الفلسطينيون يفقدون أغنية الكفاح العنيد
جميل ضبابات
عندما وصلت ريم بنا إلى رام الله قبل أقل من عام للقاء بعض الأصدقاء، كان صوتها قد اختفى تماما، لكن منسوب الأمل عند واحد من اصدقائها المقربين كان مرتفعا بأن تستعيد "ملكة المحاربين" -كما يصفها اصدقاؤها- صوتها الرنان مرة أخرى.
وقال حمزة أبو عياش وهو فنان تشكيلي يقيم في رام الله، "كان صوتها محزنا في ذلك اليوم الذي التقينا فيه".
وأشار إليها عبر كلمات قليلة كتبها في صفحته الشخصية في "فيسبوك" بعد ساعات قليلة من رحيلها "إلى لقاء. باي ريم".
وأبو عياش وهو من أصدقاء قليلين التقوا بنا في مطعم صنوبر برام الله في زيارتها الأخيرة منذ 9 سنوات، وهي السنوات التي صارعت فيها سرطان الثدي.
وأخبر وكالة "وفا"، "آخر اتصال كان بيننا قبل 3 أشهر. كان صوتها متعبا، لكنه كان أفضل من آخر لقاء في المدينة".
وإلى جانب صوتها الفني العميق، عرفت بنا وهي من مواليد مدينة الناصرة عاصمة الجليل بصوتها القومي القوي. وكان كلامها الموجه لجمهورها دائما ما يحمل نبرة التحدي والنضال لاستعادة فلسطين من الاحتلال.
وآثر متابعون فلسطينيون وعرب في مجتمعات مواقع التواصل الاجتماعي، إعادة بث أغان لبنا عبر الفضاءات الاجتماعية الالكترونية عرفت بالتهليلات للفنانة بعد الإعلان عن رحيلها مباشرة.
هكذا نعوا الفنانة التي رافقها منذ تسع سنوات مرض السرطان، وأدت مضاعفاته إلى وفاتها فجر اليوم السبت.
واستطاعت بنا هزيمة مرض السرطان مرتين خلال رحلة طويلة من العلاج، لكنها في وقت سابق من العام قبل الماضي، قالت إنها ربما لن تغني إلى الأبد، بعد أن فقدت حدة صوتها بسبب إعياء كبير أصاب أوتارها الصوتية.
وصوت بنا واحد من الأصوات التي عرفت أولا في أوساط الفلسطينيين الذين يعيشون داخل أراضي عام 1948، لكنه سرعان ما أصبح ذلك الصوت العميق معروفا جيدا لدى عموم الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وفي الشتات.
في أغانيها حاكت بنا التي بدأت الغناء في نهاية العقد الأول من حياتها التراجيديا الفلسطينية، وفي متن أغانيها استخدمت المفردات والأمثال القادمة من عمق اللهجة المحكية الفلسطينية.
وخبر رحيل بنا انتشر بسرعة عبر فضاء "فيسبوك" في البلدان العربية.
كانت ريم بنا أحد الأذرع الفنية التي امتدت في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، وفي كثير من أغانيها كان الهم الوطني الفلسطيني حاضرا.
كان أول ظهور لهذه الفنانة عندما طرحت في مجتمع الغناء الوطني الفلسطيني سلسلة من أغاني الأطفال التي ألفتها وغنتها.
وقال زكريا محمد وهو كاتب ومؤلف فلسطيني، "خسرنا اليوم واحدة من أجمل نساء فلسطين وأعظمهن: ريم بنا. خسرنا الصوت الذي فتح باب الفرح إلى قلوبنا وقلوب أطفالنا. أنا شخصيا مدين لريم بالكثير. لقد تربى أولادي أطفالا على أغانيها".
"حبيبتنا ريم الوداع. حبيبتي ريم الوداع". أضاف.
وأجمع جمهور واسع من الكتاب والفنانين أن فلسطين أفاقت هذا اليوم على خسارة كبيرة بوفاة بنا.
وقال أنور حامد وهو روائي فلسطيني مقيم في لندن، "يا ريم! وطن بأكمله كان يصحو كل صباح، يفتح عينيه ليطمئن أنك كسبت الجولة مرة أخرى. كنا ندرك أن الرحلة الطويلة، المشوار القاسي أنهكك".
وأضاف عبر صفحته الشخصية في "فيسبوك"، وطن بأكمله يودعك اليوم يا غزالة ويترنم بأغنية هي الأعذب والأبقى: أغنية كفاحك العنيد، أغنية عنادنا جميعا وشموخنا واصرارنا على أن نحيا".
عندما اختيرت بنا شخصية العام الثقافية في العام 2016 وظهرت على منصة التكريم، أشارت إلى صوتها المتعب بعد أن داهم المرض أوتار حنجرتها، لكنها أخبرت المحتفلين يومها "المشكلة التي أعانيها الآن هي تلك المشكلة التي تحول دون تقديم أغنيات جديدة، إذ أعاني شللا في الوتر اليساري لأسباب مجهولة".
لكنها قالت في ذلك اليوم، إن ذلك لا يعني أن سلاحها في مواجهة الاحتلال "سقط".
وهنا قال أبو عياش "كان صوتها عاليا في مواجهة الظلم والاحتلال (..)، كان لدينا أمل أن تستعيد صحتها وصوتها".
كانت بنا حولت سيرة مرضها إلى ما يشبه عروض الأناقة عبر صور عديدة نشرتها لمتابعيها في "فيسبوك".
وقال محمد "أنا معجب بريم بنا، التي حولت المرض إلى أناقة، وحولت آثاره إلى موضة، موضة جميلة. نعم، ريم بنا هي الأناقة ذاتها. وقد جعلت المرض يبدو أنيقا. لقد خسرنا مع رحيل ريم طعم الأناقة".
وظهرت بنا في صور عديدة بشعر خفيف بعد أن فقدت جزءا منه نتاج العلاج الكيماوي.
وفي 18 كلمة أعلن عن رحيل صوت الجليل من قبل والدتها زهيرة صباغ "رحلت غزالتي البيضاء".
"خلعت عنها ثوب السقام. ورحلت. لكنها تركت لنا ابتسامتها تضيء وجهها الجميل. تبدد حلكة الفراق".