع المرض العضال، قبل الإفراج عن نجلها، وكان في ذلك الوقت يقضي حكما بالسجن 11 عاما.
فراق ابنها الأسير في حينه، جعلها تعيش حالة من الحزن الصامت، إلا أنها كانت قوية في مواجهة ظروف الحياة الصعبة التي شعرت بآلامها عند اعتقال ولدها.
أم صالح نصار والدة الأسير إياد محمود صالح نصار المحكوم بالسجن 30 عاما توفيت عام 2015، قبل أن ترى ابنها محررا، والذي ما زال قيد الأسر .
فاطمة الرمعة، والدة الأسير إياد محمود نصار المحكوم بالمؤبد، توفيت بعد صراع مرير مع مرض السرطان الذي لم يمهلها طويلا عام 2016.
كان لهذه الأم حضور فاعل في جميع الاعتصامات التضامنية مع الأسرى.
وأجمع كل من عاصرها في أحاديث لـ"وفا"، أن للراحلة بصمة في أية قضية تهم الأسرى لا يمكن أن تنسى، تارة تشارك في الاعتصام، وأخرى خلال المسيرات والمهرجانات، مطالبة بحق جميع الأسرى العادل في الحرية.
وقالوا: إن الرمعة أو كما كانت تكنى بـ"أم العبد"، تقول كلمة الحق في وجه الاحتلال الظالم ولا تخشى في الله لومة لائم، أحبت جميع الأسرى بغض النظر عن انتماءاتهم، على قناعة تامة بأنهم جميعا أبناء فلسطين، ضحوا بحريتهم من أجل حرية وطنهم وشعبهم من الظلم الغاشم".
ويفتقد المتضامنون مع الأسرى اليوم خلال وقفتهم الأسبوعية، أمهات الأسرى اللواتي كن في حركة دائمة في فعاليات الاعتصام، ويوجهن بصوتهن العالي نداءات للعالم: بأنه آن الأوان لحرية جميع الأسرى من سجون الاحتلال.