عطشى فوق بحر
بلال غيث
رغم أن الفلسطينيين يعيشون فوق أحواض من المياه الجوفية في الضفة الغربية وقطاع غزة (الحوض الشرقي، والغربي، والشمالي الشرقي)،إلا انهم غالبا ما يرددون كلمة عطش.
وفيما يتمتع الاحتلال بالمياه العذبة التي يسرقها من الأراضي الفلسطينية بالاعتماد على عشرات الآبار الجوفية التي قام بحفرها أسفل كل جزء من دولة فلسطين.
ويستهلك المستوطن الإسرائيلي المقيم فوق أرض فلسطين وفق إحصائيات صدرت عن سلطة المياه أربعة أضعاف ما يستهلك المواطن الفلسطيني الذي يستهلك 83 لترا يوميا.
ويتراوح هذا المعدل بين 82.3 لتر يوميا في الضفة الغربية، و84 لترا يوميا في قطاع غزة.
وتعتبر نسبة المياه المستخرجة من المياه الجوفية والسطحية مرتفعة نسبة إلى المياه المتاحة في فلسطين، وبلغت هذه النسبة 77.2% للعام 2016.
يشكل نهر الاردن الذي يمتد على طول الحدود الشرقية للضفة الغربية ويشكل فاصلا طبيعيا بين الضفتين واحدا من المصادر للمياه في فلسطين التاريخية.
ويحرم الاحتلال الفلسطينيين من استغلال حقهم من مياه ذلك منذ العام 1967، والتي تقدر بحوالي 250 مليون متر مكعب سنويا.
وبلغت كمية المياه المستخرجة من آبار الأحواض الجوفية في الضفة الغربية للعام 2016 نحو 84.4 مليون م3.
وتلجأ الأسر الفلسطينية نظرا لشح المياه وعدم توفرها في احيان كثيرة، خصوصا في قطاع غزة، إلى الاعتماد على ما يمكن تسميته "مصادر آمنة للحصول على المياه"، نظرا للتلوث الموجود في المياه الجوفية حاليا في قطاع غزة وبعض مناطق الضفة.
وأظهرت بيانات صادرة عن المركزي الفلسطيني أن 94.9% من أسر فلسطين تسكن في مساكن تحصل على المياه من مصادر آمنة حسب تعريف مؤشرات أهداف التنمية المستدامة.
وتشمل مياه الشبكات العامة ومياه الآبار المنزلية، حيث بلغت هذه النسبة في حضر فلسطين 94.9% وفي الريف الفلسطيني 94.4% مقابل 99.6% في المخيمات.
وبلغت كمية المياه المستخرجة من الحوض الساحلي في قطاع غزة 167.2 مليون م3 عام 2016، وتعتبر هذه الكمية ضخا جائرا، علما بأن مقدار الضخ الآمن وطاقة الحوض المستدامة هي 50-60 مليون م3 فقط، ما أدى إلى عدم توافق أكثر من 97% من نوعية المياه التي يتم ضخها من الحوض الساحلي مع معايير منظمة الصحة العالمية، والذي يؤدي بدوره إلى نضوب مخزون المياه الجوفية، حيث وصل مستوى المياه الجوفية في الخزان الساحلي إلى 19 مترا تحت مستوى سطح البحر.
يقول رئيس مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين عبد الرحمن التميمي لـ"وفا"، إن الواقع الحالي في يوم المياه العالمي لم يتغير بل يزداد سوءا بسبب عدة عوامل، أولها أن كميات المياه المتاحة للشعب الفلسطيني تتناقص رغم النمو السكاني المتصاعد، وكذلك سوء إدارة المياه من البلديات، ومساعي الاحتلال لتحويل شعبنا إلى زبائن لشركات التحلية الإسرائيلية، واستغلال المياه الموجودة في الضفة لصالح التوسع الاستيطاني.
وأضاف ان الجديد في التوسع الاستيطاني الجاري في الضفة الغربية هو استخدام المياه في المنشآت الصناعية في الضفة الغربية بعد فشل الاحتلال في إحضار مزيد من السكان المستوطنين للضفة.
وأوضح التميمي أن الاحتلال حول جزءا كبيرا من المناطق الاستيطانية إلى مناطق صناعية، مثل منطقة سلفيت، وإلى مناطق زراعية كما يجري بالأغوار، وهذه المناطق بحاجة لكميات كبيرة من المياه.
وبين أن إسرائيل تسعى وراء التوسع الزراعي الصناعي في الضفة إلى الاستيلاء على مزيد من الأراضي الفلسطينية والمياه الفلسطينية، فمزارع واحد من المستوطنين يستهلك آلاف المترات المكعبة من المياه.
وبين أن الخطة الإسرائيلية الحالية هي تخصيص كل المياه في الأرض الفلسطينية لأغراض التوسع الاستيطاني، وتقليل المخصص منها للفلسطينيين.
وقال إن المياه المتجددة في فلسطين سنويا هي 650 مليون متر مكعب، ونحن نستغل 15% فقط، فيما يستغل المستوطنون 80%، و5% لا يمكن استغلالها لأسباب فنية، في حين تستغل إسرائيل 500 مليون متر مكعب سنويا من الضفة.
وتحدث التميمي عن أن سعر المياه مدعوم للمستوطنين، حيث يدفعون 30% فقط من تكلفة المياه والباقي تدفعه مؤسسات الدولة ومجلس المستوطنات.
ولفت الى أن الاستهلاك في غزة أقل 10% من الاستهلاك الآدمي، مشددا على أنه لا يمكن الحديث عن ترشيد الاستهلاك لأن المواطن الفلسطيني يستهلك الحد الأدنى من المياه.
ورأى التميمي أن "الوضع المائي في الأرض الفلسطينية أصبح لا يحتمل، وأن على الجانب الفلسطيني أن يقلب الطاولة في وجه الاحتلال الإسرائيلي في هذا السياق".
وبين لــ"وفا" أن ربط الخطوط الرئيسية في الضفة الغربية مع الخطوط الرئيسية للمستوطنات يُصعّب الانفكاك عن الاحتلال في البنية التحتية، وهذا لصالح الاستيطان وليس لصالحنا.
وأوضح أن ما يقوم به الاحتلال في البنية التحتية المتعلقة بالمياه يجعل من التخطيط على المستوى الوطني في موضوع المياه مستحيلا، ويصعب وضع استراتيجية للحد من نقص المياه في فلسطين.
وقال في السياق، إن غزة تعيش كارثة بيئية ومائية محققة، والحلول معطلة جراء الانقلاب واجراءات الاحتلال، فمثلا مشروع عمل محطة التحلية لإنتاج 150 مليون متر مكعب من مياه البحر معطل بسبب الانقلاب.
وشدد على أنه يجب إعادة إثارة ملف المياه كملف سياسي، وكذلك التوقف عن التفكير بشراء المياه من إسرائيل، وحفر الآبار في أرضنا من أجل استخراج مياهنا.
ورغم كل المؤشرات السيئة حول موضوع المياه، إلا أن دولة فلسطين تمكنت أمس الثلاثاء، من تحقيق إنجاز هام يتمثل في إدراج بند خاص بالحق في الوصول إلى مصادر المياه كحق أساسي وانساني كفلته القوانين الدولية، وذلك خلال مشاركتها في الاجتماع الوزاري المخصص لإعداد البيان الختامي الوزاري لاجتماع البرازيل العالمي الخاص بالمياه.