يوم الأرض للتمسك بالأرض
سامي ابو سالم
وصل عبد الكريم الكحلوت، (64 عاما) وعائلته إلى "مخيم العودة" الرمزي شرق مخيم جباليا، شمال غزة، تفحَّص أسماء القرى على الخيام وتوجه إلى خيمة تحمل اسم قريته "نِعِليا". ألقى بمتاعه وجلست زوجته تغزل قطعة قماش صوفية بصنارتين.
الكحلوت وعائلته كانوا ضمن عشرات الآلاف الذين شاركوا في مسيرات إحياءً الذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض على الحدود الشمالية والشرقية لقطاع غزة امس.
لم يمنع الغبار أفواجا من المواطنين ان يتوافدوا على "تل أبو صفية" المقام عليها المخيم، يصلون بسياراتهم والحافلات والدراجات الهوائية والبخارية كارات "عربات تجرها الخيول والحمير" أو مشيا على الأقدام.
شاب يشير إلى آخر بإرجاع ابنه الرضيع خوفا عليه من الغاز المسيل للدموع.
وقال الكحلوت "إنه يشارك في المسيرة كواجب وطني للتعبير عن التمسك بالأرض، فلن يهدأ له بال حتى يقرأ الفاتحة على قبر جده الذي قتله جنود الاحتلال في نعليا".
"رفض أبي مغادرة القرية هو ومجموعة أخرى، جاءهم جنود الاحتلال وقتلوهم وهم في الديوان، تسلل أعمامي بعد 48 ودفنوهم هناك."
وأشار الى أن قضية العودة أكبر من مسيرات وتقارير صحفية واتفاقات دولية. "نحن لسنا بشعب متسولين، أعطونا حقوقنا ولا نريد شيئا، القضية قضية حق شخصي، حقنا هو أن نعود."
وتنتشر خيام، محاطة بساتر ترابي من الجهة الشرقية المواجهة لجنود الاحتلال، على تل "أبو صفية" في منطقة خطتها اللجنة التنسيقية العليا لإحياء ذكرى يوم الأرض، تبعد 700 مترا عن الحدود تجنبا للاحتكاك مع جنود الاحتلال وللحفاظ على سلمية المسيرة، كما قالت اللجنة في بيانات لها.
وتحمل كل خيمة اسم قرية من القرى الفلسطينية التي احتُلت عام 48 وأقيمت عليها مستوطنات إسرائيلية أو يتم استغلالها في الزراعة والصناعة.
فرق فنية أدت عُروض الدبكة الشعبية وغيرها من الفنون الشعبية، وأنغام الأغاني الثورية والتراثية تصدح في المكان داعية للتمسك بالأرض.
بعض الشبان أتوا بأدوات موسيقية أبرزها الناي والعود والطبل وشكلوا حلقات عزفوا فيها أغانٍ تراثية.
وينتشر على حدود قطاع غزة المحاصر إسرائيليا 5 نقاط، في الخمس محافظات في قطاع غزة لتمركز مسيرات يوم الأرض.
ويحيي الشعب الفلسطيني في الثلاثين من آذار من كل عام ذكرى يوم الأرض الذي استشهد فيه ستة مواطنين فلسطينيين وأصيب العشرات برصاص قوات الاحتلال في احتجاجات نظمها المواطنون أواخر آذار عام 1976 ضد مصادرة أراضيهم في عدة قرى فلسطينية في الجليل أبرزها عرابة وسخنين ودير حنا.
وسط المخيم تجلس كريمة الشرافي على باب خيمة حملت اسم "هِرِبْيا" وهي قرية تبعد 15 كم شمال غزة، احتلتها إسرائيل عام 48 وأقامت عليها قرية أسموها "كرمي".
تقول الشرافي (63 عاما) إنها وصلت للمنطقة الحدودية "لتشتم هواء البلاد".
"الأرض أرضنا والبلاد بلادنا ويجب أن نعود آجلا أم عاجلا"، قالت الشرافي، مشددة أن قرارات الأمم المتحدة وتقسيم فلسطين إلى دولتين أو عشر دول لا تعنيها، فما تفهمه هو أن لها أرض ستعود لها.
ما أن أنهت الشرافي حديثها حتى دوى أزيز الرصاص ما أجبر العشرات من الشبان بالانحناء أو الاستلقاء على الأرض.
واستشهد 15 مواطنا بنيران الاحتلال فيما أصيب 1456 آخرين بجروح مختلفة جراء إطلاق النار واستنشاق الغاز المسيل للدموع، الذي امطرت قوات الاحتلال المشاركين في المسيرات به.
ولم يستطع طفل أن يتحدث لمن حوله قبل أن يتدعثر وهو متمسك بعلم فلسطين، ويفرك عينيه جراء استنشاق غاز مسيل للدموع.
مجموعة من الشبان وصلوا إلى المخيم بعد أن قطعوا زهاء 4 كيلومترات مشيا على الأقدام في شوارع ترابية تشق طرقا زراعية.
فريد عبد الله (28عاما)، الذي يصل المنطقة الحدودية لأول مرة في حياته، قال إنه يشارك في مسيرات يوم الارض لأن "العودة الأمل الوحيد لحياة أفضل."
وأضاف "الحياة في غزة صعبة ولا أمل للتحسن ولا للسفر ولا للعمل ولا لامتلاك بيت، "العمل على العودة هو الخيار الأخير،" قال عبد الله وهو يعبث بسنبلة قمح قطفها من حقل في طريقه.
يجلس عبد الكريم العبد المدهون (65 عاما) على الأرض الترابية ينفخ على كومة من الحطب يحاول أن يشعل النار ثانية لإكمال اعداد الشاي في ابريق على ثلاثة حجارة نصبها أمام خيمة تحمل اسم مدينته "المجدل/ عسقلان".
يقول المدهون "إنه أتى للمخيم إحياءً للذكرى الثانية والأربعين ليوم الأرض وتمسكا بحق العودة لبيت جده في مدينة عسقلان.
"سنعود لعسقلان اليوم أو غدا، إن لم نعد نحن سيعود أبناؤنا وأحفادنا"، قال المدهون.
وعن سر تمسكه بعسقلان رغم أنه لم يكن مولودا عندما هُجر أجداده قال المدهون "إنه رأى بيت جده عدة مرات ورآه والجرافات الإسرائيلية تهدمه".
وأضاف أنه زار البيت "المسقوف بالباطون" مع أبيه وكان يقطنه يهود من اليمن، "من المرات النادرة التي أرى فيها أبي يبكي يوم أن جاءت جرافة البلدية وسوته بالأرض." قال المدهون 65 عاما.